حازم الامين

1

هذيانات على وقع تغريدات الرئيس

لم يكن ينقص سورية إلا دونالد ترامب. اللاعبون اليوم على مسرحها قيصر وسلطان وولي فقيه، ودونالد ترامب الذي يملك من اسمه صفاته، ذاك أن من الصعب رده إلى صفة وإلى سابقة وإلى خبرة. هو صاحب التغريدات التي يطلقها بمزاج مراهق، إنما مراهق يمكنه أن يُحرك العالم وأن يصيبه بالذهول.

والحال أن اللاعبين الأربعة اصطحبوا معهم إلى مسرحهم السوري أربعة أنواعٍ من أمراض العظمة وألقوا بها على رؤوس السوريين. القيصر صاحب المزاج المافياوي والمهجوس باستعادة أمجاد الحرب الباردة، والسلطان المسكون بخلافة منقضية وبأحلام تأخذه ساعة إلى الغرب وساعة أخرى إلى الشرق والمدفوع، برغبة قومية انتقامية، الولي الفقيه باني جسور المذهب فوق ركام المدن المدمرة، وباعث الشعائر على ضفاف هلاله بعد أن حول التقية سياسة وحروباً لا يقيم فيها وزناً لدمٍ ولأرحام. واليوم انضم إلى هؤلاء رئيس أقوى بلد في العالم، رجل أعمالٍ تتراوح أحلامه بين إيجاد زبائن وبين لهوٍ وتغريد قد يطيح العالم.

سورية اليوم هنا تماماً وسط هذا الشذوذ، لا بل إنها تحولت إلى جاذب وممتص كلّ هذا الشذوذ. وهي إذ تتخبط بين هؤلاء الشذاذ، تكابد في موازاتهم شذوذها الخاص المتمثل في رئيسها صاحب قرار قصف الغوطة بالسلاح الكيماوي. والمرء في سعيه إلى فهم ما يحصل هناك، لن يذهله أن بشار الأسد قصف العاصمة التي يحكمها بالكلور. فقبله بأسابيع احتل رجب طيب أردوغان مدينة عفرين، مصطحباً معه فصائل سورية معارضة، وأثناء ذلك وقبله بقليل زار فلاديمير بوتين القاعدة الجوية الروسية في حميميم وتعمد فيها إهانة الرئيس. أما الولي الفقيه فقد أقام هلاله وأمسك بالحدود وأعلن حربه المقدسة غير آبه بمستقبل الجماعات المتصلة عبر ثلاثٍ من ولاياته، أي العراق وسورية ولبنان، وها هو زاحف نحو الحدود ينتظره وراءها شاذ آخر هو بنيامين نتانياهو.

يسهر السوريون اليوم على تويتر. يترقبون تغريدات الرئيس الغريبة العجيبة. لا يمكن التوقع. التغريدة تصدر من تلقائها. هي فعل شخصي وغير سياسي. هذا ما يُصعّب المهمة، لكن بُعدها الانتظاري يخلو من التشويق. وهم، أي السوريين، ليسوا وحدهم المعلقين بتغريدات الرئيس. الصحافيون والمعلقون والنازحون والطائرات المدنية التي غيرت مساراتها، والمجلس النيابي اللبناني الذي ينتظر الضربة حتى تنجلي صورة التحالفات في الانتخابات المزمع إجراؤها. تغريدة واحدة تغير جميع هذه المسارات، أو تبقيها كما هي.

الحرب ليست مرهقة على نحو ما هو مرهق انتظار تغريدة من دونالد ترامب، لا بل أن التغريدة صارت جزءاً من ماكينة الحرب. ترامب صار شريك بوتين وخامنئي وأردوغان. للثلاثة مساحات في سورية، وله مساحته الافتراضية، وللمرء أن يتخيله رابعهم في قمة أنقرة الأخيرة.

وسورية التي هذه حالها، صار من المستحيل أن تكون سورية. القول مثلاً أن بشار الأسد هو رئيسها يستدعي تخيلاً من نوع: رئيس ماذا هذا الرجل؟ قد تقتصر رئاسته على نفوذ وظفه لقصف دوما بالسلاح الكيماوي، وعلى صور شرعت زوجته توزعها لهما يزوران خطوط قتال جيوش الحلفاء.

لا مكان في هذا المشهد للرصد. التخيل يفيد أكثر. علينا أن نتخيل القادة الأربعة، وكل واحد منهم حمل معه إلى سورية هذيانه الخاص، وجريمته الخاصة. الهذيان بانبعاث إمبراطوريات الشر بدأ في سورية. الأحلام بالعودة إلى ما قبل خريطة الحرب العالمية الأولى أو ما بعد الحرب العالمية الثانية بدأت في سورية. والإمبراطورية الساسانية هُزمت في العراق وها هي تنبعث في سورية. واشنطن تريد أن تؤدب طهران في سورية، وروسيا تريد قواعد عسكرية على المتوسط واختارت سورية، وطهران تريد الاقتراب من الحدود مع إسرائيل وها هي تسعى إلى ذلك في سورية، وتركيا تريد القضاء على حلم الأكراد بدولة وقد باشرت مهمتها في سورية.

هذا هو السياق الذي اختاره بشار الأسد لقصف دوما بالسلاح الكيماوي. أي هذه الاستحالة وهذا الاستعصاء اللذان يوفران أرضاً غير ثابتة لأي جريمة. فالكيماوي هو فرصة الرئيس لحجز مكان له في مسرح الاستحالات هذه. العاقل هنا هو من يقتل، ومن يكون شريكاً في الجريمة. ذلك هو منتهى العقل ومنتهى الواقعية. ففي جهنم هذه، عليك أن تعثر على وقود تقي فيه نفسك من أن تكون وقوداً.

لا يمكن الرئيس أن يكون رئيساً على هذا المسرح إلا إذا تفوق على نفسه. وأن تكون رئيساً لضحاياك خير من أن تكون رئيساً للاشيء.

بوتين هو رئيس سورية السوفياتية، وخامنئي رئيس الهلال الشيعي، وأردوغان رئيس الحرب على الأكراد، وترامب يحكم هؤلاء بتغريداته قبل صواريخه، إذاً لا مكان لرئيس سورية إلا في دوما التي يحكمها اليوم بالكلور.

منتظرو انطلاق الصواريخ الأميركية ليس أمامهم سوى إجراء تمارين ذهنية من هذا القبيل. فتوقع من ستصيب الصواريخ وماذا ستُحدث لن يكون مجدياً. جميع السيناريوات جُربت، ومهما كانت الضربة قوية فهي لن تطيح هذا المشهد، لا بل ربما شحنته بمزيد من القوة والوضوح. ثم إننا جميعنا في صلب هذا المشهد، لاعبين صغاراً فيه، وقليلون هم من يشعرون أنهم راغبون في الابتعاد من هذه المأساة، سواء كانوا ضحايا صغاراً أم جلادين صغاراً.

المأساة فعلاً هي أن من ارتكب مجزرة دوما هو الجلاد الأصغر، أو المجرم الأصغر. لكنه رأى العالم وقد جاء بجميع خرافاته إلى سورية فقرر أن تكون له مساهمته فيها.

 

التعليقات معطلة.