ياسين بودهان
“الربيع الأمازيغي” أو كما يطلق عليه باللغة الأمازيغية (فقسوت أمازيغ) هو عنوان لمواجهات اندلعت بين قوات الأمن الجزائرية، وبين الطلبة ونشطاء الحركة الأمازيغية بولاية تيزي وزوو.
وقد جاءت تلك الاحتجاجات على إثر منع السلطات الجزائرية في العاشر مارس/ أذار 1980 الروائي والأديب مولود معمري من إلقاء محاضرة في الشعر الأمازيغي القديم بجامعة حسناؤه في مدينة تيزي وزوو، حيث خرج العشرات في شوارع المدينة في مظاهرات منددة بالقرار، وجابت المسيرات شوارع المدينة، رفع خلالها المتظاهرون شعارات منددة بقرار المنع، وبالمطالبة باحترام الثقافة الأمازيغية، باعتبارها موروثا شعبيا.
وقد كان تعامل السلطات مع تلك الاحتجاجات قويا وحاسما، حيث قامت باعتقال العديد من المتظاهرين، كما قامت باقتحام حرم الجامعة لإجهاضها.
ولطالما عبّر هؤلاء الذين يشكلون جزءا هاما من النسيج الاجتماعي للجزائر، عن امتعاضهم من التهميش الذي يطال لغتهم وثقافتهم، خاصة بعد أن لجأت الحكومة الجزائرية إلى تبني سياسة التعريب، بعد استقلال الجزائر عن فرنسا في عام 1962. وكجزء من عملية التعريب هذه، عمدت الحكومة الجزائرية إلى تثبيط وقمع مختلف جوانب الهوية البربرية، بما في ذلك اللغة البربرية.
سياسة الإقصاء والتهميش دفعت ببعض الكتّاب والصحافيين والأكاديميين والمفكرين الأمازيغ إلى تأسيس جمعية ثقافية تحت اسم الأكاديمية البربرية عام 1966 والتي أطلق عليها التجمع الأمازيغي لاحقا. وكانت تلك الجمعية الثقافية معنية بالدرجة الأولى بتطوير وحماية التراث والفكر الأمازيغي، حيث ساهمت في فتح نقاشات عميقة حول الهوية واللغة الأمازيغية داخل وخارج الجزائر.
كما ساهمت في تحويل القضية الأمازيغية إلى قضية ذات بعد شعبي، بعد أن كانت قضية نخبوية بامتياز.
ساهم حراك الأمازيغ في كسر حاجز الخوف الذي كانت تمارسه السلطة آنذاك على الشعب وأدى بشكل غير مباشر إلى احتجاجات دموية غير عادية اندلعت في تشرين الأول / أكتوبر 1988، عندما طالب المتظاهرون بإصلاحات اقتصادية استجابة للازمة الاقتصادية المتزايدة.
وردا على الغضب الشعبي ضد الحملة القمعية التي شنتها الحكومة ضد المتظاهرين، الذين هم اغلبهم من الشباب، أعلن الرئيس الشاذلي بن جديد برنامجا للإصلاح السياسي، يسمح بالتعددية السياسية للمرة الأولى منذ عام 1962. ومع ذلك، استمر قمع الدولة للمجتمع الأمازيغي.
وفي عام 1990 شهدت منطقة القبائل أو الأمازيغ إضراب واسع حيث امتنع فيه السكان الأمازيغ عن إرسال أبنائهم للمدارس ما تسبب في إلغاء العام الدراسي، الأمر الذي أجبر السلطة على تلبية مطلب تدريس اللغة الأمازيغية في المدارس التي توجد بالمدن ذات الأغلبية الأمازيغية، ويعتبر هذا الإنجاز أول انتصار للحركة الأمازيغية بالجزائر.
لكن الحراك المطلبي لم يخمد، وعاد أكثر شراسة وقوة فيما سمي بــ “الربيع الأسود”، وهي مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوى الأمن استمرت لأشهر بمدينة تيزي وزوو، اصفرت عن مقتل 120 متظاهرا بعد مقتل أحد الطلاب المتظاهرين في افري/نيسان 2001 داخل مقر الدرك الوطني.
الأحداث السابقة كانت سببا في ظهور حركة العروش التي أجبرت السلطة على فتح حوار معها، من خلال طرح لائحة مطلبية سمت بـ “أرضية القصر ” طالبت فيها الحركة بضرورة اعتبار اللغة الأمازيغية لغة وطنية، مع سحب قوات الدرك من منطقة القبائل، وانتهى الحوار بإصدار الرئيس بوتفليقة مرسوما رئاسيا في مارس/آذار 2003 يدرج اللغة الأمازيغية كلغة وطنية في الدستور. ورغم الإنجازات والمكاسب التي تحققت لأمازيغ الجزائر، إلا أن أهم إنجاز هو اعتماد لغتهم كلغة وطنية ورسمية ضمن آخر تعديل دستورى صادق عليه البرلمان الجزائري في 7 فيفري/فبراير 2016.
والآن وبعد مرور سبعة وثلاثون عاما من النضال والكفاح في سبيل المطالب الأمازيغية، يتساءل البعض هل قرار دسترة الأمازيغية يعتبر نقطة النهاية للحركة المطلبية؟، أم أن هذا القرار هو خطوة في الألف ميل؟
وكانت استجابة السلطة لمطالب الشارع الأمازيغي تتم دون عرضها على الاستفتاء الشعبي. ومع ذلك، فإن دمج اللغة الأمازيغية في نسيج المجتمع يتطلب آليات للتنفيذ من أجل إحداث تغيير حقيقي، ولم يتم إصدار مثل هذه الآليات أو القوانين بعد. على سبيل المثال، كانت السلطات قد وعدت سابقا بإنشاء أكاديمية متخصصة في اللغة البربرية – ولكن ذلك لم يحدث على ارض الواقع.
ولأن الثقافة الأمازيغية وهويتها غير مرتبطة فقط باللغة، بل مرتبطة بعادات وتقاليد وتراث مادي عريق، فإن مسألة الحفاظ على هذا الموروث وإيجاد آليات لاستغلاله والحفاظ عليه أمر في غاية الأهمية، لأنه يمنح للأمازيغ شعورا بانتمائهم، والحفاظ على هويتهم، وسيؤدى بالضرورة إلى تجنب المزيد من الاشتباكات.
كما يجب التذكير أن الأمازيغية ليست مقتصرة فقط في تراث ولغة منطقة القبائل الكبرى، وبشكل خاصة في مدينتي تيزي وزوو وبجاية، بل هناك أمازيغ في عمق الصحراء الجزائر يمثلون نسيجا أصيلا وعميقا في المجتمع الجزائري، يجب الالتفات إليهم والاهتمام بهم، وإبراز موروثهم الثقافي واللغوي الزاخر.