من المؤكد أنّ التهديد و الحديث التركي عن الاستعداد لعملية عسكرية لغزو “شمال شرق “الأراضي السورية “بحجة الوجود الكردي “،يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما يخطط له الأتراك بعموم مناطق الشمال السوري، فمحاولة وصل منطقة نفوذ تركية تمتدّ من شمال شرق سورية إلى شمال غربها هو مخطط تركي قديم، ولهذا هم يسعون للاحتفاظ بمنطقة نفوذ جديدة “منبج ” بشمال سورية وبالريف الشمالي الشرقي لحلب بالتحديد لضمان فرض سيطرة تركية ومساحة نفوذ ومناورة تركية جديدة بالملف السوري ، فتركيا لم تهدد بهذه العملية العسكرية لمحاربة ميليشيا قوات سورية الديمقراطية أو حزب العمال الكردستاني أو لضرب تنظيم داعش الإرهابي، وإنما جاء هذا التهديد بعد ان تيقنت بأنّ مساحة المناورة لها بسورية قد ضاقت بشكل كبير بعد تضييق الخناق عليها بادلب ، ولهذا قرّرت الاستعداد للتحرك بشمال شرق سورية ، لإيجاد هامش واوراق مناورة جديدة لها بالملف السوري.
وعلى ارض الواقع ،فالواضح بالفعل أن هناك استعداد تركي ،لـ بدء عملية غزو جديدة للاراضي السورية، فوسائل الإعلام التركية المقربة من النظام التركي قالت ان الجيش التركي يتجهز لإطلاق معركة “سهم الفرات “، والحجة والذريعة جاهزة وهي ان العملية تستهدف مقاتلي ميلشيا حزب “الاتحاد الديمقراطي الكردي” شمال شرق سورية ، فاليوم الحديث يدور ان تركيا قد حشدت قوات عسكرية بحجم القوات التي شاركت في عملية “درع الفرات وغصن الزيتون “، التي شنتها تركيا لدعم المجاميع المسلحة في معركة «غامضة « ضد تنظيم داعش الإرهابي وضد الميلشيات الكردية في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي ، وأدت إلى سيطرة المجاميع المسلحة والاتراك وعلى “مرحلتين “على بلدات الباب وجرابلس وعفرين وعشرات البلدات والقرى الاخرى، واليوم ايضاً تؤكد وسائل الإعلام هذه بأنه تم حشد تسعة آلاف من القوات التركية الخاصة على الحدود مع سورية، مع إعطاء الأوامر لكل من القوات التركية والمجاميع المسلحة في شمال سورية الموالية لتركيا بالجهوزية التامة لبدء معركة تمتد من بلدة عين العرب “شمال شرق حلب ” وتتوسع بعدة محاور وصولاً إلى بلدة تل أبيض وريف محافظة الرقة الشمالي ،وبهذا سيحصل الأتراك على سيطرة على كامل الحدود التركية – السورية ” من جرابلس إلى عين ديوار “، ومن ثم التوسع قدر الأمكان بأتجاه مناطق الاكراد شرق الفرات ، “سلماً عبر استنساخ نموذج تفاهمات منبج مع الأمريكي بمناطق عدة شرق الفرات ،” أو حرباً ” عبر استنساخ نموذج عفرين” غصن الزيتون “.
اليوم ، يحاول الأتراك اضفاء شرعية على عملية الغزو الجديدة للأراضي السورية ” سهم الفرات ” ، والتذرع بالمعاهدة”الأمنية ” بين تركيا وسورية “معاهدة أضنة – 1998” والتي يدعي الأتراك أنها تنص على الحفاظ على الأمن القومي التركي على طول الحدود بين الجانبيين وبعمق 30 كم ، مع أن بنود الاتفاق “الغير معلنة بشكل كامل “غير ذلك بالمطلق “ولا تنص على التعدي على سيادة سورية بأي حال من الأحوال” ،وهنا من الواضح ، أن الوجود والاحتلال التركي بدأ يتحوّل إلى أمر واقع ،في شمال وشمال شرق سورية ، لا وبل يحاول الأتراك اضفاء شرعية سياسية وأمنية للتمدد بمساحات جغرافية جديدة، والاخطر هنا أنهم يحاولون فرض هذا الوجود وذلك التمدد بالقوة،واليوم لايمكن انكار حقيقة ان هناك احتلال و غزو مباشر وعلني بري للأراضي السورية من قبل النظام التركي ، وهناك حرب تصريحات إعلامية تؤكد ان الاتراك كما قلنا إعلاه يستعدون لاحتلال وقضم المزيد من الاراضي السورية شمالاً وشرقاً، وهنا، لا يمكن إنكار حقيقة أنّ الأتراك حاولوا وما زالوا يحاولون المسّ بوحدة الجغرافيا والديمغرافيا للدولة السورية من خلال السعي للسيطرة والنفوذ على مساحات جغرافية من شمال سورية، فالنظام التركي أظهر منذ بداية الحدث السوري رغبته الجامحة بسقوط شمال سورية خصوصاً و كلّ سورية في أتون الفوضى، ودفع كثيراً باتجاه انهيار الدولة والنظام السياسي السوري، وهذا الأمر ينطبق على أطماع الأتراك بالشمال السوري، فكانت لهم صولات وجولات في هذا السياق، ليس أولها فتح حدودهم بالكامل أمام السلاح والمسلحين العابر والعابرين للقارات من تركيا مروراً بسورية وإلى العراق، وليس آخرها ما جرى من أحداث مؤخرآ من غزو “غصن الزيتون ” وتهديد علني بغزو جديد للاراضي السورية “سهم الفرات “،وهذا مايتعارض بمجموعه مع بنود اتفاق اضنة “،ويؤكد حقيقة أن التركي لم يلتزم بالمطلق بأي من بنود اتفاق أضنة .
ختاماً ، من الطبيعي ان يشكل الاحتلال والغزو التركي خطراً كبيراً على مستقبل الدولة السورية سياسياً وامنياً وجغرافياً وديمغرافياً، وهذا ما يؤكد أنّ المرحلة المقبلة ستشهد أحداثاً دراماتيكية عسكرية وسياسية في مسار وتداعيات ونتائج الغزو والاحتلال التركي للأراضي السورية، وهذا ما يؤكد أنّ الدولة السورية والجغرافيا السياسية السورية قد دخلت بمرحلة اشتباك دولي واقليمي جديد، وعلى ضوء نتائج هذا الاشتباك سترسم حتماً من جديد الخارطة السياسية والجغرافية للاقليم والمنطقة العربية ككلّ.