باختصار : الكهرباء ثم الكهرباء

1

 
زهير ماجد
 
لم يكن عبثا التلاعب بكهرباء فنزويلا كما اتهم مادورو الأميركيين، من أكبر النعم التي قدمت للإنسان تقدما لا مثيل له على شتى الاتجاهات كانت الكهرباء، دخلت الحياة من كل أبوابها، ولم يعد بالإمكان الاستغناء عنها بعدما صار كل ما في البيت والحياة عامة تابعا لها.
يعرف الأميركي وغير الأميركي مدى التأثير الذي يتركه انقطاعها .. اكتشفوا ذلك في لبنان مثلا، فكان العراق الأبرز في نادي الانقطاع الكهربائي .. أصعب ما يواجهه المواطن اليوم أن تتحول حياته إلى عتمة، سواء في النهار حيث ما يملك يتوقف عن العمل بدونها، وفي الليل تتحول الشمعة إلى ملاذ، لكنها تؤلم من لم يعتد عليها لأنها تصنع الكآبة، وليست مرشحا للرومانسية كما يقال إلا في حالات.
نعمة الكهرباء لن يعرفها إلا من يفتقدها، اسألوا أهل لبنان الذين تحولت مناطقهم إلى مولدات كهربائية بالآلاف، بعدما عجزت الدولة لأسباب منها لصوصية ومنها كيدية ومنها سياسية عن تأمينها خلال النهار والليل.
ولهذا صارت الكهرباء سياسة بكل أسف .. من هذ الكمين سيتم اصطياد الرئيس مادورو، الفنزويليون يقبلون تخفيف الطعام إلى حد البساطة، وهم على استعداد للوقوف إلى جانب رئيسهم الشرعي شرط أن لا تنقطع الكهرباء لأنها ستكون حربا حقيقية على خيارهم، وقد تعجل في إعادة استقطاب جديد بين الرئيس مادورو وخصمه.
أخبرني مرة الشاعر الكبير عمر أبو ريشة أنه أثناء زيارته للولايات المتحدة حدث أن انقطعت الكهرباء في مدينة نيويورك لمدة عشرين دقيقة، فقامت الدنيا ولم تقعد، بل إنه وقعت أعمال قتل لا سابق لها، وسرقات بالجملة، تخربط كل نظام الحياة لدى المواطنين الذين لم يعتادوا ولو على انقطاع لدقيقة واحدة.
إذا أريد اصطياد شعب ما أو التأثير عليه، فليس غير الكهرباء أبرز العناوين الممكنة التي تحقق هذا الغرض .. نحن نسمي اليوم كل ما نملك أدوات كهربائية، باتت تسيطر علينا في يومياتنا، صحيح أننا لا نفكر بالأمر لأن العادة طبيعة ثانية في الإنسان، الذي لا ينتبه إلى ما اعتاد على وجوده الثابت الذي دخل حياته وصار الأساس فيها. الإضاءة موزعة في كل مكان في البيت، المطبخ برمته كهربائي بلا منازع وكل ما فيه يعمل بهذه الواسطة المهمة، أضف إلى ذلك الصالونات والمصاعد ومصابيح الشوارع وغيره الكثير. حياتنا باختصار كهربائية مائة بالمائة.
عندما اخترع الإنسان الأول النار حدث انقلاب كبير في حياته واعتبر ذلك في تدوين هذا التاريخ نقطة تحول، ويوم دخلت الكهرباء إلى حياة الناس صارت نعيما لا يضاهى، إذا أريد معاقبة شعب أذن يتم التلاعب بكهربائه كي يستسلم إلا إذا اعتاد على بدائل كما هي الحال في لبنان مثلا، والذي صارت فيه المولدات هي الأساس.
لا شك أن معاقبة الرئيس الفنزويلي مادورو فهمها تماما فصاح من هول اللعبة التي سوف ترتد عليه شعبيا .. من المؤسف القول إن الشعوب تتغير وتتبدل إذا ما وصل الأمر للتأثير على يومياتها أو إذا طال أمد العصيان المدني والتظاهر اليومي الذي من الواضح أنه سيظل قائما بلا نتيجة.
أكتب عن الكهرباء التي نسيتها أمم وشعوب، فهي اليوم لعبة السيطرة على الشعوب أو برمجتها من جديد بما يتلاءم مع الواقع السياسي المراد تنفيذه أو تعطيله.

التعليقات معطلة.