بسام ناصر
علماء أكدوا أن الأصل هو المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والالتزامات- أرشيفية
تتكاثر الحملات المطالبة بإسقاط ولاية الرجل على المرأة في عدة دول عربية، باعتبارها إنسانا عاقلا راشدا لها كامل الحقوق في إدارة شؤونها الخاصة، فليس ثمة حاجة لفرض ولاية الرجال عليها، لأنها تقيد رأيها، وتحدد قراراتها، بحسب ناشطات نسائيات.
وفي الأشهر الأخيرة اجتاح موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” وسمٌ ما زال فاعلا ومفتوحا، هو “سعوديات نطالب بإسقاط الولاية”، تضمن جملة مطالب تدور حول رفع ولاية الرجل عن المرأة في حقوقها المدنية والاجتماعية، وإلغاء النظام القديم الذي جعل السلطة بيد شخص واحد في العائلة كالأب والأخ والابن.
وعادة ما يصاحب تلك المطالبات مساجلات ساخنة، تدور رحاها بين مؤيدي إسقاط الولاية والمطالبين بها، وبين من يرفضها ويحذر منها، ويرافق ذلك كله جملة من التساؤلات حول تحديد مفهوم ولاية الرجل على المرأة في الشريعة، وهل هو مطلق أم مقيد ومحدد؟
ويتجدد جدل ساخن حول مفهوم القوامة، وهل يلزم منه فرض ولاية الرجل على المرأة بشكل مطلق؟ وما هي أبرز مظاهر تجليات ولاية الرجل على المرأة المستندة إلى أعراف اجتماعية من غير أن تكون مستندة إلى أدلة شرعية؟
الولاية في الشريعة الإسلامية: مفهومها وحدودها
شرح عميد كلية الشريعة في جامعة جرش الأردنية، الدكتور حسن شموط الولاية بأنها “تنفيذ القول على الغير شاء أم أبى” وهي أيضا سلطة ممنوحة من قبل الشارع تمكن صاحبها من إجراء العقود والقيام بتصرفات تترتب عليها آثارها.
وأضاف شموط: “أما الولاية في النكاح فهي سلطة شرعية للعصبة بالنسب أو من يقوم مقامهم، يتوقف عليها تزويج من لم يكن أهلا للعقد، وقد شرع الإسلام الولي في عقد النكاح لحكم عديدة، وفي ذلك صيانة للمرأة عما قد يُشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال، فالمرأة في العادة تجد غضاضة في مباشرة ذلك، وحياؤها يمنعها من ذلك”.
وتابع: “ذهب بعض الفقهاء إلى جواز إجبار الرجل لابنته البكر البالغة على الزواج، ورجح ابن تيمية عدم جواز ذلك، وأن الأصل موافقتها ورضاها، فإن الأب ليس له أن يتصرف في مالها إذا كانت راشدة إلا بإذنها، وبُضعها أعظم من مالها فكيف يجوز له التصرف في بُضعها مع كراهتها ورشدها؟”.
وجوابا عن سؤال “عربي21″، “ما هي حدود الولاية التي منحها الشارع للرجل الولي، خاصة في النكاح؟”، قال شموط “الذي عليه أهل العلم أنه ليس للولي أن يتعسف في استخدام حقه في الولاية، فإذا عضل ابنته ـ أي منعها من الزواج دون سبب مشروع، فإن لها أن ترفع أمرها للقاضي ليأذن لها بالزواج إذا كان الزوج كفؤا”.
أما مفهوم القوامة فهو من الأحكام الشرعية التي جعلها الله للرجل، ويقصد بها قيادة الأسرة وتحمل مسؤوليتها، فالزوج هو المسؤول عن توفير متطلبات الحياة للزوجة والأبناء، وهذا فيه زيادة في التكليف، ولا يقصد بها تكريم الرجل على المرأة، فهي قوامة تكليف لا تشريف، فإن قصر في قوامته ومسؤوليته حاسبه الله تعالى على هذا التقصير.
المساواة بين الرجل والمرأة إلا فيما استثنته الشريعة
من جانبه بيّن الباحث الشرعي السعودي، ماهر القرشي أن “الأصل هو المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والالتزامات إلا ما استثناه الشارع الحكيم لمصلحة المرأة، ولمصلحة الأسرة ولمصلحة المجتمع”.
ومثّل القرشي في حديثه لـ”عربي21″ لذلك بولاية النكاح، وولاية الزوجية ونحو ذلك، لافتا إلى أن تلك الاستثناءات محدودة، ولها صور قليلة جدا.
وقال القرشي في جوابه عن سؤال “ما هي دوافع النساء المطالبات بإسقاط ولاية الرجل على المرأة في السعودية؟”، إنه “يختلف الناس في ذلك بحسب مشاربهم وانتماءاتهم، وبغض النظر عن ذلك فهنالك نقاط صحيحة تحتاج لإعادة نظر، وأخرى خاطئة تحتاج للإيمان والتسليم”.
وذكر القرشي أمثلة لما وصفه بـ”النقاط الصحيحة” في مطالبات الذين دشنوا وسم “سعوديات نطالب بإسقاط الولاية”، كـ”إعطاء المرأة الولاية على المال الخاص بها، وعلى القرارات المتعلقة بحياتها الخاصة”.
أما النقاط الخاطئة فمثالها: “المطالبة بإسقاط قوامة الرجل مثلا، لأنها ثابتة بنص قرآني قطعي الدلالة، ولا تجوز المطالبة بإسقاطها، بل يجب التسليم بها فيما حدده الشرع وبينه” على حد قوله.
خصوصية المطالبة في السعودية وتفاعلاتها
على خلفية تدشين نشطاء سعوديين لوسم “سعوديات نطالب بإسقاط الولاية” على تويتر، أثيرت هواجس حول دوافع منظمي ذلك “الهشتاق” ومحركيه، والتشكيك في توجهات القائمين على تلك الحملة، لأنها مدعومة من جهات خارجية.
وفي رصد ردود الأفعال، كان لافتا موقف الكاتبة السعودية، سمر المقرن التي لطالما طالبت بإعطاء المرأة السعودية حقوقها، وقد أبدت “عدم ارتياحها تجاه تلك الحملة التي تبين فيما بعد أنها مدعومة من جهات خارجية ليس همها المرأة السعودية وحقوقها، إنما همها أن تدفع هذه المطالب، وتستغل بعض النساء اللواتي يتجرعّن الألم، لتستخدم هذه الحملة ضد المملكة”، بحسب وصفها.
وذكرت المقرن في مقال لها أن ثمة “أنظمة وقوانين مجحفة في حق المرأة في مجتمعنا، وعلى رأسها رهن حياة المرأة وشؤونها بيد ولي أمرها، وكأنها إنسان ناقص لا يستطيع تدبير أموره ولا إدارة شؤونه”.
وتابعت: “ومع فقداننا لأنظمة واضحة تحفظ حق المرأة التي تعاني من تسلط ولي أمرها، فقد اختلط الحابل بالنابل، وصارت كل فتاة أو امرأة للأسف تحمل أجندة مدفوعة أو ترغب بحرية غير منضبطة تهدف إلى الانفلات “التام” تخرج في مواقع التواصل الاجتماعي، أو تراسل المؤسسات الإعلامية الأجنبية التي تبحث عن مواضيع الإثارة ضد السعودية، وتدعي كذبا أنها مظلومة”.
بدورهم قام علماء ودعاة بالرد على تلك المطالبات، وتولوا تفنيد ما جاء فيها من آراء وأفكار، وقد نشر الداعية السعودي، الدكتور محمد العريفي سلسلة تغريدات في الحادي عشر من الشهر الجاري، رد فيها على مطالب حملة إسقاط الولاية.
وقال العريفي في تعليقه على تلك الحملة: “أكثر من يطالب بنزع الولاية إنما يطلب رفع القوامة لا الولاية، فالقوامة مسؤولية الرجل عن زوجته وأبنائه، والولاية توليه تزويج ابنته أو غيرها، القوامة ليست تشريفا وإنما تكليف، فالرجل راع على أهل بيته ومسؤول عنهم.. فهي قوامة مسؤولية”.
ووصف العريفي من قال إن “القوامة ليست قضية دينية، مطالبا بإلغائها”، بأنه “انتقاص حكم شرعي، وتعد على قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء)، مبينا أن جعل القوامة للرجل لا يعني إلغاء المرأة وتهميشها، فجعل إدارة المدرسة للمدير لا يلغي المعلم والطالب، وجعل القوامة للأب أو الزوج لا يلغي أهله”.
وأضاف أن “المرأة حرة في مالها وحياتها، والموافقة على زواجها، والولاية للأب أو غيره لعقد زواجها، تكريم لها ومسؤولية يتحملها معها وخدمة لها.. الولاية على المرأة تشترط لعقد زواجها، ومن دعا لإلغائها خالف قوله (فانحكوهن بإذن أهلهن)، وإن تشدد وليها وضايقها نقلت الولاية لغيره”.
يُذكر في هذا السياق أن عضو هيئة كبار العلماء في السعودية، الشيخ عبد الله المنيع، أكدّ في تصريحات صحفية “أنه لا ولاية على المرأة الراشدة إلا في الزواج”، وأنها “ولية نفسها في كافة أمور حياتها”.
وأضاف المنيع أن “المرأة إذا بلغت سن التكليف يجب أن تعطى ما يستحقه أخوها من الكفاءة المالية والأهلية والتصرف في مالها حسب ما تراه في صالحها، وليس عليها ولاية مطلقا”.