الاقتصاد العراقي: المصالح الحزبية على حساب الإنجازات
الاقتصاد العراقي.. المصالح الحزبية على حساب الإنجازات
عام 1967 جلس الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف والرئيس المصري جمال عبد الناصر معًا يتحدثان حول عملية قطع النفط التي لم تكتمل خلال النكسة، لكن عارف قال أمرًا مثيرًا للاهتمام: “سيادة الرئيس، العراق والجزائر وحدهما من قطع النفط، وكان في ذلك ضرر كبير علينا، فالنفط يشكّل 89% من واردات العراق”. الآن، وبعد 54 عامًا، لا يزال النفط يشكّل أكثر من 90% من واردات العراق في موازنته العامة، وهو أمر كفيل برسم صورة عن أي اقتصاد يملكه العراق اليوم.
نظرة على الواقع السياسي وتأثيره على الاقتصاد
ما بعد 2003: عصر الفرص الضائعة
منذ عام 2003 يعيش العراق في دوامة إضاعة الفرص وإهدار الموارد، التي كانت كفيلة بنقله من الاعتماد الكلّي على النفط والارتهان بأسعاره، إلى صناعة اقتصاد رأسمالي قوي يعتمد على الإنتاجية، ويقلِّل الاعتماد على الدولة من قبل القطاعات المختلفة.
بدأت هذه الفرص بالظهور بعد رفع الحصار الاقتصادي على العراق عام 2003، حيث لم تستغلّ الحكومة الجديدة الناشئة الوضع لصناعة جوّ آمن يسمح بالاستثمار ورفع العبء عن القطاع العام، بل بدلًا من ذلك كانت الحكومات المتعاقبة (حكومة إبراهيم الجعفري (2005-2006) وحكومة المالكي الأولى (2006-2010)) شبه منخرطة بالعنف الطائفي، متسبِّبة بتأجيج الأوضاع التي مالت نحو الاستقرار عام 2010، ما يعني أن مصدر الإخفاقات في الحكم يكمن في ضعف وهشاشة النظام السياسي الناجم عن هذه المحاصصة الطائفية والعرقية التي تمَّ تبنيها بعد عام 2003، إضافة إلى قلة الخبرة والإدارة، ويُستثنى من ذلك ربما الحزبَين الكرديَّين اللذين تمتّعا بحكم ذاتي منذ ما بعد حرب الخليج الثانية عام 1992.
تمكّنت الأحزاب الحاكمة من السيطرة على المشهد السياسي عام 2005، وظلت في السلطة حتى يومنا هذا، مع بعض الاختلاف في التأثير على مرّ السنين. على سبيل المثال، كان المجلس الإسلامي الأعلى في المقدمة في انتخابات عام 2006، بعد ذلك سيطرَ ائتلاف دولة القانون على المشهد حتى عام 2014، وفي غضون ذلك سيطرَ التيار الصدري وتحالف فتح بعد انتخابات 2018، بينما في إقليم كردستان يتزعّم الحزبان الحاكمان الرئيسيان منذ عام 1992.
أما الساحة السنّية فقد كانت مسرحًا لتغييرات سياسية دراماتيكية، من مقاطعة الانتخابات الأولى إلى تقسيم التمثيل ثم دخول تنظيم “داعش” إلى المحافظات السنّية وظهور قيادة جديدة. لم يسيطر أي طرف بشكل مستمر على المشهد، ولم يستقر الوضع السنّي في صورة تشبه صورة المجموعتَين الأخريين، الشيعة والأكراد، ووفقًا لتقرير معهد واشنطن للدراسات، تسبّبت هذه الأحزاب في هدر 1.4 تريليون دولار منذ عام 2005.
فترة الاستقرار: 2010-2014
شهدت ولاية نوري المالكي الثانية (2010 -2014) إحدى أضخم الفرص الاقتصادية المتمثلة بصعود أسعار النفط، وتخطّيها حاجز الـ 120 دولار للبرميل الواحد، ولمدة 4 سنوات تجاوزت الموازنات السنوية في العراق حاجز الـ 100 مليار دولار في العراق، وهو ما كان كفيلًا بالتحوُّل الاقتصادي الشامل والتنمية.