ترقب مزدوج للخُلع البريطاني

1

جودة مرسي:
تلقف العالم فوز بوريس جونسون برئاسة وزراء بريطانيا بمزيد من الترقب حول مصير “البريكست”، وبحث المملكة المتحدة عن محلل جديد يحقق لها أهواءها وطموحاتها، خصوصا بعد نجاحها في الخلع من الاتحاد الأوروبي. فيما أعلن جونسون، في مؤتمر صحفي عقب إعلان فوزه، أن بلاده تحتاج شراكة جديدة مع الاتحاد الأوروبي، مؤكدًا أن الخروج كما هو مقرر له في 31 يناير المقبل، وأنه سيقوم بتنفيذ خطة الخروج من الاتحاد الأوروبي دون تردد أو تشكيك. وفور إعلان تأكيد الخلع البريطاني، قدمت الإدارة الأميركية نفسها في دور “المحلل”، وبادرت بإعلان رغبتها في القيام بهذا الدور، حيث كتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عبر حسابه على تويتر “ستكون بريطانيا والولايات المتحدة الآن حرتين في إبرام اتفاق تجاري جديد وضخم بعد البريكست، هذا الاتفاق يمكن أن يكون مربحًا وأكبر بكثير من أي اتفاق آخر يمكن إبرامه مع الاتحاد الأوروبي.. احتفل يا بوريس”.
سبق وأن كتبت مقالا سابقا عن التشابه الشكلي والضمني والأيديولوجي بين ترامب وجونسون، لكن بعد قراءة تصريح رئيس الوزراء البريطاني وتغريدة الرئيس الأميركي أصبح التقاء المصالح بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ممهدًا بشكل أكثر وضوحًا، حتى وإن كان على حساب المصالح مع دول الاتحاد الأوروبي، التي بطبيعة الحال لن تترك الخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي يمنح بريطانيا اتفاقًا دون خسائر، خصوصا بعد تصويت النواب البريطاني في سبتمبر والذي عُدل في أكتوبر الماضيين، لصالح التعديل الذي تقدم به السير أوليفر ليتوين، والذي ينص على “تعليق التصديق” على اتفاق جونسون مع الاتحاد الأوروبي، حتى يتم إقرار التشريعات التنفيذية اللازمة لتطبيقه.
جونسون يبدو أكثر تصميمًا على الخروج من الاتحاد الأوروبي خلافا لرئيسة وزراء بريطانيا السابقة تريزا ماي التي سألها الصحفيون ذات مرة عما إذا كانت ستبقى في السلطة أم لا، فردت عليهم بإصرار أنها غير مستعدة “للعب تلك الألعاب” ـ حسب صحيفة التايمز البريطانية ـ وذلك بعد رفض البرلمان البريطاني اتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي قدمته حكومتها “البريكست” ووافق عليه الاتحاد. على الجانب الآخر ترامب يريد أن يعوض خسارته عن إخفاقه في كسب الحرب التجارية الشرسة التي يخوضها مع الصين، فسارع بالإعلان عن خطة لإبرام اتفاقيات تجارية مع عدد من الشركاء التجاريين معلنا عن اتفاق تجارة كبير جدا مع بريطانيا أكبر من أي اتفاق في أي وقت مضى، في محاولة منه لتحقيق مكاسب مع الشريك التجاري الأبرز في الاتحاد الأوروبي، فيما كان رد جونسون: إن المحادثات التجارية مع الولايات المتحدة ستكون صعبة، لكن هناك فرصا هائلة للشركات البريطانية في السوق الأميركية.
صراع أميركا وبريطانيا على المصالح يدفعهما إلى الإسراع في تنفيذ الخلع من الاتحاد الأوروبي، والتوصل لاتفاق رسمي جديد عوضا عن الاتفاق العرفي الذي يجمعهما، لكن أرضية صياغة هذا التعاون لن تكون بهذه السهولة، فترامب يواجه مشاكل كبيرة مع الكونجرس بعد أن حوكم برلمانيا، وتم اتهامه بإساءة استخدام سلطته وعرقلة عمل الكونجرس، فيما يحاول الفوز بفترة رئاسية جديدة خلال الانتخابات التي ستجرى في نوفمبر المقبل، وجاء التحدي على لسان نانسي بيلوسي، رئيسة مجلس النواب الأميركي، بقولها إن الاتفاق التجاري بين بلادها وبريطانيا لن يُمرره البرلمان حال تعارضه مع اتفاقية “الجمعة العظيمة”.
البريطانيون يفضلون وجود اتفاق شامل للتجارة الحرة مع الولايات المتحدة بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، لكن جونسون يواجه تحذيرات ألمانية وفرنسية حال السير وفق سيناريو الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، حتى لا تكون هناك تداعيات اقتصادية سلبية على البريطانيين والأوروبيين.
تبقى أنظار العالم تترقب نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، فالولايات المتحدة تريده “خُلعا” والأوروبيون يريدونه “طلاقا”، وفي كلتا الحالتين تبدو الرغبة المتبادلة للزواج بالحليف الأكبر في العالم (الولايات المتحدة)، فهل تنجح بريطانيا في تفادي خسائر الخروج من الاتحاد الأوروبي وتعويضها من ارتباطها بالعملاق الأميركي؟
وفي المقابل هل يعوض ترامب خسائره الناجمة عن حربه التجارية مع الصين، أم سيصطدم التحالف بحروب تجارية وتحالفات جديدة يقودها العملاق الصيني الذي حقق فائضا تجاريا مع معظم دول الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الأخيرة وطالت استثماراته معظم القطاعات؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة

التعليقات معطلة.