«الرؤية» فعل وتفاعل

1

 
تغريد الطاسان
 
 
التفاعل مع الرؤية وتفاصيلها جزء أساس في حياتنا، وتنفيذ التحولات بقناعة جزء من نجاحها، وعندما يحين الحصاد، وقد حانت بعض المحاصيل، ستكون السلال المليئة حقيقة تغلب الخيال، وواقعاً يدحض التنبؤات التي حاولت تثبيط الهمم. من المهم أن يكون لمن هو مشارك في الشأن العام، تنفيذاً أو تفنيداً، كتابة أو اتصالاً عبر الإعلام، والإعلام الجديد، فصل واضح ومحدد بين الخاص والعام، بين حياته الخاصة،
 
والحياة العامة.
 
وإذا شاء أن يطلع الرأي العام على شيء مما يخصه لأسباب مقنعة له أولاً، فهذا لا يعني إعطاء الحق للجميع بالتطفل على ما لا يريد أن يظهره.
 
 
أعود للتوازن مرة أخرى، فهو في قضية التفاعل مع الرؤية السعودية، وفي مسألة إنجاح التحول عبر النجاح في التواؤم معها فكرياً، ثم عملياً، يجب أن يكون صحياً، وخلق هذه الصفة يعني أن يتشارك الجميع في كل ما هو عام.
 
مشاركات تتباين بحسب طبيعة المسألة وحساسيتها وتأثيرها على حياتنا ومعاشنا. وفي هذا الشأن، عليَّ كامرأة، وعلى كل بنات جنسي، ليس تحزباً أو تصنيفاً، لكن المرأة تحقق في هذا التحول مكاسب أكبر، ليس لأن الرؤية بخست الرجل حقه! ولكن لأنها تسعى للتوازن في مساواتهما، وتحقيق هذا التوازن يقتضي اللحاق بما فات المرأة، وقد زوّدت القيادة السعودية، وبحكمة بالغة، بنات الوطن بوقود رحلة اللحاق.
 
ولأن الفلسفة البسيطة التي أحب أن أكون عليها دوماً، تقتضي الأسئلة الواضحة والمباشرة، يكون سؤال التفاعل: هل كل ما يحدث من تحول للمجتمع يجب أن يحبه الجميع؟ بالطبع لا، فما قبل التحول – أيضاً- كانت الإجابة بلا، فلم يكن الجميع راضياً عن كل ما يحدث! ولكن تفاعل البعض في مرحلة ما قبل التحول كان مشوباً بالوجل، فلم يكن صادقاً تماماً، والأدلة تملأ أرشيف الصحف والقنوات الفضائية والمدونات، وكل ما يمكن اعتباره أداة إيصال لرأي، أو جس نبض لاتجاه.
 
تفاعلنا – اليوم- يبدو أكثر صدقاً، وهذا ما يجب أن يكون عليه؛ لأن من يقود التحول على المستويات العليا، خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين، التزماً بالشفافية الكاملة، وحتى حين إصدار القرارات التي تغيّر ما اعتقده البعض ثابتاً لتثبت أنه متحول وقابل للنقاش، كانت مسوغاتها جلية ولا مواربة فيها، بدءاً بالمسوغات الشرعية، وليس انتهاء بالمسوغات الاقتصادية، وما بينهما قائمة طويلة كل عنصر فيها هو مبحث بحد ذاته.
 
عندما نتفاعل بالقول والفعل مع هذه التحولات، يجب أن نؤمن أنها تحولات لها جذور، وتنطلق من أصول ثابتة، وهي ليست تغييراً لمجرد التغيير، بقدر ما هي تغيير لخلق أدوات جديدة للتطور، واستعادة أدوات قديمة تمت مصادرتها بشكل أو بآخر.
 
التفاعل الحقيقي يتمثل في استغلال المرحلة التاريخية للانتقال إلى وضع أفضل بشكل عملي يُمارس، وليس بشكل نظري يتم تخيله، بتطبيقات حياتية حقيقية إذا وجدناها بالفعل «مرة أوكي» كما يقول شبابنا في لغتهم المهجنة اليوم، فعلينا أن ندع الناس تعمل، وتعيش، وتتحول. عليك أيها الرجل تحديداً، أن تدع المرأة تعمل وتعيش، وعليك أن تتعايش مع ذلك.
 
قرارات التحول الوطني السعودي ضمن مقررات الرؤية، كثير منها اقتصادي، وكثير منها ثماره متوسطة وبعيدة المدى، هي بعبارة أوضح للأجيال القادمة، القادمة قريباً من شبابنا الذين يشكلون جلَّ مجتمعنا، ولتلك التي ستليها.
 
الابتعاد عن التفاعل السلبي مهم في هذه المرحلة التنموية، يمكن لكل من يتحفظ على بعض أو كل ما يحدث أن يلتزم الحياد، الحياد الذي أثق أنه لن يستمر، لأنه سيرى نتائج ما يحدث واقعاً ملموساً، يعيشه، ويستفيد منه شخصياً، أو يستفيد منه من يحبهم ويحبونه.
 
تفاعلنا مع ما حدث ويحدث وسيحدث، مهم للغاية في منظومة النجاح المأمولة، فالأمر لا يتعلق بجرأة اجتماعية، أو تحرر من قيود، إنه احترام للذات الإنسانية، وخياراتها الشخصية البحتة، أو خيارات المجموعات والشرائح المختلفة في المجتمع.
 
التفلّت من إرث وعادات المجتمع الجميلة والعميقة في جذور تاريخه، ليس من سمات السعوديات والسعوديين، وستبقى الخصوصية، لكن سيعاد تعريفها، وصياغة مدخلاتها لتخرج للعالم بصورة تمثل الإنسان السعودي، وتقيه مما سببته الازدواجية والاستسلام لما هو غير مقتنع به. إن الموافقة لمجرد الموافقة، أو الرفض لمجرد الرفض، كلاهما انقياد أعمى. لو تأملنا بهدوء –على سبيل المثال- في كثير من تفاعلات مهندس الرؤية السعودية وعرَّابها الأمير محمد بن سلمان مع ما يطرح أو يقال أو يغمز به من أصدقاء، أو مدعي صداقة، أو يؤججه أعداء، لوجدتها جميعاً تتسم بإعطاء الحرية في القرار والاختيار عندما يتعلق الأمر بالخصوصية الشخصية وخياراتها في طريقة ممارسة الحياة. صحيح أنه لا يقبل المساومة على ثوابت معينة باتت جزءاً من الشخصية السعودية الجديدة، لكن يفعل ذلك مثلما نفعل نحن عندما يتعلق الأمر بمصيرنا الشخصي، أو مصير عائلاتنا، ومن نحب.
 
ربَّما يكون تفاعل المرأة أكبر وأكثر سعادة، وهذا طبيعي، فالطرف الذي يتم إنصافه يكون غالباً أسعد باستعادة حقه من ذلك الذي سلب برغبة منه، أو باستجابة لتيار اجتماعي عام، بعض من هذا الحق.
 
التفاعل مع هذه الرؤية جزء منها، وتنفيذ التحولات بقناعة جزء من نجاحها، وعندما يحين الحصاد، وقد حانت بعض المحاصيل، ستكون السلال المليئة حقيقة تغلب الخيال، وواقعاً يدحض التنبؤات التي حاولت تثبيط الهمم.
 
يقول الأمير خالد الفيصل (دايم السيف) في قصيدة «تساوت عندي»:
 
الا يا ناصح بالطب روحي.. تراها لو لقت طب تداوت..! ونحن وجدنا طباً فعالاً لمداواة «جروح» التنمية والاقتصاد، وخدوش المجتمع، وندوب الثقافة.. أفلا أكون مواطناً متفاعلاً.. أفلا أكون مواطنة فاعلةً.
 
* كاتبة سعودية.

التعليقات معطلة.