مقالات

من ضرورات التبصر!

 
عادل سعد
 
في الصميم، لو أن بعض منظومات عمل لدينا استعانت بالتوصية التي أطلقها الشاعر الإنجليزي تي سي اليوت، (أسرعوا لم يعد هناك ما يكفي من الوقت)، وتكون عنصر تحذير يمكن أن يعيد لنا قدرا من السرعة وليس التسرع في حسم أمورنا باتجاه تكوين ثقافة طوارئ تضعنا على طريق الحسم حسم أحداث ما زالت تنذرنا بالويل والثبور في جفاف وعواصف وسيول، مع تقلبات حادة في المناخ بين ساعة وأخرى دون أن نملك الخبرة المتطورة للمواجهة.
توصية الشاعر اليوت جاءت ضمن قصيدته الأرض الخراب أو الأرض اليباب التي قال عنها الشاعر الأميركي عزرا باوند إن علينا أن نغلق دكاكين الشعر بعدها، ولا شك أن علينا إغلاق دكاكين القطيعة والطعن والتباهي بالانتظار، بينما تباع الوصفات بشروط القتل والتنكيل والتشفي وإقامة مجالس العزاء في دواوين ما زالت عصية على أدوية الضرورة لاستئصال التهرؤ.
لقد أنذرتنا تقارير بيئية غاية في الدقة عن الزحف الصحراوي، وظلت مؤسسات بحثية تداري الموضوع في ورش، وندوات أضاعت نتائجها في خزائن العمل المؤجل، مع العلم أن لدى سوريا تجربة على درجة من الإنجاز بشهادة خبراء لتقشير الأرض وفلاحتها مجددا، ثم توقف التقشير منذ عام ٢٠١١، وبقية القصة معروفة تتماهى في ساحات وفي فنادق خمس نجوم!
على أي حال ليس هناك أبشع الآن من (اليباب) الذي يضرب بيئتنا في زحف سنوي يصل إلى خمسة كيلومترات مربعة في أغلب الدول العربية، حيث تحاصرنا الرمال المتحركة وكأنها تتناوب الفرص مع الرمال السياسية.
هكذا لمجرد إطلالة على ما يجري في ليبيا وفي اليمن ونسبيا في سوريا، وما تبقى من الرمال السياسية والأمنية في العراق يعطينا الدليل القاطع على أن اليباب يتقاسم المقاعد معنا في الأكاديميات، وفي الحكومات ومؤسسات البحث عندما يكون عملها قائما على التجريب المتكرر وإعادة تصنيع الآراء باتجاهات أخرى تحت ضغط الاختلاطات.
لقد أنذرتنا تقارير طازجة عن عواصف وسيول وفيضانات وأمطار غزيرة استباحت مياهها المدن والقرى والحقول في العراق وفي بلدان عربية أخرى، ولا نملك حتى الآن خططا فاعلة لمواجهة احتمالاتها الأشد، ثم أليس من المحزن أن نكون على مشارف مياه وكفاءات بشرية وكلف مالية متوافرة ونحن في الدول العربية ما زلنا نستورد أكثر من سبعين في المئة من غذائنا الأساسي في بعض البلدان، وأليس من المحزن أيضا، إن لم يكن المقرف أن نستطلع العالم فنجد نزعته المتواصلة إلى التكتلات الاقتصادية بين دول لا يجمعها إلا الأمل في فرص مشتركة، في حين أننا لا نجد بيننا ما يعيننا على قيم التضامن في عمل تنموي مشترك رغم كل العوامل المتاحة أمامنا.
على أي حال، الطريف المر هنا، أن الجزائر والمغرب وتونس وموريتانيا (اجتمعت) واتفقت على تقديم طلب (مشترك) إلى منظمة اليونيسكو بإدراج طبق طعام (الكسكس) ضمن التراث الإنساني، في حين لم تستطع هذه الدول الأربع أن تؤسس لها خطوة مشتركة واحدة أخرى تنتشلها من ذاكرة التفريط بوحدتها، ثم أليس من الطريف المر أن يجهز مواطن فرنسي بعمر السبعين سنة هوجان جاك سافان برميلا بطول ٣ أمتار وعرض مترين فيه كبسولة للنوم ومطبخ صغير وحجرة للخزن، ويبدأ بعبور المحيط الأطلسي من جزيرة كناري قبالة السواحل الإفريقية باتجاه منطقة الكاريبي في أميركا الوسطى، نحن في العراق بحاجة إلى زورق أو زورقين أو ثلاثة بسيطة الصنع تكون جاهزة حتما لإنقاذ مواطنين في قرى حاصرتها مياه السيول.