بقلم : د. رعد هادي جبارة
حقائق كثيرة ومعطيات عديدة يلحظها المتابع لاجتماعات الدورة الجديدة لمجلس حقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمم المتحدة المنعقد في جنيف.
بادئ ذي بدء لابد من القول أن المجلس هو أعلى هيئة أممية تختص بقضايا حقوق الإنسان في العالم ورغم ذلك انتُخبت الحكومة السعودية (صاحبة السجل الأسود في حقوق الإنسان) مرتين متتاليتين لعضوية المجلس رغم انتهاكاتها الحقوقية الموثقة والمتواصلة لابسط معايير الحقوق الإنسانية!
وكان المفترض أن تراعي الجمعية العامة للأمم المتحدة إسهام الدول المرشحة لعضويتها في احترام و تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها لديها اولا، وكذلك تعهداتها والتزاماتها الطوعية في هذا الصدد. ولكن كل هذا لم يؤخذ في الحسبان عند انتخاب السعودية مرتين لعضوية هذا المجلس، حيث انتُخبت السعودية للمرة الثانية على التوالي في أكتوبر/تشرين الأول 2016 دون أن تُجرَى انتخابات أو اقتراع سري ولا حتى تقييم لسجل السعودية المخزي في مجال حقوق الإنسان، لأن المقاعد موزعة على أساس جغرافي والمجموعة الأسيوية وضعت أربعة مرشحين من بينهم السعودية لأربعة مقاعد شاغرة مخصصة لها وهكذا ضمنت السعودية مقعدها حتى نهاية 2019 بسهولة.
وفي الوقت الذي يركز مجلس حقوق الإنسان على دول معينة مناوئة للاستكبار العالمي “كالجمهورية الإسلامية الإيرانية” نجده يتغافل – عن عمد وسبق إصرار – عما تقوم به سلطات آل سعود من انتهاكات صارخة ومخالفات سافرة لمقررات وضوابط حقوق الإنسان سواء على الصعيد المحلي أو الخارجي.
فقد تدهورت حالة حقوق الإنسان في السعودية بشكلٍ خطير مؤخراً نتيجة استهداف ذوي الرأي الآخر بشكلٍ ممنهج ويومي من قبل السلطات وذلك منذ تولي محمد بن سلمان ولاية العهد في يونيو/حزيران ٢٠١٧.
اذ شملت حملات الاعتقال كتابا وأكاديميين وناشطين سعوديين على الإنترنت ورجال دين كان أبرزهم آية الله محمد باقر النمر الذي اعدمته السلطات ظلما وتعسفا دون ذنب وبلا محاكمة عادلة وامتنعت حتى عن تسليم جثمانه الطاهر لعائلته وذويه، بل لايعلم أحد أين هو قبره! وفي أسبوع واحد فقط في شهر سبتمبر/أيلول، اُحتجز أكثر من [٢٠] شخصاً من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان في أعقاب موجة من الاعتقالات التعسفية، واثر الأزمة الاخيرة مع قطر تم اعتقال حوالي 60 من رجال الدين وأئمة المساجد وخطباء الجمعة اعتباطا في السعودية.
وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أنه بتاريخ 25 يناير/كانون الثاني 2018، أصدرت محكمة في الرياض، حكمها بالسجن لمدة 14 سنة ضد (محمد عبد الله العتيبي)، وحكماً آخر بالحبس لمدة 7 سنوات ضد (عبد الله مضحي العطاوي) بسبب نشاطهما في مجال حقوق الإنسان. وكانا العتيبي والعطاوي قد أسسا جمعية الاتحاد لحقوق الإنسان لمراقبة الوضع الحقوقي والمناصرة من أجل احترام حقوق الإنسان في السعودية. واعتبرت سلطات ال سعود هذا عملا معاديا للدولة!
ومن المهازل أن السلطات السعودية كانت تمنع النساء من قيادة السيارة حتى الفترة الأخيرة قبل أن يصدر أمراً ملكياً في شهر سبتمبر/أيلول 2017 يسمح للمرأة بالقيادة بداية من شهر يونيو/حزيران 2018! ولا تزال هنالك العديد من القيود التمييزية ضد المرأة. فعلى سبيل المثال لا يزال نظام الولاية الذكورية على المرأة في السعودية، مطبقا كما تتعرض المدافعات عن حقوق الإنسان للإسكات وتكميم الأفواه وحتى الاعتقال حيث غالباً ما يتم استدعاؤهن للاستجواب ويواجهن التعذيب خلال الاعتقال.
وكانت الناشطة (نهى البلوي) قد اعتقلت في 23 يناير/كانون الثاني 2018 بسبب تعليقها على السياسات الخارجية للسعودية ومساندتها لحقوق المرأة على الإنترنت.
والطريف أن سبب اعتقالها هو نشرها مقطع فيديو في اليوتيوب انتقدت فيه تطبيع العلاقات بين آل سعود والكيان الإسرائيلي واستجوبت حول نشاطها الحقوقي وحققت معها السلطات حول تغريدات ومقاطع فيديو كانت قد نشرتها وأعربت فيها عن مساندتها لحملة قيادة المرأة للسيارة، وتضامنها مع معتقلي الرأي في السعودية، ومع حركة حقوق النساء وحقوق الإنسان بشكلٍ عام. وبقيت رهن الاعتقال 29 يوماً بشكل تعسفي.
هذا فضلا عن الجرائم بحق الإنسانية وجرائم حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها يوميا حكام الرياض ضد الشعب اليمني المسلم الصامد.
فكيف يسمح مجلس يزعم الدفاع عن حقوق الإنسان بعضوية هكذانظام وحشي فيه؟ ولماذا التغاضي عن هذا الكم الهائل من انتهاكاته وجرائمه محليا ودوليا؟