رسائل متعددة: تداعيات استراتيجية ترامب الجديدة تجاه إيران

1

 

محمد محسن أبو النور

ألقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خطابه حول خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) في الـ 13 من أكتوبر 2017، محددا من خلاله ما توصف بأنها “استراتيجيته الجديدة تجاه إيران”. ولئن كان الخطاب موجها في الأساس إلى إيران، فإنه حمل في مضامينه عددا من الرسائل المتعددة إلى القوى الدولية العظمى (روسيا والصين)، والشركاء الأوروبيين (ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا)، والحلفاء في منطقة الخليج (المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومملكة البحرين)، خاصة أن كلا من تلك الأطراف كان له ردّات فعل حول تلك الاستراتيجية.
محددات مسبقة:
بنى الرئيس ترامب استراتيجيته على عدد من الاعتبارات، منها اتساقه مع أيديولوجيته السياسية التي كان سبق أن أعلن عنها غير مرة، خاصة في فترة حملته الانتخابية الرئاسية، تلك التي صعدت به إلى قمة السلطة في البيت الأبيض، فضلا عن الموقف الدولي الموحد تجاه التجارب الصاروخية الباليستية، لاسيما أن حلفاء إيران الأوروبيين بالكامل طالبوها بالكف عن تطوير قوات الجوـ فضاء التابعة لمؤسسة الحرس الثوري، ومنظومة الصواريخ الباليستية، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، إلى جانب اعتراضه في الأساس على ما يعرف بـ”بند الغروب” الذي يتيح لإيران إعادة الأنشطة النووية تدريجيا بعد عشر سنوات من توقيع الاتفاق، أي في عام 2025.
وعليه، يمكن القول إن العناصر الأساسية للاستراتيجية الجديدة للرئيس الأمريكي حول إيران ارتكزت حول:
– تحييد التأثير المزعزع للاستقرار للحكومة الإيرانية، وكذلك تقييد عدوانيتها، ولاسيما دعمها للإرهاب والمسلحين.
– إعادة تنشيط تحالفات واشنطن التقليدية، وشراكاتها الإقليمية كمصدٍ ضد التخريب الإيراني، واستعادة أكبر لاستقرار توازن القوى في المنطقة.
– العمل على حرمان النظام الإيراني، ولاسيما فيلق الحرس الثوري الإسلامي، من تمويل أنشطته الخبيثة، ومعارضة أنشطة الحرس الثوري الإيراني الذي يبدد ثروة الشعب الإيرانى.
– مواجهة تهديدات الصواريخ الباليستية والأسلحة غير المتماثلة الأخرى الموجهة ضد الولايات المتحدة وحلفائها.
– حشد المجتمع الدولي لإدانة الانتهاكات الجسيمة للحرس الثوري الإسلامي لحقوق الإنسان، واحتجازه غير العادل للمواطنين الأمريكيين وغيرهم من الأجانب بتهم زائفة.
– حرمان النظام الإيراني من جميع المسارات المؤدية إلى سلاح نووي، وتأكيد التزام الولايات المتحدة الأمريكية بالحيلولة دون امتلاك إيران سلاحا نوويا.

تباين دولى:
قبل إعلان الرئيس ترامب استراتيجيته بخصوص إيران، أكدت روسيا موقفها الصلب الداعم لإيران في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. وأعرب وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، عن أمل بلاده فى أن يكون القرار النهائي للرئيس الأمريكي، بشأن الصفقة النووية مع إيران، متزنا. وقال لافروف: “نأمل أن يكون القرار النهائي الذي سيتخذه الرئيس الأمريكي متزنا، وأن ينطلق من الوقائع الحالية، إنها كالتالي: هذا البرنامج مطلوب جدا جدا”. وقبيل الخطاب، استدعت الخارجية الروسية القائم بأعمال السفير الأمريكي في موسكو، وأبلغته رفضها الكامل لخرق الاتفاق.
وبعد إعلان الاستراتيجية، أعلنت روسيا عن طريق وزارة خارجيتها تشديدها على تمسكها باتفاق إيران النووي، داعية جميع الأطراف إلى الالتزام بهذا الاتفاق، وأكدت أن استخدام “لغة التهديد” في العلاقات الدولية أمر غير مقبول، ومن مخلفات الماضي، ولا يتفق مع مبادئ الحوار الحضاري بين الدول.
كما أجرى مستشار الدولة الصيني يانغ جيشي، وهو أرفع مسئول في الدبلوماسية الصينية، اتصالا هاتفيا مع وزير الخارجية الأمريكي ريكس تليرسون، مطالبا الولايات المتحدة الأمريكية بالحفاظ على الاتفاق النووى. ونقلت وكالة الأنباء الصينية الرسمية “شينخوا” عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هيوا تشونينغ قولها: “نعتقد أن هذا الاتفاق مهم لضمان نظام عدم انتشار الأسلحة النووية في العالم، ونأمل أن تواصل كل الجهات الحفاظ عليه وتطبيقه”.
أوروبيا، أجمعت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، ومفوضة السياسة الخارجية بالاتحاد، فيديريكا موجيرينى، على التزام إيران بمخرجات خطة العمل الشاملة المشتركة. وذكرت موجيريني أنه “ليس بيد أي دولة في العالم أن تنهي الاتفاق النووي الإيراني”، مؤكدة ضرورة الحفاظ على هذا الاتفاق بشكل جماعى. كما حذر زعماء بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، في بيان مشترك، الولايات المتحدة من اتخاذ قرارات يمكن أن تضر بالاتفاق النووي الإيرانى.
على جانب آخر، أيدت دول الرباعي العربي في بيانات متتالية استراتيجية ترامب الجديدة تجاه إيران. وأصدرت المملكة العربية السعودية، والبحرين، والإمارات، ومصر بيانات تشيد بالاستراتيجية وتدعمها، مما يعني أن هناك تباينا في تلقي دول العالم تلك الاستراتيجية، كل من حيث سابق خبرته في التعامل المباشر مع إيران.

رسائل متعددة:
قامت استراتييجة ترامب على محاولة تقويض الدور الإيراني في الإقليم، والحد من انخراط إيران في الأزمات الدولية، تلك التي تعتمل فيها أيضا روسيا، إلى جانب عدد من القوى الأوروبية، ولذلك أشار صراحة إلى دعم إيران لنظام بشار الأسد، وتمويل الانقلاب الحوثي في اليمن، وتمويل حزب الله، مما يعني بعبارة أخرى أنه أراد تفتيت المشاريع الدولية المتباينة، وتذكير الجميع بأن إيران وإن كانت حليفا في جانب، فإنها “عدوة” في جوانب سائلة أخرى، وعلى رأسها الأزمة السورية.
ولأن روسيا تدعم نظام الأسد، بينما تناهض أوروبا هذا النظام، فإن ترامب أراد القول إن تلك الدول التي أجمعت على رفض معاقبة إيران إزاء سلوكها الإقليمي هي الدول ذاتها التي ترفض ما يوصف بـ”مغامرات” طهران في العراق، واليمن، وسوريا، ولبنان.
الرئيس الأمريكي ذكّر شركاءه الأوروبيين ضمنيا بأن المكاسب الاقتصادية المرحلية التي تسعى إليها أوروبا من علاقتها مع إيران لا يمكن أن تكون بديلا لضرورة إلزام إيران بواجباتها في حفظ الأمن والسلم الدوليين، وهي بنود وردت في الملاحق غير المعلنة من خطة العمل الشاملة المشتركة التى تم التوصل إليها في فيينا نهار الرابع عشر من يوليو عام 2015.
عربيا، جدد الرئيس الأمريكي، من خلال تلك الاستراتيجية، التزامه بالمشاركة في الأمن الخليجي والعربى، مجددا اتساقه مع البيان الختامي للقمة العربية ـ الإسلامية ـ الأمريكية التي انعقدت في الرياض يوم 21 مايو الماضى، أي أن ترامب أراد القول لحلفائه العرب إن واشنطن في ظل إدارته لا تزال ملتزمة بالتصدي لمواقف النظام الإيراني العدائية، واستمرار تدخلاته في شئون الدول الداخلية، ورفض ممارساته ودعمه للإرهاب والتطرف.
لقد تعددت الرسائل وردات الفعل حول “استراتيجية ترامب الجديدة تجاه إيران” نظرا لتعدد المستويات التحليلية، وتعدد الخلفيات التاريخية لدى كل الأطراف مع إيران. وفي ذلك، يقول عالم السياسة الأمريكي روبرت دال إن “الناس يفسرون المجردات كلٌ على قدر خبرته”، وهو ما ينطبق تماما على الحالة الإيرانية، لأن إيران ليس لها حدود مشتركة مع أي من القوى العظمى، أو أوروبا، ولم تدخل في صراعات عسكرية أو أيديولوجية مع أي من تلك القوى، لكنها وعلى الرغم من ذلك لها تاريخ طويل مع ما يعرف بـ”صراع الحدود والوجود” مع الدول العربية. وهي بحكم الأمر الواقع تسيطر منذ سنوات طويلة على أراض عربية لا يمكن أن تشكل عروبتها محلا للجدل، بما في ذلك الأراضي الأحوازية، والجزر الإماراتية، وأجزاء كبيرة من شط العرب. وعليه، فإنه من المنطقي أن تكون مواقف الدول العربية متباينة عن مواقف القوى دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بالإضافة إلى ألمانيا، من استراتيجية ترامب الحازمة تجاه إيران؛ لأنها وإن بدت غير فعالة، فإنها ستجبر إيران على تعديل سياساتها الخارجية بحيث تحفظ ماء وجه القوى التي دعمتها في المقام الأول.

التعليقات معطلة.