إعلام
إعلام 2022: ستة اتجاهات تُكرس تحولاً تاريخياً
الاثنين – 23 جمادى الأولى 1443 هـ – 27 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [15735]
لا يمثل عام 2022 في حد ذاته نقلة موضوعية في مسار صناعة الإعلام العالمي، بل فيه ستتواصل التغيرات والتطورات المتسارعة في عالم تلك الصناعة ذات التأثير المتصاعد، ومع ذلك فيمكن القول إن العام المُنتظر سيُكرس تحولاً تاريخياً في هذا الإطار.
وعلى عكس أعوام كثيرة خلت، فإن الاتجاه الأول الذي سيُكرسه 2022 يمكن أن يتمحور حول تجربة «التركيز على المُستخدم». وفي هذا العنوان ذاته تكمن مفارقة استبدال مصطلح «المُستخدم» بالمصطلح التقليدي الشهير الذي راج لعقود؛ أي «الجمهور»، وهو ما يوضح الصورة الراهنة والمستقبلية في آن لهدف الصناعة الأول؛ وهو هدف يتحول فيه «الزبون» من مجرد متلقٍّ للمحتوى الإعلامي إلى جزء من آليات صناعته، وتطويره، ومستهلك فاعل يحدد إلى أقصى درجة ممكنة طبيعة المُنتج الذي يحصل عليه.
سيكون المُنتج الإعلامي في 2022 في معظمه تعبيراً عن ذائقة المستخدم واهتماماته؛ وستسهم تقنيات قياس الأثر، التي تُفصل طبيعة التعرض للمادة الإعلامية، في تحديد ما يرغب فيه «الزبون» وما يرغب عنه، وستتغير السياسة التحريرية رويداً رويداً لمقابلة نزعات المستخدمين، وهو أمر قد يُفقد أصحاب الأسماء العريقة من المؤسسات صاحبة الصيت بعضاً من ملامح شخصياتها وركائز هوياتها.
ويحمل الاتجاه الثاني لإعلام 2022 خبراً طيباً؛ فقد ضربت الجائحة «كوفيد – 19» صناعة الإعلام في صورتها التقليدية ضربات موجعة، لكنها مع ذلك رفدتها بعامل مهم للنجاة والاستدامة، وهو العامل الذي يكمن في تغيير آليات عملها لتصبح أكثر قابلية للعمل عن بُعد، أو من خلال مسار عمل هجين بين العمل الميداني والعمل خلف أجهزة الكومبيوتر ومن خلال الهواتف الذكية. لقد اختبرنا مسار عمل جديداً، تعمل خلاله فرق التحرير عبر تطبيقات معروفة أو تم تطويرها للتوّ، فإذا بعملية الإنتاج تنتظم، والمحتوى يزدهر ويصل بسلاسة إلى المتلقين من دون حاجة إلى زيارة المكاتب.
ويندرج الاتجاه الثالث ضمن طائفة الأخبار الجيدة أيضاً؛ وفي هذا الاتجاه نعرف أن المؤسسات الإعلامية وجدت طريقة فعالة لتنويع مصادر دخلها، مستفيدة من تجليات «الإنترنت»؛ فراحت وسائل عديدة تبتكر نماذج أعمال تقوم على فكرة بيع المحتوى الحصري، حتى لو كان إخبارياً و-أو جاداً، وتم إحراز تقدم في أسلوب الاعتماد على الاشتراكات، والانخراط في تسهيل أنشطة التجارة الإلكترونية التي تعود بعوائد مُعتبرة، فضلاً عن الاستمرار في الحصول على عوائد الإعلانات الرقمية التي لا تتوقف عن الارتفاع.
ويتعلق الاتجاه الرابع بسياسة صارمة سيلتزمها صُناع المحتوى حيال شركات التكنولوجيا العملاقة المشغِّلة لمواقع «التواصل الاجتماعي» ومحركات البحث الشهيرة. وبعد سنوات طويلة من ترك الحبل على الغارب لتلك الشركات لاستغلال المحتوى المُنتج بواسطة إعلاميين محترفين يعملون في مؤسسات صحافية وتقديمه للجمهور وجني عوائد ضخمة بسببه، سيكون لزاماً على تلك الشركات دفع مقابل مناسب لقاء ما يحصلون عليه من محتوى.
سيؤدي ذلك إلى معالجة الخلل الكبير الذي ضرب الصناعة في السنوات الخمس الماضية، والذي أدى إلى تضاؤل مدخلات المؤسسات الإعلامية في مقابل ازدهار أرباح وسائط «التواصل الاجتماعي» القياسية.
لقد تم ضخ الكثير من الاستثمارات في تطوير آليات الذكاء الصناعي وتطويعها لخدمة الإنتاج الإعلامي خلال العقد الفائت، ويمكن القول إن تلك الآليات نضجت تماماً في مستهل العام الجديد وباتت قادرة على أن تنهض بجزء أساسي من آليات عملة الإنتاج.
وسيكون الاتجاه الخامس في صناعة الإعلام في 2022 متركزاً في الدور المتصاعد لتلك الآليات سواء في تجهيز المُنتج أو بثه وتوزيعه، وهو أمر قد يحدّ من فرص العمل البشرية في القطاع، لكنه مع ذلك سيُكسب الصناعة قدراً أكبر من الحيوية والجدة وكثافة الإنتاج، خصوصاً فيما يتعلق بمعالجة البيانات الضخمة والقدرة على مواكبة الأحداث وتنظيم الوقائع افتراضياً.
وكما يتضح من هذا العرض، فإن التطورات ذات الطبيعة التقنية والإجرائية تبدو في صورة المُهيمن على مستقبل الصناعة بما تشهده من تحولات وأنماط عمل جديدة، ومع ذلك فإن الاتجاه السادس الذي سيشهد تكريساً في القطاع خلال عام 2022 سيتركز في محاولة الإجابة عن أسئلة الثقة، والدقة، والموضوعية، ومقابلة تحديات الأخبار الزائفة، والنزعات الشعبوية، وخطابات الكراهية، والتضييق على الحريات.
وتفيد المؤشرات الراهنة بأن عام 2022 سيكون اختباراً حاسماً لقدرة صناعة الإعلام على الانتظام في مسار يعزز مستويات الثقة والموضوعية ويقاوم نزعات التزييف والكراهية والإسراف في التلاعب بأولويات الجمهور.
2022: ستة اتجاهات تُكرس تحولاً تاريخياً
الاثنين – 23 جمادى الأولى 1443 هـ – 27 ديسمبر 2021 مـ رقم العدد [15735]
لا يمثل عام 2022 في حد ذاته نقلة موضوعية في مسار صناعة الإعلام العالمي، بل فيه ستتواصل التغيرات والتطورات المتسارعة في عالم تلك الصناعة ذات التأثير المتصاعد، ومع ذلك فيمكن القول إن العام المُنتظر سيُكرس تحولاً تاريخياً في هذا الإطار.
وعلى عكس أعوام كثيرة خلت، فإن الاتجاه الأول الذي سيُكرسه 2022 يمكن أن يتمحور حول تجربة «التركيز على المُستخدم». وفي هذا العنوان ذاته تكمن مفارقة استبدال مصطلح «المُستخدم» بالمصطلح التقليدي الشهير الذي راج لعقود؛ أي «الجمهور»، وهو ما يوضح الصورة الراهنة والمستقبلية في آن لهدف الصناعة الأول؛ وهو هدف يتحول فيه «الزبون» من مجرد متلقٍّ للمحتوى الإعلامي إلى جزء من آليات صناعته، وتطويره، ومستهلك فاعل يحدد إلى أقصى درجة ممكنة طبيعة المُنتج الذي يحصل عليه.
سيكون المُنتج الإعلامي في 2022 في معظمه تعبيراً عن ذائقة المستخدم واهتماماته؛ وستسهم تقنيات قياس الأثر، التي تُفصل طبيعة التعرض للمادة الإعلامية، في تحديد ما يرغب فيه «الزبون» وما يرغب عنه، وستتغير السياسة التحريرية رويداً رويداً لمقابلة نزعات المستخدمين، وهو أمر قد يُفقد أصحاب الأسماء العريقة من المؤسسات صاحبة الصيت بعضاً من ملامح شخصياتها وركائز هوياتها.
ويحمل الاتجاه الثاني لإعلام 2022 خبراً طيباً؛ فقد ضربت الجائحة «كوفيد – 19» صناعة الإعلام في صورتها التقليدية ضربات موجعة، لكنها مع ذلك رفدتها بعامل مهم للنجاة والاستدامة، وهو العامل الذي يكمن في تغيير آليات عملها لتصبح أكثر قابلية للعمل عن بُعد، أو من خلال مسار عمل هجين بين العمل الميداني والعمل خلف أجهزة الكومبيوتر ومن خلال الهواتف الذكية. لقد اختبرنا مسار عمل جديداً، تعمل خلاله فرق التحرير عبر تطبيقات معروفة أو تم تطويرها للتوّ، فإذا بعملية الإنتاج تنتظم، والمحتوى يزدهر ويصل بسلاسة إلى المتلقين من دون حاجة إلى زيارة المكاتب.
ويندرج الاتجاه الثالث ضمن طائفة الأخبار الجيدة أيضاً؛ وفي هذا الاتجاه نعرف أن المؤسسات الإعلامية وجدت طريقة فعالة لتنويع مصادر دخلها، مستفيدة من تجليات «الإنترنت»؛ فراحت وسائل عديدة تبتكر نماذج أعمال تقوم على فكرة بيع المحتوى الحصري، حتى لو كان إخبارياً و-أو جاداً، وتم إحراز تقدم في أسلوب الاعتماد على الاشتراكات، والانخراط في تسهيل أنشطة التجارة الإلكترونية التي تعود بعوائد مُعتبرة، فضلاً عن الاستمرار في الحصول على عوائد الإعلانات الرقمية التي لا تتوقف عن الارتفاع.
ويتعلق الاتجاه الرابع بسياسة صارمة سيلتزمها صُناع المحتوى حيال شركات التكنولوجيا العملاقة المشغِّلة لمواقع «التواصل الاجتماعي» ومحركات البحث الشهيرة. وبعد سنوات طويلة من ترك الحبل على الغارب لتلك الشركات لاستغلال المحتوى المُنتج بواسطة إعلاميين محترفين يعملون في مؤسسات صحافية وتقديمه للجمهور وجني عوائد ضخمة بسببه، سيكون لزاماً على تلك الشركات دفع مقابل مناسب لقاء ما يحصلون عليه من محتوى.
سيؤدي ذلك إلى معالجة الخلل الكبير الذي ضرب الصناعة في السنوات الخمس الماضية، والذي أدى إلى تضاؤل مدخلات المؤسسات الإعلامية في مقابل ازدهار أرباح وسائط «التواصل الاجتماعي» القياسية.
لقد تم ضخ الكثير من الاستثمارات في تطوير آليات الذكاء الصناعي وتطويعها لخدمة الإنتاج الإعلامي خلال العقد الفائت، ويمكن القول إن تلك الآليات نضجت تماماً في مستهل العام الجديد وباتت قادرة على أن تنهض بجزء أساسي من آليات عملة الإنتاج.
وسيكون الاتجاه الخامس في صناعة الإعلام في 2022 متركزاً في الدور المتصاعد لتلك الآليات سواء في تجهيز المُنتج أو بثه وتوزيعه، وهو أمر قد يحدّ من فرص العمل البشرية في القطاع، لكنه مع ذلك سيُكسب الصناعة قدراً أكبر من الحيوية والجدة وكثافة الإنتاج، خصوصاً فيما يتعلق بمعالجة البيانات الضخمة والقدرة على مواكبة الأحداث وتنظيم الوقائع افتراضياً.
وكما يتضح من هذا العرض، فإن التطورات ذات الطبيعة التقنية والإجرائية تبدو في صورة المُهيمن على مستقبل الصناعة بما تشهده من تحولات وأنماط عمل جديدة، ومع ذلك فإن الاتجاه السادس الذي سيشهد تكريساً في القطاع خلال عام 2022 سيتركز في محاولة الإجابة عن أسئلة الثقة، والدقة، والموضوعية، ومقابلة تحديات الأخبار الزائفة، والنزعات الشعبوية، وخطابات الكراهية، والتضييق على الحريات.
وتفيد المؤشرات الراهنة بأن عام 2022 سيكون اختباراً حاسماً لقدرة صناعة الإعلام على الانتظام في مسار يعزز مستويات الثقة والموضوعية ويقاوم نزعات التزييف والكراهية والإسراف في التلاعب بأولويات الجمهور.