الكاتب:مــحــمــد شــريــف أبــو مــيــســم
فبعد انتهاء حقبة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، لم يكن واضحا للكثير من المراقبين نزعة القطب الواحد في نقل الصناعة من الشمال الى الجنوب للخلاص من المحددات القانونية التي باتت عائقا أمام تراكم فائض القيمة في رساميل الشركات التي تدير شؤون “الدولة” وتهيمن على اقتصاد المعرفة.
فكان الشرق الأوسط قبلة لهذه الرساميل الساعية للخلاص من نظم الضرائب التصاعدية وضرائب المحددات البيئية وارتفاع اجور الأيدي العاملة وهي تحاول الاقتراب من مصادر الخامات والطاقة والأسوق الأكثر استهلاكا، فضلا عن غياب القوانين في شكل الدولة الشرق أوسطية التي يمكن أن تحد من تغول الشركات وتأثيرها في البيئة وهي تستغل الأيدي العاملة الرخيصة وتختزل حلقات النقل والتسويق في بلدان تستجدي الاستثمار الأجنبي.
الأمر الذي يفسر حالة الفوضى التي شهدتها المنطقة للوصول بالانسان الى حافة اليأس بعد ان جرب النظم الديموقراطية التي فشلت في خلق حياة كريمة للانسان بعد عقود من الدكتاتوريات، ومن ثم القبول بالحلول الجاهزة املا في صنع حياة مماثلة لنموذج دولة الرفاه الأوربي التي صنعها الحلفاء بعد الحرب العالمية الثانية من خلال مشروع مارشال للحد من تمدد الشيوعية الزاحفة من شرق أوربا باتجاه المانيا الغربية.
اليوم تنصاع عموم دول المنطقة وشعوبها لملامح المشروع الشرق الأوسطي للخلاص من الحروب والكراهية والفساد، ولكن أصحاب المشروع الذين أنفقوا نحو سبعة ترليونات دولار منذ الشروع بالخطوات الأولى راحوا يلوّحون لحلفائهم، أن “لا مكان لكم في مشروعنا كشركاء، وعلى الجميع أن يعي ان ما قدمناه من أموال وتضحيات لن يجيز لنا الا أن يكون الآخرين تابعين لنا”.
ففي إطار المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد بدافوس في كانون ثاني الماضي، قال الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في مقابلة، مع قناة “سي.إن.بي.سي” الأمريكية: “لدى أمريكا الآن نقطة ضعف، فقد أنفقنا حتى الآن7 تريليون دولار في الشرق الأوسط..وما زلنا هناك بعد أن قضينا على تنظيم “الدولة الإسلامية” وذلك عمل جيد، ولكن الأمر محزن أننا صرفنا سبعة تريليونات دولار هناك”.
وهذه كانت أولى رسائل الولايات المتحدة لحلفائها الأوربيين “ان مشروع الشرق الأوسط الكبير هو ملك صرف للولايات المتحدة” ، واذا ما أردتم ان تكونوا شركاء فعليكم السمع والطاعة.. وفي نهاية آذار الماضي وخلال مؤتمر صحفي إلى جانب رؤساء ثلاث دول من منطقة البلطيق قال ترامب” إن الولايات المتحدة أنفقت سبعة تريليونات دولار على الشرق الأوسط في السنوات السبع عشرة الماضية، وأضاف” لم نحصل من هذا على شيء، ثم أردف بالقول ” فكروا في الأمر.. سبعة تريليونات دولار على مدار 17 عاما ولم نحصل على شيء.. لا شيء سوى الموت والدمار. إنه لأمر فظيع”.
الثلاثاء الماضي كرر الرئيس الأمريكي في مؤتمر صحفي له مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في البيت الأبيض”دفعنا 7 تريليونات دولار خلال 17 عاما في الشرق الأوسط، وعلى الدول الثرية الدفع مقابل ذلك، ونرغب في أن ترسل دول أخرى جنودها إلى سوريا”..وألمح ترامب إلى أن بلاده “لن تستمر في دفع مليارات الدولارات والمخاطرة بجنودها ليكون الآخرون شركاء لها.اذن نحن ازاء واقع جديد ما عادت ملامحة خافية على أحد بعد الكشف عن مضمون الدور الأمريكي في الشرق الأوسط انطلاقا من بلدنا، وهنا يكون من الواجب أن نعي معطيات هذه الحقيقة ونفهم ان الذي حصل في بلدنا على مدار خمس عشر سنة لم يكن محض ارباكات صنعتها ظروف مرحلة التغيير ، وبالتالي علينا ان نتعاطى مع هذا الواقع الجديد بما يحمي مصالحنا ومصالح الأجيال المقبلة .