زيارات متتالية لدعم تونس.. ومسمار أخير في نعش المشروع الإسلاموي للمنطقة
14-08-2021 | 08:00 المصدر: النهار العربيي
الرئيس التونسي قيس سعيد لدى استقباله وزير الخارجية المصري سامح شكري
A+A-شهد التونسيون في 25 تموز (يوليو) حدثاً استثنائياً، فقد أعقبت احتفالاتهم الصباحية بفوز السباح أحمد حفناوي في أولمبياد طوكيو، احتجاجات العاصمة التونسية وإعلان الرئيس قيس سعيد تجميد عمل البرلمان وتعليق الحصانة البرلمانية لنوابه، وإقالة رئيس الوزراء هشام المشيشي. تولي سعيّد كل السلطات التنفيذية، استناداً إلى المادة 80 من دستور 2014 بعد سلسلة الانتفاضات التي شهدتها دول عربية عدة وانتهت بتعويم الإسلام السياسي في المنطقة وتسليمه مفاتيح الحكم، حدث تتجاوز مفاعيله حدود الدولة الأكثر علمانية بين شقيقاتها، فهي مولد “الربيع العربي” ومطلقة شرارته التي وعدت بتحويل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قبل عقد من الزمان جنة ديموقراطيات، لنشهد اليوم نهاية هذه الحقبة من حيث ابتدأت، فهل تكون قرارات سعيد آخر مسمار في نعش مشروع الإسلام السياسي؟ تونس والخليجترتبط تونس بدول الخليج بعلاقات متينة في المجالات كافة، تبلورت أخيراً بالدعم الخليجي المكثف لها في أزمتها الكبرى جراء تفشي فيروس كورونا. حافظت تونس على هذه العلاقات بقوة، بخاصة خلال التوتر بين قطر ودول الرباعية باتخاذها “موقفاً حيادياً” من دون انحيازها لأي جهة. وكانت لافتة الاتصالات التي أجراها الرئيس التونسي قيس سعيّد بالدول الخليجية عقب تجميده البرلمان، موضّحاً لها ما حدث، ومؤكداً في تصريح له “حرص الدول الشقيقة على الوقوف إلى جانب تونس في هذا الظرف الدقيق”، في إشارة منه إلى دول الخليج. وفي الوقت عينه استقبل سعيّد في قصر قرطاج وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان وتبادلا الحوار حول القرارات التي اتخذها. زيارات ودعمتوالت زيارات تونس بعد قرارات الرئيس سعيّد من الدول الداعمة لها، لا سيما دول الرباعية العربية (السعودية والإمارات والبحرين ومصر)، التي لم تتشكل بمظهر رسمي إلى الآن. تمثلت بداية بزيارة وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، تلتها زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري، ثم زيارة المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات أنور قرقاش وأخيراً زيارة وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني. كل الزيارات أيدت خطوات سعيّد، ما يدل الى جو الارتياح الذي ساد بين دول الخليج ومصر مما جرى في تونس. فيما ظهر في الموقف الكويتي شكل من أشكال التشفّي براشد الغنوشي، مشجّع الغزو العراقي للكويت عام 1990، الذي رفض دعوة الكويت له الى الاعتذار بعد نهاية الغزو. أما قطر فكانت من أوائل الدول التي دعت الأطراف في تونس إلى “تغليب صوت الحكمة”، وانتهاج طريق الحوار لتجاوز الأزمة التي تمر بها بلادهم، ما يشير إلى اختلاف كبير في اللهجة القطرية تجاه الإسلاميين، مقارنةً بموقفها من مصر سابقاً، عندما أطاح السيسي الإخوان المسلمين. كل هذه المواقف دفعت “حركة النهضة” للرد ببيان حذرت فيه من “خطورة خطابات العنف والتشفّي والإقصاء على النسيج الاجتماعي الوطني وما يفتحه من ويلات البلاد في غنى عنه”. ويرى الكاتب والمحلل السياسي التونسي نزار الجليدي، في حديث الى “النهار العربي”، أن “هناك تفعيلاً حقيقياً للعلاقات الدبلوماسية التونسية في الفترة الأخيرة، باعتبار أن الدستور التونسي يسمح للرئيس بالعمل الكبير بالدبلوماسية بصفة عامة، والرئيس سعيّد فعل من خلال زياراته للجزائر ومصر هذه الدبلوماسية، وكان هناك دعم استراتيجي كبير جداً من هذين البلدين، وأيضاً دعم خليجي سعودي خلال جائحة كورونا، ودعم دبلوماسي كبير لاجتثاث الإخوان. فالسعودية في قلب مشروع تونس الحديثة الجديد، وتدعم مباشرة الرئيس سعيّد سياسياً ومادياً، باعتبار أن الهدف واحد، بخاصة أمام مشروع دولة الإخوان ودولة التمكين في تركيا 2028، الذي يراد منه أن تكون تونس عاصمةً لدولة الإخوان مع طرابلس”، مضيفاَ أن “هذا الدعم من الدول المذكورة سيستمر في الأيام المقبلة”. في المقابل، يشرح الكاتب السعودي أحمد الناصر لـ”النهار العربي” أن “تقديم السعودية أي دعم للحكومة التونسية كان في إطار طبي واقتصادي، أما من الناحية السياسية فالمملكة تنظر إلى استقرار تونس السياسي، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول، فهي داعمة لقرارات الشعوب ولأمن المنطقة واستقرارها، وهو ما جاء على لسان وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان من أن الرياض حريصة على أمن تونس واستقرارها ودعم كل ما من شأنه تحقيق ذلك”.نهاية الإسلام السياسي في المنطقة اختلف خطاب “الإخوان المسلمين” جوهرياً من خلال تصريحاتهم ومقترحاتهم السياسية، ما بين الخطاب الموجه الى الجمهور الغربي، والخطاب الموجه الى جمهورهم باللغة العربية، في ازدواجية باتت إحدى سمات المشروع السياسي الديني في المنطقة. وإن كان إقصاء مرسي عن الحكم في مصر يعتبر بداية نهاية مشروع الإسلام السياسي في المنطقة، حيث تبعثرت الحركة في قطر وتركيا بالدرجة الأولى مبتعدة عن “مركزها الرئيسي”، فإن تخلخل الموقف التركي والقطري أخيراً وتعرض الإخوان للإقصاء من الحياة السياسية من قبل أنقرة، والإيعاز بإيقاف العديد من البرامج وتغيير الخطاب الإعلامي، وتبدّل اللهجة القطرية تجاه الإخوان بعد قمة العلا، كلها مؤشرات تثبت الفرضية التي ذهبنا إليها منذ البداية. أما اليوم فتونس هي آخر معاقل الإخوان على الأقل سياسياً، بحسب الجليدي “فالإخوان انتهوا في تونس سياسياً، وبذلك تخلص العالم العربي من هذه المصيبة، أما الذراع المسلحة للإخوان فما زالت في ليبيا، خاصةً في طرابلس وما جاورها”. وحول الدعم القطري والتركي للإخوان يقول الجليدي إن “حركة النهضة تعلم جيداً أن هذا التحالف القطري التركي لم يعد صالحاً، باعتبار أن قطر لم تلبّ حاجة الإخوان في هذه الفترة بممارسة الضغط على الرئيس سعيّد، خشية أن يؤدي ذلك إلى ترحيل راشد الغنوشي على الأقل إلى الدوحة أو الى تركيا أو الى بريطانيا، ويبدو أن قطر وتركيا لن تدعما حركة النهضة في هذه الفترة ولن تستطيعا بسط نفوذهما مرة أخرى”. وبرأي الناصر، فإن “حرب جماعات الإسلام السياسي سيستمر لمدة طويلة، وستكون هناك مفاوضات واتفاقيات لحل هذه الجماعات بطريقة سلمية، وإن لم تكن سلمية سيكون هناك تدخل عسكري. وبعد تشكيل المملكة للاتحاد الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب حدث الكثير من التقهقر في جماعات الإسلام السياسي”.ويضيف الناصر: “نحتاج حرباً فكرية أكثر من الحرب العسكرية، كذلك تصحيحاً للمفاهيم ومراجعة فقهية لبعض الأمور الخاصة والتي تدرس في المعاهد الدينية والجامعات الكبيرة”. ويستبعد الناصر في الوقت ذاته أن “يؤدي الموقف القطري الرافض لخطوات الرئيس سعيّد إلى عودة الانقسام الخليجي، قد يكون هناك تحفظ من الرباعية العربية عن هذا الدعم، لكن لن يؤثر في ما تم الاتفاق عليه في قمة العلا”. منذ تولى قيس سعيد الرئاسة بعد انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) 2019 وصراعه على الصلاحيات مع زعيم “حركة النهضة” راشد الغنوشي، تحرص الدول الإقليمية الفاعلة، وعلى رأسها دول الخليج على مراقبة التطورات في تونس عن كثب، أي أن الموقف الخليجي كان حاضراً قبل إجراءات سعيّد، التي أفضت إلى قرارات مفاجئة، ووصفها البعض بأنها انقلاب على الديموقراطية، فيما لم يقتصر تفكير التونسيين اليوم على إجراءات سعيّد، لتصبح أولويتهم إخراج البلاد من الأزمات التي تمر بها، وعلى رأسها الأزمة الصحية نتيجة تفشي فيروس كورونا، والأزمة الاقتصادية الخانقة، التي تضيف لهم صعوبات معيشية ضخمة.