كيف نعيش اللحظة الحالية؟

1

صفاء صفوق

 

تكررت في الآونة الأخيرة كلمة «عِش اللحظة»، وهي كلمة في جوهرها عميقة جداً، لكن ليست في هذه الصورة الخارجية فقط.
اللحظة الحالية فيها ينطوي كل شيء، من الإدراك الحسي والوجودي والمادي بكل أبعاد اللحظة، وهذا يعني الحضور المتمكن في استشعار تلك اللحظة كما هي التي تتميز بعدها عن الغياب، وتتميز بالوعي بكل ما يدور حولها، هذا العمق في الشعور باللحظة يجعل الفرد يتخلص من سجن الماضي أو الشعور بالقلق تجاه المستقبل. ولكي نكون واعين وواقعيين أيضاً في طرحنا هذا الموضوع، لا بد أن ندرك أن اللحظة تحوي السالب والموجب، وهذا يجعل الفرد يعيش الموجب بكل حذافيره، فتنتعش النفس وتبتهج الروح، فلا أطر ولا قيود تقيدها، أي هناك مزيد من الإبداع والإلهام والراحة الجمالية الداخلية، كما أن هذه اللحظة، ربما تحوي أيضاً السلبية، جميل أن يدرك الفرد ذلك، حتى السلبيات، لكي يستطيع أن يعترف بوجودها ولا يراكم أو يخزن المشاعر السلبية في اللاوعي.
نشاهد أحياناً أفراداً أصحاء خارجياً، لكنهم من الداخل مثقلون وغائبون، بسبب تلك التراكمات النفسية، ما قصدته هنا أن اللحظة تحوي الحالين، والوعي يجعلنا نشاهد حتى الأشياء السلبية في حياتنا من منظور مختلف، يكون منظوراً إيجابياً في تفهم هذه اللحظة أو هذا الشعور، وعندما يدرك الفرد ذلك تسهل عليه معالجة الموضوع.
هذا لا يعني ألّا نخطط أو نفكر، بل حياتنا لا بد أن ترتب وتنظم في شكل دوري، وعندما يتم وضع الأساس في تنظيم مسبق سنعيش للحظتنا الحالية بحرية أكثر، البعض يتوقع من يعيش للحظة الحالية أنه لا يخطط أو ينظم أولوياته في الحياة، وهذا مفهوم خاطئ، لا بد أن نخطط ونكون نمتلك أهدافاً واضحة في حياتنا بين أهداف قريبة أو بعيدة، سواء أكانت أهدافاً شخصية أم مهنية أم طموحات كبيرة، كلنا نسعى إليها، فالحياة لا تحترم الخامل ولا الاتكالي ولا المتذمر، لذا مهم أن نقوم بكل أدوارنا وقت التفكير والتخطيط ووقت العمل والواجبات، مع الاستمتاع بكل ما نقوم به.
اللحظة الحالية تفتح نافذة لإدراك كل ما يدور حولنا من معان جميلة وأشخاص رائعين، ربما يعيشون معنا في اللحظة نفسها، أو مكان جميل نجلس فيه ندرك جماله وروعته. الشعور بالرغبة في كل ما نقوم به يجعل لدينا القدرة على العيش في اللحظة الحالية أو الراهنة، بمعنى سنشعر بسعادة في وقت العمل وسنشعر باللحظة ونحن نراعي أمهاتنا أو نربي أولادنا، سنشعر باللحظة الحالية ونحن نقوم برياضة محببة إلينا، سنشاهد الطريق ونحن نسير فيه ونتأمل أنفسنا ونتأمل المارة، وهذا يعني أننا نعيش في درجة وعي عالية، لا نهدر الوقت في التحسر أو التمني أو التفكير في ما لا نرغب فيه، نعيش كل الأوقات والأدوار ونحن ندرك المعنى الحقيقي للحظة نفسها من دون الدخول في الغياب. الغياب هو أن نعمل كل ما ذكرت سابقاً بصورة آلية وميكانيكية من دون الشعور بها، فلو سألنا أحداً ما: ماذا أكلت أمس؟ أو بماذا تفكر الآن؟ وكان جوابه لا أدري! فهذا هو الغياب؛ بأن نعيش من دون استشعار كل تلك الجماليات في حياتنا، ومن دون استشعار الصحة التي نمتلكها، ومن دون أن نشعر بأدوارنا في العمل، ومن دون جمال الحديث مع صديق.
من هنا يبدأ الفرد الشعور بالغربة أو المزيد من الوحدة والعزلة النفسية عن الناس وهو في وسطهم، يعيش حالاً من التوتر أو القلق أو الخوف أو الحزن، فيفقد حلاوة العيش في هذه اللحظة الحالية التي وهبها الله لنا. العيش في اللحظة يتطلب مهارة وعادة لكي يتمكن الفرد من تطبيقها معظم الوقت، لا نقول كل الوقت، لكي نكون منطقيين وبعيدين عن المثالية، ما يحتاج إليه الفرد هو رفع مستوى الوعي قليلاً قليلاً، حتى يتم إدراك جمال اللحظة، سواء في حديث أم عمل يقوم به. ‏ هناك تقنية بسيط تساعدنا في عملية رفع الوعي والتركيز، نبدأ بعملية الشهيق والزفير ببطء ونتأمل طريقة التنفس، هذا التمرين يجعلنا أولاً في حال هدوء، ثم يجعلنا نركز في هذه اللحظة أكثر مدة 10 دقائق، ونستمر على ذلك أسبوعاً، في الأسبوع الثاني نبدأ تأمل أفكارنا ونجعلها تظهر على السطح كلها، حتى تتلاشى شيئاً فشيئاً، هذا يكسبنا التخلص من التراكمات الداخلية لدينا، ويكسبنا الهدوء والتركيز أيضاً، وفي الأسبوع الثالث نتأمل ما نرغب نحن فيه، وهذا يجعلنا نركز بوعي، هذه الخطوات تساعدنا في التركيز على ما نريد، ومن خلالها نستطيع أن نركز على لحظتنا الحالية بوعي وإدراك، لأننا اشتغلنا على تجديد البرمجة القديمة واستحضارها من الغياب إلى الحضور واللحظة.

التعليقات معطلة.