الهند في ميزان المصلحة الإسرائيلية

1

 
نبيل السهلي
 
تطرح زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهوإلى الهند، في الأسبوع الثاني من شباط /فبراير الحالي، والتي ستتوج بعقد صفقة بيع أسلحة بقيمة 3،5 بليون دولار ، أسئلة حول أهمية الهند في ميزان المصلحة الإسرائيلية ومدى تطور العلاقات بين نيودلهي
 
وتل أبيب.
 
وقد لعبت الأجواء الإقليمية والدولية والمحلية أواخر الثمانينيات دورا في تشجيع الهند على القيام بخطوات رسمية نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، خصوصا أن انتهاء الحرب الباردة قد غير الصورة النمطية للمشهد العالمي، وفرض معطيات جديدة في العلاقات الدولية، وظهرت الولايات المتحدة قوة عظمى وحيدة لا منازع لها في إطار العلاقات الدولية. وتشكلت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق تحالفات القوى حسب رغبات الأميركيين الذين ساعدوا إسرائيل بصفتها أقرب حليف لهم، وهو ما فتح المجال أمام إسرائيل لتعزيز وتنويع علاقاتها
 
الدولية.
 
 
اللافت أنه بعد انتقال قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية إلى حركة فتح في عام 1968 ،وعلى ضوء الظروف المتغيرة، تبنت الهند توجها نشطا، وأصبحت تعبر عن مساندتها لمنظمة التحرير الفلسطينية ومعاداتها لإسرائيل، وفي السنوات التالية لذلك شهد الوضع تغيرا نوعيا، فقد ظهرت عداوة هندية صريحة للأخيرة، وكان مرد ذلك في الغالب لإرضاء وجهة النظر العربية، وانخرطت الهند حينها في الصراع العربي الإسرائيلي كمعاد حقيقي لإسرائيل.
 
ولم يستطع حتى حزب جاناتا -الذي كان مواليا لإسرائيل- تجاهل العرب. ومن أمثلة مواقف الهند الموالية لمنظمة التحرير الفلسطينية، زيارات وفود المنظمة المتكررة للهند، ودعم الهند القوي للمنظمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في فترة ما بعد حرب /تشرين الأول / اوكتوبر 1973، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1975، وقرار الهند منح المنظمة الوضع الدبلوماسي الكامل في آذار/مارس 1982.
 
في مقابل ذلك شهد عقد الثمانينيات من القرن الماضي تلطيفا في الموقف الهندي تجاه إسرائيل، ومع بداية التسعينيات، أصبحت سياسة الهند تجاه إسرائيل أكثر وضوحا، فقد أكملت حكومة «ناراسيما راو» عملية التطبيع مع إسرائيل.
 
ومع وصول «ناريندرا مودي» إلى سدة السلطة التنفيذية في الهند ، برزت ملامح تغير حقيقي في العلاقة الهندية مع إسرائيل. وقد اعتبرت وزارة الخارجية الإسرائيلية امتناع الهند عن التصويت بمجلس حقوق الإنسان قرار يدين إسرائيل في عدوانها على قطاع غزة في صيف عام 2014 انتصاراً للدبلوماسية الإسرائيلية، حيث كانت الهند منذ عقود تقود حركة دول عدم الانحياز التي تدعم الحقوق الفلسطينية في الأروقة الأممية. ويمكن الجزم بأن مرد التغيير في الموقف الهندي من إسرائيل يعود إلى «ناريندرا مودي» الذي أصبح رئيسا للوزراء في الهند في نيسان /ابريل 2014، والذي قرر بدوره تغيير النهج الهندي إزاء إسرائيل، وعزز التوجه الهندي اتفاقية أوسلو (1993) ، التي كانت أحد أهم العوامل الجوهرية التي دفعت نحو التحولات النوعية في العلاقات بين الهند وإسرائيل، ولهذا اعتبرت إسرائيل تغير الموقف الهندي انتصاراً للموقف الإسرائيلي في وقت ارتفعت فيه وتيرة المقاطعة الرسمية والشعبية في الغرب للمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، وكذلك لاقتصاد المستوطنات الإسرائيلية الجاثمة على الأراضي الفلسطينية.
 
التحولات في العلاقات الهندية الإسرائيلية ما كانت لتحدث لولا تراجع العلاقات العربية الهندية، وعدم قدرة الدبلوماسية العربية على بناء علاقات قوية ومتينة مع الهند التي تعتبر من القوى الصاعدة في المشهد الدولي اقتصاديا وسياسيا أيضا. وقد تسارعت وتيرة تعزيز العلاقات خلال السنوات الأخيرة، لأن الهند تعتبر العلاقة مع إسرائيل بمثابة بوابتها العريضة نحو دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وهي تسعى من خلالها لتوثيق وتطوير علاقاتها بهذه الأخيرة في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية. وترى الهند في تطوير علاقاتها مع إسرائيل ذخرا سياسيا إستراتيجيا في إطار صراعها مع باكستان حول قضية كشمير وامتلاك الخيار النووي من جهة، ومحاولة الإخلال بميزان القوى لصالحها في إطار صراعها مع الصين في الزعامة والسيطرة على قارة آسيا من جهة أخرى.
 
على المستوى الدبلوماسي تعاونت الهند مع إسرائيل في بعض القضايا التي تعرضت فيها إسرائيل للإدانة الدولية، خاصة فيما يتعلق بالمساواة بين الصهيونية والعنصرية، مقابل تأييد إسرائيل للهند في مواجهة باكستان.
 
وبالنسبة لأهمية الهند في ميزان المصلحة الإسرائيلية ، ستوفر التحولات النوعية في العلاقات الهندية مع إسرائيل، فرصة إضافية لإفلات الأخيرة من الإدانات في المحافل الدولية، وتفتح في ذات الوقت السوق الهندية الكبيرة أمام المنتجات الإسرائيلية وخاصة العسكرية منها، فضلاً عن كون الهند قوى صاعدة ولها وزن نسبي هام في إطار العلاقات الدولية.
 
* كاتب فلسطيني

التعليقات معطلة.