طارق أشقر
رغم ما عرف عن العديد من الدول الإفريقية بأنها ظلت سباقة في المشاركة الفاعلة في العمل “السياسي” على وجه التحديد، كالسودان الذي حكمت فيه الملكة أماني ريناس الملقبة بالكنداكة مملكة كوش السودانية لمدة ثلاثين عاما، ومصر التي تولت عرشها السلطانة شجرة الدر، والجزائر التي ترشحت فيها لويزة حنون كأول امرأة تترشح لمنصب رئيس الدولة بالجزائر، وافريقيا الوسطى التي تولت فيها اليزابيث دومتيان منصب رئيس الوزراء كأول امرأة تشغل هذا المنصب فيها، الا ان الأسبوع الماضي من أكتوبر الجاري لعام 2018 برز فيه حراك جديد للمرأة الأثيوبية التي تقدمت مسيرة تمكين المرأة الإفريقية في العمل السياسي.
فقد أعلن في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا مؤخرا عن اختيار سهلى زودي كاول امرأة تتولى منصب الرئيس في اثيوبيا وهي دبلوماسية شغلت العديد من المهام الدبلوماسية وادارت الكثير من الملفات السياسية في وزارة الخارجية الإثيوبية، فضلا عن عملها كسفيرة وممثل خاص للامين العام للامم المتحدة لدى الاتحاد الإفريقي.
ليس هذا فحسب، بل تربعت المرأة الإثيوبية على قمة الحراك السياسي النسائي في القارة الإفريقية في هذا الشهر ايضا، حيث شغلت 50% من مناصب الحكومة الإثيوبية الجديدة التي شكلها رئيس الوزراء الإثيوبي ابي أحمد المكونة من عشرين وزيرا، بينهم عشرة وزراء من النساء تولين حقائب دستورية سياسية مهمة وحساسة مثل وزارة الدفاع ووزارة السلام وغيرها الكثير من الوزارات التي تولت مهامها المرأة في اثيوبيا.
بهذه الخطوة تكون اثيوبيا قد تقدمت الركب في القارة الافريقية في تمكين المرأة في مجال العمل السياسي، حيث حققت بذلك رقما قياسيا لا مثيل له في هذا المجال في تلكم القارة السمراء التي اعتاد الاعلام الغربي عادة على وصف مكانة المرأة فيها بالمتدنية، فلعل هذه الخطوة تشكل صحوة جديدة في افريقيا لتعزيز الاهتمام بشؤون المرأة ومناصرة حقوقها في التعليم والصحة والوظيفة السياسية وغير السياسية.
وفيما رأى المراقبون في هذه الخطوة الإثيوبية بأنها محاولة جادة لترسيخ ثقة الحزب الحاكم في العنصر النسائي عبر توليه المناصب الأشد حساسية كمنصب وزير الدفاع الذي شغلته عائشة موسى كأول امرأة مسلمة تشغل هذا المنصب ليس في اثيوبيا وحسب بل وفي العالمين العربي والاسلامي، او منصب وزيرة السلام التي يتبع لها حسب النظم المتبعة بإثيوبيا جميع أجهزة الأمن والمخابرات، الا ان الاجتماعيين يرون في الخطوة اتجاه آخر نحو ترسيخ مفهوم العدالة بين الجنسين في المجتمع الإثيوبي بشكل عملي وبراجماتي.
كما يتفاءل الاجتماعيون ايضا بأن الحرص على تمكين المرأة في المناصب السياسية في اثيوبيا قد يسهم عمليا في صرف نظر التكنوقراط الإثيوبيين عن الاهتمام بالدور الذي ظلت تؤثر فيه التركيبة الطائفية للمجتمع الإثيوبي على مجريات العمل السياسي بالبلاد، خصوصا وان المجتمع الإثيوبي يتكون من تسع قوميات اساسية ابرزها القومية الأمهرية، والأورومو، والتغيراي، والقومية الصومالية وغيرها، حيث ظلت تلك التركيبة المجتمعية تشكل اساس للكثير من السجالات السياسية المتعلقة بإدارة شؤون الحكم في البلاد.
وعليه وبهذه الخطوة المتعلقة بشكل اساسي بتمكين المرأة الإثيوبية، تكون اديس ابابا قد تمكنت بنجاح من رمي حجر ذي قوة فاعلة في السجال السياسي الراتب في كل ما يتعلق بتولي المناصب السياسية والمحاصصات السياسية الخاصة بتولي المناصب، حيث تحول اهتمام الإعلام الإثيوبي والثقافي والأكاديمي بشكل سريع نحو التعمق في النقاش بشأن المرأة وما يمكن ان تحققه من تحول في مجال العمل السياسي بإثيوبيا. وكيفما كانت هذه الخطوة اثيوبية خالصة، فهي بالدرجة الأولى ريادة اثيوبية لعمليات تمكين المرأة في مجال العمل السياسي في القارة السمراء على وجه العموم.