هالة القحطاني
تثير الدول المستقرة سياساً عادة، تساؤل واستغراب العديد من المحللين والمفكرين السياسيين في دول أخرى كانت قد عانت في فترة «ما» من الاستعمار أو مرت بحروب ونزاعات أو ما زالت تتعافى من انهيار اقتصادها ولم تصل لمرحلة الاستقرار بعد، فأصبح الاستقرار السياسي لأي دولة لغزاً ومن أكثر المفاهيم السياسية غموضاً من ناحية فهم العوامل التي تؤدي إلى تحقيق الاستقرار في دولة ما ولا تنجح في دولة أخرى
ويتردد السؤال نفسه كثيراً حول المملكة: كيف حافظ النظام السياسي داخل المملكة على نفسه خلال الأزمات التي مر بها منذ عقود من دون صراعات ونزاعات داخلية تثير الفوضى وتهدد الاستقرار؟ ربما لقدرة النظام على استيعاب الاختلاف واحتواء الصراعات التي برزت داخل المجتمع الذي مهما وصل حجم اختلافاته لا يفقد إحساسه بالمسؤولية في الحفاظ على أمن المملكة، كما أن القوى السياسية داخل الدولة تحمل الأهداف الإصلاحية ذاتها فتعمل على تعزيز الأبعاد الأساسية للاستقرار بوجود حكومة فاعلة ومستقرة وقانون عام ونظام داخلي وسلام خارجي مع دول العالم.
وكلما تقدمت المملكة وازدادت تماسكاً ونجاحاً وقوةً ازداد العداء السياسي لها، فتلك الخصومة التي تضمرها بعض الدول، وإن أتقنوا إخفاءها في ثنايا الرسميات والبروتوكولات، من شأن أي موقف صغير أن يكشفها ويميط اللثام عن الكثير من الأعمال القذرة التي كانت تدار في الخفاء.
فاتبعت بعض الدول نظام التعبئة السياسة ضد المملكة بنمط راديكالي متشدد، وبنزعة تقدمية تنظر إلى مشاكل مجتمعنا وتحدياته ومعضلاته بقصد إحداث تغير جذري في بنيته لنقله من واقع التخلف والجمود، كما يعتقدون، إلى واقع التقدم والتطور، فتتصيد تلك الدول أي اختلاف فكري وسياسي أو اجتماعي بالتقاطه من الخارجين عن القانون أو المتطرفين ليحشوا بنادقهم ببارود مغشوش يصوبوه على المملكة، فينفجر في وجوههم.
والتعبئة السياسية سلوك يمارسه الطرف الضعيف الذي يفشل في مقارعة الحجة بالحجة، فتجده دائماً يسعى للخروج عن المألوف في ممارسات عنيفة أو مظاهرات أو بالعزف على وتر العاطفة، لتصعيد «سيمفونية» الإنسانية وحقوق الانسان، وأقرب أنموذج على ذلك الموقف المخجل والمثير للشفقة الذي مارسته حكومة كندا حين سمحت لوزيرة خارجيتها ورئيس وزرائها بتمثيل دور «ملائكة» حقوق الإنسان، وبلدهم يعج بآلاف المشردين من دون مأوى.. ونحن نعرف أن الإنسانية لا تُجزأ.
ويكفي أن نعرف أن دولة مثل كندا، على رغم امتلاكها نظاماً سياسياً ديموقراطياً وأنظمةً مدنيةً حضاريةً، يعاني مجتمعها واقتصادها من مشاكل عدة مثل بقية الدول، وبدلاً من أن تركز الحكومة على حلها، تحاول مواراة ذلك بإشغال المجتمع العالمي بقضايا لا تخصه بالعزف على الوتر العاطفي والإنساني باستغلال سيكولوجية الجماهير واندفاعهم تجاه حقوق الإنسان، متجاهلين حقوق 150 ألف مشرد سنوي بالكاد يجدون لهم أسرة في الملاجئ، منهم 30 ألفاً لا يجدون مأوى كل ليلة، ويقدر عدد الأطفال والمراهقين المشردين بين سن 13 و24 سنة بنحو سبعة آلاف مشرد شكّلوا 20 في المئة من العدد الإجمالي للمشردين في كندا، وتتركز كثافة المشردين في مدن مثل تورونتو وكلِغاري وفانكوفر، كما جاء في تقرير نشره مركز المشردين الكندي.
ومقطع التعبئة الساخر الذي ظهر فيه رئيس وزراء كندا ليمارس عداءه ونفاقه السياسي وعهره الاجتماعي أمام العالم، ليعلن تضامنه الإنساني في قضية مراهقة واحدة من دولة عربية بتوفير الحماية والمسكن لها، وتركه لسبعة آلاف مراهق كندي من دون مأوى، ذكرني بالمقطع الساخر نفسه لعادل إمام الذي وصف فيه تفاهة السياسي الذي (ساب الجيوش والمماليك وقعد يمضي على أطباق)!