مقالات

هل هؤلاء يمثّلون الشعب التونسي؟ وهل اعتذار ماكرون عن تدمير ليبيا كافيا؟

سعيد بن عبدالله الدارودي
كنت دائماً أردد جملة أثيرة إلى نفسي وهي أنَّ “تونس عروبتها عنيدة”. وما زلت أرددها وأؤمن بها رغم ما حدث مؤخراً في مجلس النواب التونسي.
الحادثة المستفزة التي جعلتني أكتب هذه السطور، والتي شعرت معها بإهانة بالغة هي زيارة الرئيس الفرنسي لتونس وكلامه الذي قاله تحت قبة البرلمان التونسي وأمام أولئك الذين يفترض بهم أن يكونوا عند حُسْن ظن الجماهير التي انتخبتهم. لكن من تكن حساباته هي حسابات التجّار التي تنحصر في الربح والخسارة لا يصلح أن يكون نائباً للشعب ويشغل مقعداً تحت قبة برلمان السلطة التشريعية.
إليكم ما حدث؛ ألقى الرئيس الفرنسي «ايمانوال ماكرون» يوم الفاتح من فبراير 2018م خطاباً شبه ارتجالي تحت قبة البرلمان التونسي، تكلم فيه لمدة تجاوزت الخمسين دقيقة.
يقول ماكرون في خطابه: «الفرنكوفونية ليست مشروعاً فرنسياً»، ولا يسعنا سوى أن نرد عليه متسائلين: أي نوع من المشاريع هي الفرنكوفونية إنْ لم تكن مشروعاً فرنسياً يا سيادة الرئيس ؟ هل هي مشروع مغاربي منبثق من عقيدة شعوب المغرب العربي الإسلامية ومن لغتهم العربية ومن تراثهم وثقافتهم وأحلامهم وطموحاتهم؟ ويقول بأن فرنسا ستفتتح ستة مراكز لتعليم اللغة الفرنسية هذا العام في كل أرجاء تونس. وهو يصرّح بذلك بدلاً من أن يبشّر عرب تونس بأن باريس قررت افتتاح ستة مراكز لتعليم اللغة العربية في كل أرجاء فرنسا.
ويعتذر الرئيس الفرنسي في البرلمان التونسي عن ما فعلته بلاده في ليبيا عام 2011م مع حلف الناتو متجاهلاً أن الدولة الليبية ـ أيام ما كانت حرّة مستقلة وعزيزة أبيّة ـ قد انتزعت انتزاعاً الاعتذارَ الرسمي من إيطاليا بخصوص احتلالها لليبيا، وعوّضتها مادياً عن تلك الحقبة، وجعلت العالم كله يشاهد الرئيس الإيطالي السابق «سيلفيو بيرلسكوني» يقوم بتقبيل يد ابن الشهيد البطل عمر المختار تأكيداً لأسفه وندم حكومته عن سنوات احتلال بلاده لهذا البلد العربي المنكوب، فقد كان الأحرى بالرئيس الفرنسي أن يستغل وجوده في مجلس النواب عند زيارته لتونس فيقوم بالاعتذار للتونسيين عن احتلال بلاده لتونس ويعدهم بأن حكومته ستقوم بتعويضهم مادياً عن تلك الحقبة البغيضة والتي هي وصمة عار في جبين فرنساً.
هؤلاء الذين استمعوا لخطاب ماكرون وجهاً لوجه في مجلس النواب التونسي ولم يشعروا بالإهانة مما تخلل خطابه من عبارات تخدش الشعور الديني والقومي والوطني هل هم يمثلون حقاً الجماهير التي اختارتهم حتى يكونوا صوتها الصادح بما ترغب به لحاضرها ومستقبلها؟ وهل هؤلاء الذين ارتضوا أن يخاطبهم «ايمانوال ماكرون» بكل وقاحة وصفاقة يمثلون ضمير الناس الذين وضعوا ثقتهم فيهم؟ فلو كان هؤلاء وطنيين حقيقةً، أو يمتلكون القدر الأدنى من الغيرة الوطنية والشعور بالمسؤولية الملقاة على عاتقتهم بصفتهم نواباً للشعب؛ لردوا علي رئيس فرنساً بما يستحق، ولجعلوه يعيد حساباته ويدرس خطواته، ويهذّب خطابه القادم، وينقحه أكثر من مرة، ويختار كلماته بحذر وعناية، قبل أن تطأ قدمه التراب الغالي لتونس الخضراء.
من يستمع إلى ردود فعل الشارع التونسي يعرف حقاً أن الشعب ليس براض عمّا قاله الرئيس الفرنسي وليس براضٍ عن صمت النوّاب البائس تجاه خطابه الوقح المستفز، بل وتصفيقهم له.
ولكن «نواب الشعب التونسي» انطلقت ألسنتهم بعد ذلك الخطاب وكانت ردود أفعالهم مغايرة تماماً لردود أفعال الجماهير الشعبية التونسية، فهذا نائب يقول عن خطاب ماكرون: «يمكن أن يكون مبعث اطمئنان خاصة في المستوى السياسي والاقتصادي ارتباطا بالدعم المالي الذي تحدث عنه”. وثانٍ يؤكد: «أنَّ خطاب ماكرون يتضمّن رسائل إيجابية». وهناك نائبة تقول: «أنا معجبة جدا بخطاب ماكرون.. خطاب عظيم في مستوى الرؤى التي طرحها والمقاربات».
وأكد الرئيس الفرنسي أن حل القضية الفلسطينية والصراع الدائر في الشرق الأوسط لا يكون إلّا بالاعتراف بدولتين تكون عاصمة كل منها القدس، ها هو الرئيس صاحب «خطاب النوايا» يقول لنا وبكل وقاحة هذا الكلام، في الوقت الذي لم تبرد بعد تصريحات زميله الرئيس الأمريكي «ترامب» بخصوص القدس.
لم تنتهِ استفزازات كاميرون عند كلمات الخطاب وتقف عنده، بل أضاف إليها استفزازاً آخرا حينما ذهب ليضع إكليلاً من الزهور ترحماً على ضحايا العملية الإرهابية التي وقعت عام 2015 في متحف باردو؛ ولو كان يملك شعوراً إنسانياً صادقاً لذهب كذلك إلى ساحة مقبرة الشهداء بسيدي حسين السيجومي، ووضع هناك إكليلاً من الزهور ترحماً على الشهداء التوانسة، والذين هم ضحايا العمليات الإرهابية التي قامت بها قوات الاحتلال الفرنسي خلال فترة استعمارها لتونس.
هل هؤلاء النواب ـ ومن على شاكلتهم ـ يمثلون تونس الحبيبة؟ لا أقول “أشك في ذلك”، وإنما أقول ـ وأنا موقِن كل الإيقان ـ بأنهم في واد والشعب التونسي الأصيل في واد آخر.