هالة القحطاني
منذ أن بدأت الخارجية الإسرائيلية بتوجيه دعوات خاصة للصحافيين والإعلاميين العرب المقيمين بالتحديد في أوروبا لزيارة إسرائيل، وهم من إبداع لآخر في كتابة تقارير ومقالات صحافية مغايرة عن إسرائيل، توحي للعالم بأن نظام الاحتلال رمز للعدل والمساواة والإنسانية، وأن الحياة في إسرائيل وصلت لأسمى مراحل التعايش والديموقراطية عند تفخيم وتضخيم حرية المواطن الإسرائيلي في ممارسة عباداته وكيف أصبح نمط المعيشة في إسرائيل ينافس أكثر الدول استقراراً وأماناً وسعادة، دون أن تتطرق تلك التقارير والمقالات الممنهجة لما يحدث داخل المجتمع الإسرائيلي من جرائم وانتهاكات دموية. فمنذ قيام نظام الاحتلال ونحن نعرف أن إسرائيل من أكثر الأنظمة وحشية، كما أن وحشيتها لا تتوقف على الفلسطينيين فقط، بل شملت أفراداً وجماعات من داخل المجتمع الإسرائيلي وبين بعضهم البعض، فأغلب المستوطنين لا يستطيعون إخفاء خوفهم من نمط توحش العصابات والمافيا الإسرائيلية، إذ تقع جريمة قتل كل ثلاثة أيام على الأقل، تستخدم فيها العصابات هناك جميع أنواع الأسلحة الفتاكة.
لذا، من غير المعقول أن يخرج صحافي عربي يعيش في أوروبا كانت دولته الأم قد خاضت حروباً ضروساً مع إسرائيل ليقنعنا بعد أن تجول خمسة أيام بين مناطق إسرائيل بأنها الدولة الأكثر ديموقراطية، فقط لحرية ممارسة الأديان داخلها، ونحن وجزء كبير من العالم لم ينسَ إلى الآن صور الجثث التي خلفتها مجزرة صبرا وشاتيلا، والبث المباشر الذي قتل فيه الطفل محمد الدرة أمام عين والده وشاشات العالم.
وكما أن هناك أسراً ثرية تتحكم بجزء كبير من اقتصاد العالم، هناك عائلات إجرامية تتزعم العالم السفلي للجريمة المنظمة في إسرائيل، إذ تعج مناطق الاحتلال، على رغم محدودية المساحة، بأكثر من 15 عائلة تحمل تاريخاً أسود ملطخاً بالدماء، تزعمه لعقود الجيل المؤسس للتنظيمات الإجرامية، مثل عائلة زئيف روزنشتاين، وآسى أبو طبول، وآيتسيق آبرجيل، بحيث أسست كل عائلة نمطاً إجرامياً خاصاً يميزها بين بقية الأسر المجرمة التي تتوزع نشاطاتها بين عالم المخدرات وتجارة السلاح والدعارة وغسل الأموال والمقامرة الدولية، وكذلك تعيين وتوظيف القتلة المأجورين لعدد من أجهزة الاستخبارات الأجنبية
والأفريقية.
وعلى رغم سقوط معظم زعماء الجيل الأول الذين يقضي أغلبهم عقوبة السجن داخل إسرائيل، لم تتوقف الجرائم، بل ظهر جيل جديد أكثر وحشية وتهوراً من الزعماء السابقين، بحيث لا يتردد جيل المجرمين الحالي من استخدام العبوات الناسفة لتصفية الحسابات فيما بينهم، مثل عامير مولنر زعيم أكبر عصابة إجرامية، يليه شالوم دومرانى زعيم عصابات المافيا الذي اتخذ من جنوب إسرائيل مركزاً له، ولاعب كرة القدم المعروف ريكو شيرازي الذي ترك الملاعب بعد تعرضه لإصابة وانخرط في عالم الجريمة متخفياً وراء إمبراطورية اقتصادية تعمل في مجال السياحة والمطاعم والعقارات، والذي فوجئ بحادثة اغتيال ابنه الأكبر شاي شيرازي شمال تل أبيب في وقت كان يعده لتولي التنظيم من بعده.
ومن المنظمات الأكثر أقدمية أيضاً منظمة «الجاروشي» التي تعيش من التجارة بالمخدرات، كما تعتبر منظمة «كراجه» الأكثر رعباً بين السكان العرب في إسرائيل، إذ تمتلك المنظمة مخزوناً من الذخيرة يعد الأكبر بين العصابات،
فإضافة لامتلاكهم مختبرات لإعداد العبوات الناسفة يمتلكون أيضاً بنادق وصواريخ تخشاها الشرطة الإسرائيلية مثلما تخشى عصابة لطيف أبو لطيف التي تمتلك كميات مهولة من السلاح أيضاً.
وعلى مدار سنوات طويلة والشرطة الإسرائيلية تجد صعوبة في مواجهة منظمة «الحريري» التي لا يتردد رجالها في إطلاق النار على الشرطة إذا حاولوا تنفيذ اعتقالات أو مداهمة لعقاراتهم، ولا يتردد أعضاء المنظمة من ابتزاز شركات البناء الكبرى والمقاولين والمواطنين تحت تهديد السلاح لكي يدفعوا لهم مقابل ألا يتعرضوا لمصالحهم بأذى.
ومن العصابات الشهيرة عصابة نيفي وحاجي زاجوري الذين تنشط أعمالهم في مجالات المقامرات وغسل الأموال، وعصابة مخال مور التي تمارس أنشطتها الإجرامية بين جنوب أفريقيا وتل أبيب، وعصابة نسيم البارون، وعصابة الأخوين موسلي في تل أبيب، ويتزعمها يوسي موسلي، وتعمل في تجارة السلاح وغسل الأموال ولها شراكات قوية جداً مع تنظيمات مشبوهة خارج إسرائيل.
ومنذ سنوات عدة وضواحي تل أبيب تشهد سلسلة متتابعة من حوادث الثأر والاغتيالات بين عصابات المافيا وفي وضح النهار من دون اعتراضٍ من أحد، حتى جهاز المخابرات الإسرائيلي «الموساد» المشهور بالتصفيات والمهمات القذرة، كان يطلب العون أحياناً من تلك العصابات لمساعدته في التخلص من أعداء إسرائيل والإسرائيليين الذين يحملون أجندة تتعارض مع سياسة النظام الصهيوني، ويكمن الخطر في سهولة تحرك تلك العصابات خارج إسرائيل بجوازات أجنبية، ما مكنها من توسعة نشاطها وإنهاء عدد من المهمات السرية في دول أخرى.
نقْلُ بعض الصحافيين العرب لجزء من الصورة التي نعرفها جيداً عن نظام الاحتلال الصهيوني بالتقاطها من زاوية معينة لإثبات حقيقة واهية لا يعد خداعاً وتضليلاً للرأي العام حول العالم فقط، بل يعد فشلاً في تزييف حقائق واضحة كالشمس، وكل من يحاول إظهار الحياة في إسرائيل هانئة ومستقرة، وأن نظام الاحتلال رمز للعدل والمساواة والإنسانية، وأن الحياة في إسرائيل تنعم بالأمن والاستقرار أو وصلت لأسمى مراحل التعايش والديموقراطية، نقول لهم للمرة الألف «من دون صهيون بذتنا صهاينا»، لا يوجد في إسرائيل سوى عالم سفلي مظلم تقوده مافيا من العصابات.