القدس وإعلان عمان…ماذا بعد؟

1

 

مسعود الحضرمي

منذ ما يقارب السبعة عقود، والقضية الفلسطينية في كل يوم بها تجدد وتطور وتصعيد، بتجدد المعاناة وبزيادة السطوة الصهيونية واستمرار الدعم والتأييد للكيان الصهيوني في أحقيته في فلسطين على حساب شعبها العربي، ولا شك في أنها واحدة من أكثر القضايا الإنسانية المأساوية التي عرفتها البشرية عبر التاريخ، إذ لم توجد قضية سياسية تضاهيها في العالم، ويكمن جوهر أهمية القضية الفلسطينية تاريخيا وسياسيا ودينيا وإنسانيا في احتضان أرض فلسطين التاريخية لمدينة القدس، المدينة المقدسة التي تحظى بمكانة عظيمة في التاريخ الإنساني، فقد تميزت المدينة بخصوصية اكتسبتها بانفرادها بالبعد الروحي المرتبط بالزمان والمكان، وفي هذا تنافس المتنافسون في إصدار قرارات رسمية وأممية ودولية، على إثر مئات الاجتماعات والمؤتمرات الطارئ منها والاعتيادي.
تعالت الأصوات منذ ما قبل النكبة عام 1948، مستنكرة قرار التقسيم الذي أقرته هيئة الأمم المتحدة عام 1947 ومر الصراع العربي ـ الإسرائيلي بمنعطفات خطيرة جرت الويلات وأعقبت الخسائر في المعارك العسكرية والسياسية بين الطرفين، ولم تزل القضية بانتظار الحل ولم تزل الدعوات والقرارات تنهمر غيثا لا يسقي في نفوس الشعب الفلسطيني أملا في العودة وحق العيش وتقرير المصير.
ولسنا هنا بصدد انتقاد قرارات أو إلقاء اللوم أو التشكيك بصدق المساعي لإيجاد حل شامل وعادل ينصف الشعب الفلسطيني ويعيد له كرامته وحقه في بلاده، إنما الغاية تكمن في مناقشة متواضعة حول الأسباب التي غالبا ما أفضت إلى تهميش هذه القرارات وأرشفتها للتاريخ فقط دون تنفيذ لأي بند منها على أرض الواقع.
لقد حفلت القضية الفلسطينية كما أسلفنا باهتمام بالغ وحثيث على مستوى الوطن العربي الذي تعي مكوناته من قادة وحكومات وشعوب خطورة الموقف وتبعاته الأكثر تدميرا على مستقبل شعوب المنطقة كافة، وقد اتخذ هذا الاهتمام أشكالا كثيرة، مثل كل منها انعكاسا لما كان يستجد على الساحة الفلسطينية سواء في شكل مؤتمرات أو اجتماعات تحت قبة جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، أو على هيئة تشكيل جبهات مقاومة ورافضة للتطبيع ومطالبة بتوحيد الصف العربي، أو حتى على شكل مقاومة عسكرية، وأخيرا على شكل مبادرات لتسوية شاملة وعادلة لإنهاء هذا الصراع بالأدوات الدبلوماسية.
وها هي خطوة يتقدم بها البرلمانيون العرب في أوائل هذا الشهر مارس/ أذار، والتي تمثلت باجتماع الاتحاد البرلماني العربي في دورته التاسعة والعشرين في مدينة عمَّان الأردنية، والذي جاء يحمل شعار” القدس عاصمة دولة فلسطين الأبدية”، ليُصاغ البيان الختامي تحت مسمى إعلان عمَّان، متضمنا ثلاثة عشر قرارا، تمحورت حول حقوق الشعب الفلسطيني في العودة ورفض التطبيع شكلا ومضمونا بكل أشكاله مع إسرائيل، وبتأكيد بالإجماع ـ رغم وجود بعض الوفود التي حاولت أن تغرد خارج السرب بطلبها حذف بعض المقررات من إعلان عمَّان ـ على أن أي حلول تتجاوز مقررات الشرعية الدولية وأطر المبادرة العربية للسلام، والتي تنص على حل الدولتين، والتوصل إلى حل عادل عبر التفاوض على قضايا الوضع النهائي المتمثلة بملف اللاجئين، والقدس والمياه والحدود، هي حلول غير قابلة للحياة، خصوصا في ظل الظلم التاريخي الذي تعرض له الفلسطينيون على مدى أكثر من سبعين عاما، وأن يتوجب بالضرورة المضي قدما لحماية القدس من أي محاولات تستهدف العبث بهويتها التاريخية بصفتها مهبطا للرسالات السماوية، ولحملها هوية إسلامية تمثل أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين. ولا شك، فإن الموقف العربي ومنذ بداية المأساة الفلسطينية قد ظل رافضا رفضا قاطعا إقامة كيان خاص سندا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947، كما شهدنا الاستعداد العربي بالقبول بتسوية سياسية للصراع العربي الإسرائيلي عقب هزيمة عام 1967 تعيد السيادة العربية على القدس الشريف انطلاقا من قبول إسرائيل بمبدأ الانسحاب من كافة الأراضي العربية المحتلة عام 1967 ، وفي مقدمتها القدس تطبيقا للقرار 242 الصادر عن مجلس الأمن، والاعتراف بالشعب الفلسطيني.
لكن ما هي إلا أيام معدودات تلت إعلان عمَّان حتى شهدت باحات المسجد الأقصى انتهاكات صارخة بحق المصلين، وتزايدت الاعتقالات بحق موظفيه وخطبائه والقائمين عليه، وأمعنت إسرائيل بمصادرة أراض ومنع المقدسيين من البناء على أرضهم في القدس، ولا تكاد نشرات الأخبار اليومية تخلو من نقل تلك الانتهاكات المتزايدة والاقتحامات الجائرة للمدينة المقدسة ومسجدها فماذا بعد كل تلك القرارات؟؟
إن المعضلة لا تكمن في الموقف العربي الرافض والإصرار على الثبات عليه، ولا بالقرارات وحجها ومدلولاتها، سواء قوبلت بإجماع ساحق أو تحفظ من البعض أو غيرها من المواقف، بل إنها تكمن حقا في مدى فاعلية وتطبيق هذه القرارات على أرض الواقع، بشكل عاجل وحاسم، وأن يكون التنفيذ حقيقيا وليس آجلا، وأن تصبح بمثابة دستور أو عهد قاطع ملزم يحتم علينا جميعا الإيفاء به والتحرك السريع لتطبيقها، وهذا ما نأمل كلنا نحن الشعوب العربية بالوصول إليه، من أجل القدس والأقصى ومن أجل ما آمنا به في حياتنا من حق كل فرد في هذه الأمة العظيمة أن يحيى بكرامة وعزة على أرضه وأن تبقى فلسطين مقصدا لكل عربي مهما اختلفت عقيدته، فهي أرض السلام وهي البوصلة الحقيقية التي تشير دائما إلى الاستقرار والأمن لمنطقتنا العربية.
د. مسعود الحضرمي

التعليقات معطلة.