الخلاف يتفاقم مع تركيا.. إلى أين ستصل علاقة فرنسا بالأكراد السوريين؟

1

ميرفت عوف

يوصف بأنه الخلاف الأحدث بين تركيا وحلفائها الغربيين، إنه الخلاف القائم الآن بين أنقرة وباريس بسبب دعم الأخيرة للأكراد السوريين، واتخاذها خطوات جديدة تثير غضب أنقرة. ورغم أن الدعم الفرنسي للأكراد السوريين ليس جديدًا، ولم يرتبط بزيارة وفد كردي لقصر الإليزيه قبل أيام، إلا أن ردة الفعل التركية تنذر بتدهور قادم في العلاقات بين البلدين، إذ تعتبر تركيا أي تقارب مع الأكراد «خطًّا أحمر» لا تسمح لأي أحد بتجاوزه.

فرنسا تتحرك أكثر نحو دعم الأكراد السوريين
في التاسع والعشرين من مارس (آذار) الماضي، استقبل الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، وفدًا من قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في قصر الإليزيه بباريس، وحسب بيان الرئاسة الفرنسية فإن «ماكرون»: «أكد دعم فرنسا لقوات سوريا الديمقراطية، خصوصًا من أجل تحقيق الاستقرار في المنطقة الأمنية في شمال شرق سوريا… بهدف منع ظهور تنظيم الدولة مجددًا، في انتظار حل سياسي للنزاع السوري».

فيما كان تعقيب الأكراد على هذا اللقاء يحمل المزيد من المفاجآت السياسية، فحسب العضو بوحدات حماية الشعب الكردية «خالد عيسى» فقد تعهد الرئيس الفرنسي: «بإرسال مزيد من القوات إلى المنطقة، وتقديم المساعدات الإنسانية، والضغط من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع»، كما أضاف أنه: «ستكون هناك تعزيزات للمساعدة في تأمين المنطقة من هجمات تنظيم الدولة ومنع عدوان خارجي… إنها رسالة مفادها أن على الإسلاميين في أنقرة التوقف عن هذا التحرك غير المسؤول».

ونقل هذا اللقاء العلاقات الفرنسية التركية إلى محطة توتر جديدة، إذ يصر «ماكرون» على استغلال الفراغ الذي أحدثته موسكو بتفاهماتها مع أنقرة حول الانتشار الكردي، وزاد الوضع تعقيدًا بين أنقرة وباريس مع تهديد تركيا الدائم باجتياح بقية المناطق التي يسيطر عليها الأكراد، فحصول الأكراد على تعهدات بنشر قوات فرنسية في منطقة منبج، حسب وفد (قسد) «يهدف إلى منع هجوم القوات التركية، التي تستعد لشن عملية لاستعادة السيطرة على مدينة منبج الاستراتيجية»، حسب تقرير صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية، وتدلل الصحيفة على صحة تبليغ أنقرة بقرار باريس نشر قوات فرنسية بالهجوم الذي تتعرض له باريس من وسائل الإعلام التركية.

وردًّا على عرض باريس للوساطة بين الأكراد وتركيا وقرار نشرها قوات في منبج، قال الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» إن: «استضافة عناصر من التنظيم الإرهابي، على مستوى رفيع، ليس سوى عداء صريح لتركيا، ومن قاموا باستضافة الإرهابيين في قصورهم سيفهمون عاجلًا أو آجلًا أنهم على خطأ»، وتابع «أردوغان» حسب وكالة أنباء «الأناضول» الرسمية القول: «من أنتم لكي تتلفظوا بعبارة الوساطة بين تركيا وتنظيم إرهابي… فرنسا لا يحق لها أن تشتكي من التنظيمات الإرهابية وأعمالها بعد موقفها المتمثل بعرض الوساطة».

وكانت التصريحات التركية الأشد هي تهديد نائب رئيس الوزراء «بكر بوزداغ» باستهداف الوجود العسكري الفرنسي في شمال سوريا، إذ قال إن بلاده ستتعامل مع كل من «يتعاون مع الإرهابيين ضد تركيا معاملة الإرهابيين»، وتابع القول على صفحته في تويتر: «من يتعاونون مع الجماعات الإرهابية ويتضامنون معها ضد تركيا، سيصبحون هدفًا لتركيا مثل الإرهابيين».

كما قال رئيس الوزراء التركي «بن علي يلدريم» موجهًا الحديث لـ«ماكرون»: «من أعطاك صلاحية تحقيق مصالحة بين تركيا وتنظيمات إرهابية؟ ومن كلفك بهذه المهمة؟»، وتابع القول: «تركيا لا تفاوض ولا تصافح الإرهابيين، وإنما تجتثهم من جذورهم»، ولم يكتف «يلدريم» بذلك؛ بل واجه فرنسا بماضيها الاستعماري وتساءل: «هل تريد فرنسا أن يعيش الشعب السوري الظلم نفسه الذي عاناه الجزائريون على يدها (فرنسا) من قبل؟».

وتعتبر تركيا وحدات حماية الشعب الكردية وهي العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية، «تنظيمًا إرهابيًّا»، وشنّت ضدها عملية عسكرية في 19 مارس الماضي في مدينة عفرين السورية، و«قوات سوريا الديمقراطية» هي تحالف لمقاتلين سوريين أكراد وعرب، مدعومين من الولايات المتحدة لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).

العلاقات الفرنسية بأكراد سوريا
في يوم العاشر من فبراير (شباط) 2015، استقبل الرئيس الفرنسي آنذاك «فرنسوا هولاند» وفدًا من حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYK) في قصر الإليزيه، وعُدّ ذلك أول لقاء من نوعه في تاريخ الحركة الكردية منذ انطلاقتها في عام 1957، كما اعتبر خرقًا دبلوماسيًّا كبيرًا لأكراد سوريا في انفتاحهم على أوروبا.

لم يكن الموقف الفرنسي السابق هو الأبرز في دعم الأكراد، ففي مارس الماضي، قال «هولاند» إن طرحه مبادرة لمساندة الأكراد في شمال سوريا، جاء تقديرًا لتضحياتهم التي قدموها خلال الحرب ضد تنظيم الدولة، ونقل عن «هولاند» قوله لصحيفة «لوموند» الفرنسية إنه قرر العودة لنشاطه في الأزمة السورية؛ لأنه يشعر بالمسؤولية وضرورة تقديم الدعم والتضامن للأكراد. وأضاف: «كان الأكراد قادرين على القيام في وقت صعب للغاية، بمساعدة التحالف الدولي للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية داخل الرقة وخارجها، وتركهم الآن يواجهون الهجوم التركي وحيدين غير أخلاقي».

وفي ما يتعلق بالتحركات التركية في سوريا، فقد عكفت فرنسا أكثر من مرة على انتقاد الدور التركي، فقد انتقدت العملية العسكرية التركية في عفرين ومنبج، وأكدت أن حماية الحدود مشروعة لكنها لا تبرر التوغل العميق للأتراك عسكريًّا، مما تسبب في أواخر يناير (كانون الثاني) الماضي، باندلاع خلاف بين أنقرة وباريس إذ قال «ماكرون» إنه: «سيواجه مشكلة كبيرة مع عملية عفرين إذا تحولت إلى اجتياح صريح».

ويقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة إسطنبول «سمير صالحة»: إنه رغم وجود مصالح مشتركة بين باريس وأنقرة، بالإضافة إلى الوجود تحت سقف حلف شمال الأطلسي، إلا أنه: «على الجانب الآخر هناك تباعد كبير في ملفات إقليمية وسياسية، ففرنسا تريد الضغط على تركيا في شرق المتوسط حيث حقول الطاقة، بالإضافة إلى الورقة الكردية التي لم تعد لها قيمة بعد نجاح عملية غصن الزيتون»، وتوقع صالح عدم قطع «شعرة معاوية» بين الجانبين.

وتشهد فرنسا العديد من الفعاليات الكردية على أراضيها، منها ما حدث في فبراير الماضي، حين تجمع نحو 10 آلاف كردي طالبوا بإطلاق سراح زعيم حزب العمال الكردستاني «عبد الله أوجلان» المسجون في تركيا منذ عام 1999، وبوقف عملية «غصن الزيتون» التركية ضد الأكراد في عفرين، وينظم هذا التجمع الذي يتم في ستراسبورغ (شرق فرنسا) مقر المجلس الأوروبي والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، كل سنة منذ توقيف «أوجلان»، وقد قالت فيه إحدى الكرديات «نيوروز» التي أتت مع شقيقتها وأصدقائها إن: «أردوغان أصبح عدائيًّا جدًا تجاه الأكراد، والوضع يتأزم أكثر سنة بعد سنة وشهر بعد شهر».

تظاهرات للأكراد للمطالبة بكشف ملابسات اغتيال ثلاث ناشطات كرديات

كما أنه في يناير الماضي، تظاهر آلاف أكراد من بلدان أوروبية عدة، وخصوصًا من ألمانيا في شوارع باريس للمطالبة بكشف ملابسات اغتيال ثلاث ناشطات كرديات بعدة رصاصات في الرأس في يناير 2013 في مقر جمعية كردية في باريس، وهي القضية التي كان المشتبه به الوحيد هو التركي «عمر غوناي» الذي توفي في نهاية عام 2016 في السجن، ويوجه المحققون الفرنسيون أصابع الاتهام إلى عناصر في أجهزة الاستخبارات التركية (إم إي تي) التي نفت أي تورط في القضية.

الوجود العسكري الفرنسي في سوريا
احتفظ الدور الفرنسي السياسي والعسكري بمحدوديته أمام التدخل الروسي والإيراني والتركي في سوريا، ففي البداية كان لفرنسا اتجاه متشدد حيال النظام السوري؛ فنددت باستخدامه العنف في قمع المتظاهرين وطالبت برحيله، ودعت فرنسا في عام 2013 إلى ضرب النظام السوري عسكريًّا بسبب استخدامه الكيماوي في الغوطة الشرقية.

تغير هذا الموقف بعد الاعتداءات التي تعرضت لها فرنسا في عام 2015، إذ أصبحت محاربة الإرهاب ذات أولوية بالنسبة لباريس، وهو ما دفعها للانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة في سوريا، وهنا لم يعد رحيل الأسد شرطًا مسبقًا لعميلة الانتقال السياسي في سوريا من قبل فرنسا، وقد قال «ماكرون» إن: «بشار هو عدو الشعب السوري، أما عدوي فهو تنظيم الدولة، بشار الأسد سيكون هنا لأنه محمي من جانب أولئك الذين ربحوا الحرب على الأرض، سواء إيران أم روسيا، من هنا لا يمكن القول إننا لا نريد التحدث إليه أو إلى ممثليه»، وتابع القول: «المطلوب إذن التحدث إلى بشار ومن يمثلونه».

في التاسع من يونيو (حزيران) 2016، نشرت فرنسا قوات خاصة شمالي سوريا، وقالت وزارة الدفاع الفرنسية إن الهدف من نشر هذه القوات هو تقديم المشورة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي كانت تحارب تنظيم الدولة في منبج، وبالرغم من وجود مئات المواطنين الفرنسيين يقاتلون في صفوف تنظيم الدولة، إلا أن وجود القوات الخاصة الفرنسية لم يكن متربطًا بهم كما قالت وزارة الدفاع الفرنسية، إذ لم تشارك القوات الفرنسية بالعمليات العسكرية ضد مسلحي التنظيم، وتتكتم فرنسا بشكل عام بشأن قواتها الخاصة التي يقدر تعدادها ببضع عشرات من الأفراد في سوريا، مع حرصها على التأكيد أن وجودها في سوريا يقتصر على التحالف الدولي.

وقدّمت فرنسا السلاح والتدريب للوحدات الكردية في قتالها ضد تنظيم الدولة، وكانت وكالة «الأناضول» التركية، قد كشفت عن تعاونٍ وصفته بـ«الوثيق» بين الجيش الفرنسي، ووحدات حماية الشعب الكردية في مناطق سيطرتها شمال سوريا، وقالت الوكالة إن: «قوات فرنسية متنوعة توجد في خمس نقاط بمناطق سيطرة الأكراد تحت غطاء التحالف الدولي للحرب على (داعش)».

وأضافت الوكالة: «يتمركز أكثر من 70 عنصرًا من القوات الفرنسية الخاصة، منذ يونيو 2016، في تلة (ميشتانور)، وبلدة (صرين)، ومصنع (لافارج) الفرنسي للإسمنت، في قرية (خراب عشق)، في ريف حلب شمالي سوريا، و(عين عيسى) في ريف الرقة، بالإضافة إلى 30 جنديًا في مدينة الرقة»، كما أنه -حسب الوكالة– «رصد شهود عيان تزايدًا في تردد قوّات أخرى على الأراضي السورية، خلال الأيام الثلاثة الماضية، يفترض أنها متمركزة في العراق، عبر بوابة (سيمالكا) الحدودية (شمال)».

ويؤكد الخبير العسكري «عبد الناصر العايد» أن: «الدافع الرئيس للوجود الفرنسي في الشمال السوري لدعم القوات الكردية، هو وجود مقاتلين يحملون الجنسية الفرنسية في صفوف تنظيم الدولة في سوريا والعراق، وهي نقطة توليها باريس أهمية كبرى، إذ تسعى لتتبع محاولات عودتهم إلى فرنسا ومنع دخولهم؛ لتفادي تكرار ما حصل على الأرض الفرنسية من هجمات»، ويضيف العايد لـ«الجزيرة نت» أن: «فرنسا نسجت علاقات مع كافة الأطراف التي قد يفضي التعامل معها إلى التوصل إلى معلومات عن المقاتلين الفرنسيين في تنظيم الدولة، ولا سيما بعد ورود معلومات عن أعداد كبيرة من الفرنسيين انضموا إلى التنظيم في سوريا».

الدوافع والسيناريوهات
تسبب منع الإدارة الأمريكية معلومات تتعلق بتنظيم الدولة عن الفرنسيين في مشكلة لباريس، التي تحرص على أن يكون الوجود الفرنسي في شمال سوريا استخباراتيًّا بالدرجة الأولى، وليس قتاليًّا، فباريس حريصة على التقاط أي معلومة عن الفرنسيين المنضمين إلى «داعش» لحماية أمنها، كما يرى المراقبون.

في البداية يربط المحلل السياسي السوري «جميل عمار» بين تصريحات فرنسا بخصوص دعم الأكراد، وتصريح الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» بأنه سيخرج من سوريا ويترك الأمر للآخرين، وتابع القول: «لا يمكن أن تحل فرنسا محل أمريكا بأي شكل من الأشكال، كل ما هنالك أن فرنسا تلعب في الوقت الضائع، والمهاترات ستنتهي؛ لأن القوة الموجودة حاليًا هي ثقل لتركيا وليس للفرنسيين، لا يمكن لفرنسا أن تمارس أي دور منفرد في المنطقة، هي تتواجد فقط لتقول للآخرين أنا هنا لا أكثر».

وتابع القول: «العلاقات بين فرنسا وتركيا إلى حد ما هي العلاقة نفسها بين تركيا والاتحاد الأوروبي، ففرنسا تمانع دخول تركيا في الاتحاد الأوروبي، وهي في موقف معارض اتضح أيام الانقلاب التركي»، ويرى «عمار» أن التوتر موجود، ففرنسا تتهم أردوغان بأنه يمارس نوعًا من أنواع الديكتاتورية، وترفض موقفه تجاه الحريات، وتجاه الأكراد وحقهم بالاستقلال وما شبه ذلك، ويوضح لـ«ساسة بوست»: «ممارسات فرنسا دائمًا فاشلة، فممارستها في لبنان كانت فاشلة وعجزت عن فعل شيء، فمن الطبيعي عجزها في سوريا أيضًا، ويمكن اختصار الوجود الأجنبي في سوريا على ثلاث دول لا أكثر، هي تركيا وروسيا وأمريكا، يعني حاليًا أصبحت إيران تقريبًا عند بوابة الخروج لا أكثر».

فيما يقول الكاتب الصحافي التركي «مصطفى أوزجان»: «فرنسا بصفتها دولة احتلال سابقة تتطلع لدور جديد في سوريا؛ حسدًا منها على الدور التركي المتعاظم في المنطقة، وهي مثلها مثل باقي الدول الأوروبية؛ لكنها تتميز بكونها قوة نووية، لكن لا يمكن مقارنتها بألمانيا في علاقتها بتركيا ولا حتى ببريطانيا التي تتمتع بعلاقة جيدة مع تركيا مؤخرًا».

وتابع القول لـ«عربي 21»: «الموقف الفرنسي ليس غريبًا ولا جديدًا؛ بل هو يأتي في إطار مخطط قديم تعمل فرنسا من خلاله ضد تركيا، حتى أن دانيال ميترا زوجة الرئيس الفرنسي السابق (فرانسوا ميترا) تلقب بـ(أم الأكراد) بسبب دعمها الكامل لهم ضد تركيا، ولذلك فرنسا دومًا تعمل لصالح الأكراد ليس لشيء سوى المكايدة في تركيا فقط».

التعليقات معطلة.