وليد الزبيدي
لم يكن العالم يعرف جميع تفاصيل الحرب ودقائق الأمور، التي تحصل في العراق، ولم يكن باستطاعة العراقيين التعرف على ما يجري في جبهة الحرب، التي أصبحت واسعة وتشمل مختلف أنحاء العراق، أي إن الحرب هذه المرة، لم تحصل في حدود جبهة المواجهة بين القوات النظامية في نطاق جغرافي معين، بل إن الخطة الأميركية، أرادت أن تخلق من العراق جبهة مواجهة واحدة، ونقلت خط المواجهة الأول، من خطوط التماس بين الجيوش المتحاربة، إلى أماكن أخرى، ويمكن القول، إن خطوط المواجهة تلك، انقسمت إلى عدة جبهات هي:
الأولى: تشمل الأهداف المنتخبة، التي أولتها واشنطن أهمية خاصة، وتشمل هذه الأهداف مراكز القيادة والتوجيه، ومن أهمها القصور الرئاسية، والمقرات البديلة المحتملة للقيادة العراقية، ومقرات القيادة العامة للقوات المسلحة، ولم يقتصر ذلك على مدينة بغداد، التي حصلت على حصة الأسد، بل شمل الغالبية العظمى من المحافظات، وفي المقدمة منها، مدينة البصرة، والموصل وتكريت. وتعرضت المباني هناك إلى قصف وتدمير كبيرين، ما عدا القصور الرئاسية، التي لم تتعرض إلى التدمير، الذي توقعه البعض، واقتصر سقوط الصواريخ الفتاكة والقنابل المدمرة في محيط تلك القصور، ولم يستهدف الأميركيون التحصينات الهائلة، التي تمتلكها المواقع الرئاسية، وأثار ذلك استغراب البعض، من المهندسين والفنيين العاملين في تلك المواقع، ورأى البعض أن تلك التحصينات الشديدة، قد تم تشييدها، بطريقة تحميها من القصف الأميركي، خاصةً أن الغالبية العظمى من تلك القصور تم تشييدها خلال عقد التسعينات، وهي مرحلة المواجهة القصوى بين العراق والولايات المتحدة، كما أن القصور، التي تم إنجازها قبل هذه الفترة، شهدت تحصينات إضافية، لتكون بمنأى عن التدمير المحتمل للصواريخ الأميركية، التي تتوقع القيادة العراقية تعرضها إليه في أي وقت كان. وتبين بعد ذلك، إن الأميركيين، حافظوا على تلك القصور، لتكون الملاجئ الحصينة للقيادات العسكرية والمدنية في العراق. ويشمل ذلك جميع المواقع الرئاسية، بما في ذلك القصر الجمهوري في كرادة مريم بجانب الكرخ، الذي أطلقوا عليه الأميركيون لاحقا تسمية (المنطقة الخضراء).
والثانية: مواقع الحرس الجمهوري، وشمل القصف الأميركي البنايات الرئاسية، التي تتخذها قيادات الحرس الجمهوري مقرات ثابتة لها، أو المواقع البديلة، التي تتواجد فيها القطعات خلال السنوات السابقة لبدء الحرب، والتي رسمت لجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة التفاصيل الدقيقة لخريطتها في مختلف أنحاء العراق، ولم يقتصر الأمر على تلك المواقع، بل إن القصف الأميركي، شمل المواقع والأماكن الجديدة، التي انتشرت فيها قوات الحرس الجمهوري، خاصةً في محيط مدينة بغداد. ولم يتفاجأ قادة وضباط الحرس الجمهوري، بمثل ذلك الاستهداف، لأنهم يدركون تماما أن الخارطة العسكرية للعراق، قد تمت دراستها بدقة متناهية، من قبل إدارة الحرب في البنتاجون، ووضعت في حساباتها جميع الأماكن المناسبة لتمركز قوات الحرس الجمهوري فيها، في حال نشوب الحرب، كما أن سماء العراق، تحولت إلى ساحة سباق للأقمار الاصطناعية، التي تركز نشاطاتها على تحركات آليات القوات المسلحة، خاصةً أن المواقع الرئيسية لتواجد تلك القوات معروفة لتلك الأقمار، من خلال الخارطة التفصيلية التي تمتلكها لجان التفتيش الدولية، والتي حرصت باستمرار على تحديثها، خشية حصول بعض الأخطاء في توزيع القوات المسلحة في المناطق المحيطة ببغداد.