بسام ناصر
الحاج: ليست هناك وثائق مكتوبة تبين رأي الرئيس أردوغان وموقفه من تطبيق الشريعة الإسلامية
أثارت تصريحات الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، التي قال فيها: “لا يمكننا تطبيق أحكام إسلامية صدرت قبل قرون”، ردود فعل ساخطة في أوساط منتقديه.
وقال أردوغان، في كلمة ألقاها خلال حفل أقيم بمناسبة اليوم العالمي للمرأة: “يدلي بعض رجال الدين بتصريحات، ويصدرون فتاوى حول المرأة لا مكان لها في ديننا”، مضيفا: “إنهم لا يعيشون في عصرنا، وإنما في عالم آخر، هم عاجزون لدرجة أنهم لا يعلمون بأن الإسلام يحتاج للتحديث”.
وأوضح الرئيس التركي أنه “لا يمكن تطبيق الإسلام بأحكام صدرت قبل 14 و15 قرنا، وتطبيق الإسلام يختلف بحسب المكان والزمان والظروف، وهنا يكمن جمال الإسلام”.
ودافع مؤيدو الرئيس عن تصريحاته تلك بما قاله هو نفسه في تصريحات تالية جاء فيها: “عقب خطابي يوم الخميس، بدأ البعض في الحديث بهذا الشكل الخاطئ في مواقع التواصل الاجتماعي، لكنكم لن تستطيعوا أن تخيفوا العبد الفقير، لأنني سأواصل الحديث عن الحقيقة أيا كانت”، موضحا أن “قاعدة تغير الأحكام (الفقهية وليست النصية) بتغير الأزمان لا يمكن نكرانها”، مع تأكيده على أن “نصوص القرآن وأحكامه لم ولن تتغير”.
اقرأ أيضا: أردوغان: نصوص وأحكام القرآن الكريم لم ولن تتغير (شاهد)
لكن الكثيرين من منتقديه وجدوا في تصريحاته تلك دليلا جديدا على إثبات نهجه العلماني في إدارة الدولة، وأن الرجل لا يسعى عبر الدولة التي يتربع على كرسي رئاستها إلى تطبيق الشريعة، وهو إذ يفعل ذلك ينسجم تماما مع قناعاته ورؤيته.
في هذا السياق، لفت رئيس قسم الشرق الأوسط في وقف المعارف التركية، جلال الدين دوران، إلى أن “التصريحات الأخيرة للرئيس أردوغان بشأن تحديث الأحكام الشرعية تزامنت مع نشر مقطع للشيخ نور الدين يلدز يعود تاريخه إلى عام 2007، يتحدث فيه عن ضرب المرأة، وعن الحالات التي يمكن ضربها، ومقدار هذا الضرب”.
وأضاف دوران لـ”عربي21″: “بعد تداول هذا الفيديو مؤخرا بدأت حملة شعواء من المؤسسات الإعلامية العلمانية والليبرالية وبعض مؤسسات حقوق المرأة ضد الشيخ نور الدين يلدز”.
وأشار دوران إلى أن “إثارة هذا النقاش، وتحوله إلى مسألة رأي عام بعد إعادة نشر المقطع من أطراف معينة، يثير أسئلة كبيرة حول نية وقصد الجهة التي قامت بهذا الأمر”.
ووفقا لرئيس قسم الشرق الأوسط في وقف المعارف التركية، فإن “ما يجب التركيز عليه الآن هو: تحديد الجهة التي قامت بإعادة نشر المقطع الآن، وأرادوا بذلك تحويل المسألة إلى قضية رأي عام في تركيا”، متسائلا: “لماذا قاموا بهذا الأمر الآن”؟
وتابع دوران حديثه بالقول: “إن الأطراف الليبرالية هدفت من وراء ذلك إلى أمرين: أولهما إحراج الرئيس أردوغان أمام الإعلام، وإجباره على خيارين أحلاهما مر، فإن قال: لا، هذا ليس هو حكم القرآن، فإن جوابه سيعني رد الأحكام الشرعية، وهو ما سيحدث مشاكل بين الرئيس ومختلف الأوساط الإسلامية”.
أما إن قال أردوغان: نعم هذا الأمر من عند الله، فإن الإعلام العالمي ووسائل الإعلام الليبرالية ستضغط عليه، وتتهمه بأنه يعمل على تطبيق الشريعة في تركيا”، مبينا أن “الرئيس اختار أن يُسكت الأوساط الليبرالية والعلمانية بقوله إن هذه الأحكام لا يمكن تطبيقها، مع توجيه كليات الشريعة ورئاسة الشؤون الدينية للتحرك في هذا الاتجاه”، على حد قوله.
وجوابا عن سؤال: هل الرئيس يريد تطبيق الأحكام الشرعية في تركيا؟ قال دوران “إن حياة أردوغان السياسية خلال 30 سنة، تبين لنا من دون شك أنه يحب الإسلام ويلتزم به في حياته الخاصة”، مستدركا بقوله: “لكن تركيا ليست مستعدة الآن للدخول في نقاشات تطبيق الشريعة؛ لأن هناك الكثير من الضغوط الداخلية والخارجية، والتي قد تجر إلى مشاكل كبيرة”.
من جهته، لفت الكاتب والمحلل السياسي المختص في الشأن التركي، سعيد الحاج، إلى “عدم وجود وثائق مكتوبة تبين رأي الرئيس أردوغان وموقفه من تطبيق الشريعة الإسلامية، وكذلك حزب “العدالة والتنمية” الذي يرأسه، مع أن الحزب في أدبياته التأسيسية ينص على أنه “حزب ديمقراطي محافظ”، ولم ترد أي إشارة إلى “إسلاميته” أو تطلعه لتطبيق الشريعة”.
وأوضح الحاج، في حديثه لـ”عربي21″، أن “ما يمكن استخلاصه من تصريحات الرئيس أردوغان وممارساته التطبيقية أن ما يتجه إليه الحزب هو أقرب ما يكون إلى “الرؤية المقاصدية”، بمعنى الحرص على تطبيق مبادئ وقيم العدالة والحرية وحقوق الناس”، مع تبني خيار “علمانية الدولة” بأن تكون راعية لجميع مكوناتها الفكرية والسياسية، على حد سواء، دون أن تنحاز لفكر ما أو أيديولوجيا معينة.
بدوره، انتقد الباحث الشرعي الأردني، صالح اللحام، الذين يدافعون عن تصريحات الرئيس التركي أردوغان الأخيرة، لأنهم “يريدون إلباس الرجل ثوب الإسلامية عنوة، مع أنه منسجم مع نفسه وأفكاره تماما، فهو يقود نهجا علمانيا واضحا، يفصل تماما بين الدين والدولة”.
وبحسب اللحام، فإن الجانب الديني الذي يحرص الرئيس التركي على إبرازه وإظهاره هو “الجانب الطقوسي”، ولا توجد أي أدلة أو وقائع تثبت سعيه وتوجهه لتطبيق الأحكام الشرعية في الشأن السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي”.
وقال اللحام لـ”عربي21″: “إن أردوغان هو خير من يقدم نفسه للآخرين، فالرجل في أكثر من مناسبة صرح بأنه رجل مسلم، يقود دولة علمانية، وحينما زار مصر بعد ثورة 25 يناير، قدم نصيحته للمصريين بتبني الدولة العلمانية، وهو ما أثار حفيظة قيادات إخوانية مصرية ضده”.
وختم اللحام حديثه متسائلا: “لماذا يصر إسلاميو العرب على إلباس أردوغان ثوب إسلاميتهم الذي لا يريد لبسه، بل دعاهم بصريح العبارة إلى لبس ثوبه العلماني، الذي يراه حلا ناجعا؟”.