عدنان حاج عمر
بعد اقترابنا من الفصل الأخير من القضاء على داعش, و مع تبلور محادثات أستانة أكثر و تحديد مناطق خفض التوتر و مع بروز المشكلة الكردية كقاسم مشترك يتفق عليه معظم القوى الإقليمية في المنطقة كأولوية يجب التصدي لها و في نفس الوقت استعادة الجيش السوري لكثير من المناطق مع استمرار قطار المصالحات في مناطق مختلفة من ريف دمشق و ريف حمص.
كذلك الحديث عن قرب إعادة فتح معبر نصيب مع الأردن كل تلك المقدمات و المعطيات تدعونا للتساؤل أين هي عملية إعادة الإعمار؟ و هل بدأت فعلا بجهود الحكومة السورية و أصدقاؤها و هل يمكن القول بأن معرض دمشق الدولي يعتبر بمثابة قص شريط عملية إعادة الإعمار إضافة إلى تساءلات كثيرة أخرى.
فوفقاً لتقرير “البنك الدولي” الصادر في تموز/يوليو 2017، بعنوان “خسائر الحرب: [التبعات الاقتصادية والاجتماعية للصراع في سوريا]”، فالحرب دمرت أكثر من 20 في المائة من المنازل في سوريا أو أصيبت بأضرار بالغة، كما أن نسبة المدارس، والمستشفيات، والطرق، ومرافق إنتاج النفط والغاز المدمرة أو المتضررة هي أعلى من ذلك. ويُقدّر التقرير أن إزالة 15 مليون طن من الحطام في حلب وحمص وحدهما سوف يستغرق سنوات.
فتقديرات إعادة الإعمار، تؤكد الحاجة إلى ما بين 200 إلى 350 مليار دولار فهل هناك قدرة من الحكومة السورية وروسيا وإيران والدول الراغبة في المشاركة مثل الأردن ولبنان والعراق على تحمل تلك التكلفة ولو أن جزء كبير منه هو استثمار لتلك الدول أم يتطلب تعاوناً دولياً أكبر، لا تشارك فيه المؤسسات الدولية فقط، بل والدول الغنية وخاصة دول الخليج والولايات المتحدة وأوروبا.
فالحكومة السورية وضعت خطتها بما يتناسب مع الإمكانات المتاحة و بنفس الوقت يبدو توجه الحكومة واضح في فتح الباب أمام الدول الصديقة لإعادة الإعمار فبعد عدة تصريحات رسمية من مسؤولين سوريين بأن الباب مفتوح لكل الدول التي لم تنخرط في الحرب على سوريا و لكن هل من شأن ذلك بأن يزيد أمد الصراع مع عدم حصول المعسكر الاخر على أية عقود و عدم إشراكه في إعادة الإعمار و هل أصدقاء الحكومة السورية لديهم القدرة الكافية على الانخراط في تلك العملية بمفردهم أم العملية بحاجة إلى أطراف أخرى.
فهل تلجأ الدول الغربية إلى الورقة الاخيرة للضغط على الحكومة السورية و التي هي ورقة إعادة الإعمار و حاجة سوريا لأموال طائلة لفعل ذلك للحصول على تنازلات سياسية تستطيع الدول الغربية من خلالها الحصول على تأثير في نظام الحكم في المستقبل أو لحفظ ماء وجهها أم أن الحكومة السورية التي تعرضت لضغوط عسكرية أكبر من ذلك سوف لن ترضخ لابتزاز ورقة إعادة الإعمار و أن يتم ذلك فقط من خلال أصدقاء الحكومة السورية.
حيث استطاعت الحكومة السورية و حلفاءها أن تفرض سياسة الأمر الواقع على الجميع و التي أصبح من الواضح بأن من يريد لشركاته أن يكون لهم مكاتب في دمشق فعليه أن يحصل على بطاقة اعتماد من الحكومة السورية
و لكن بنفس الوقت الذي نتحدث فيه عن التوجه فقط لأصدقاء الحكومة ألا تعتبر المشاريع المقدمة من الأمم المتحدة هي مشاركة بطريقة أخرى لباقي أعضاء الأسرة الدولية .
و التي هي بدأت بالفعل ففي المدينة القديمة في حمص، تبرز علامات لإعادة الإعمار ويجري حالياً تنفيذ مشروع بدعم الأمم المتحدة لإصلاح وتأهيل السوق التي تعود إلى القرن الثالث عشر لإحياء التجارة إضافة لأجزاء أخرى من المدينة.
و يتمّ هذا المشروع في ظلّ تعاون بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمجتمع المحلي وممثلين عن قطاع الأعمال ومسؤولين في وزارة الآثار والبلديات. حيث قال المدير القطري لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي صاموئيل رزق: “هذا نموذج شامل وأولي لعملية إعادة إعمار قد تُطبّق على عدة مناطق.”
الحدث الاقتصادي والاجتماعي الأبرز على أرض الشام عاد هذه السنة (2017)، حاملاً قيمة مضافة، بأنه كسر الحصار المفروض على سورية منذ اندلاع الأحداث فيها، وجذب عشرات الدول والشركات، ليكون المفتاح الأول لعودة سورية إلى الجغرافيا الاقتصادية، مؤذناً بنهاية الحرب بتزامنه مع انفراجة في الملف السوري والمأساة التي بدأت ربيع 2011.
مشاركة 43 دولة عربية وعالمية في المعرض، منها 23 دولة شاركت بشكل رسمي عبر سفاراتها، و20 دولة سجلت مشاركات تجارية لها، كمؤشر هام على حدوث تغييرات شبه جذرية في المناخ الاقتصادي إلى جانب السياسي، وفي التعاطي المختلف مع الحكومة السورية، وماتبعه من تصريحات خافتة من الدول الغربية تجاه القيادة في دمشق على عكس ما كانت عليه في الخمس سنوات الماضية، بعد سنوات من التصريحات والسياسات التي تعتبر رأس هرم النظام السياسي في سورية غير شرعي.
حيث تم طرح فرص استثمارية حقيقية من خلال المعرض حيث أبدت شركة (التا) الصناعية التشيكية رغتبها في دخول السوق السورية و كذلك شركة (سوفو كريم) الروسية إضافة إلى أكثر من 45 شركة إيرانية و بعض الشركات الهندية. و لكن علينا أيضا النظر فيما إذا كانت تلك الشركات هي الشركات التي سوف تضطلع في النهاية بعملية إعادة إعمار أم أنها شركات من الصف الثاني و الثالث و ربما الرابع و التي أتت لأهداف سياسية أكثر منها اقتصادية و لكي تدرس المناخ الاستثماري لتمهد الطريق بعدها للشركات الكبرى العابرة للحدود التي سوف يكون لها الحصة الأكبر من عملية إعادة الإعمار.
فهناك مشاريع كبيرة مطروحة للاستثمار كمشروع إنشاء مطار جديد في دمشق و مشروع مرفأ بديل في اللاذقية بطاقة تشغيلية أكبر من المرفأ الحالي و كذلك مشاريع عقارية و صناعية و أخرى سياحية كتلك المعدة لتطوير بناء منتجعات سياحية في جزيرة أرواد القريبة من طرطوس فتلك المشاريع الكبيرة سوف تغري بكل تأكيد الشركات الغربية و الذي من شأنه أن تضغط على حكوماتها حتى تمهد المناخ السياسي لهم ليكون لهم حصة فيها.
فمن خلال كل ما سبق بإمكانن
هل بدأت عجلة إعادة الإعمار في سوريا؟
التعليقات معطلة.