ثقافيه

فيلم “اترك العالم خلفك” يسعى للصدمة لكنه واقع في السخافة

شريط دراما الكارثة الذي يعرضه “نتفليكس” يستهدف الإثارة عبر موقف قاتم وشائك عن أميركا الحديثة، لكنه يحتاج إلى مهارة أكبر

لويس شيلتون 

الممثل إيثان هوك أدى دور البطولة في فيلم “دعوا العالم وراءكم” (نتفليكس/اندبندنت)

“اترك العالم خلفك” يريد أن يقلقكم. أنتجت الفيلم من شركة “هاير غراوند” التي يملكها باراك وميشيل أوباما، وتدور حوادثه في عالم يتفكك. تبدأ التكنولوجيا بالانهيار، أي الهواتف والكمبيوترات وأجهزة التنقل بمساعدة الأقمار الاصطناعية، مما يثير مخاوف من هجوم سيبراني كارثي. تتابع القصة حياة آل سانفورد التي يرأسها المترفان البالغان منتصف العمر أماندا (جوليا روبرتس) وكلاي (إيثان هوك). وعقب استئجارهما بيتاً ريفياً لقضاء العطل، يقلقان حين يأتي مالك البيت “جي إتش” (ماهرشالا علي) وابنته روث (مايهالا) بحثاً عن ملجأ. وقفز الفيلم بالفعل إلى مرتبة أكثر الأفلام مشاهدة على “نتفليكس” على الرغم من ظهور ردود فعل متباينة حوله، إذ أعطته كلاريس لوفري من “اندبندنت” أربع نجوم، وصنفته “غير بارع لكن جريء”، في حين أعربت “نيويورك تايمز” عن أسفها لـ”الحوار المفرط في الإشارات” الذي ميزه.

يجمع “اترك العالم خلفك” جوانب كثيرة تخص الحياة ما بعد الرأسمالية، على غرار اعتمادنا المفرط على التكنولوجيا، الفراغ المعنوي للنزعة المادية، الاستياء العرقي والطبقي، والأزمة البيئية. إنه مؤثر كفيلم كارثي كبير، إذ تعد مشاهد من نوع ناقلة النفط التي تندفع إلى الشواطئ أو الطائرات التي تقع من السماء، صوراً سينمائية ضخمة تثير رعباً كبيراً، في حين تعتبر اللحظة التي تبدأ فيها أسنان أحد الأشخاص بالتساقط من فمه رعباً جسدياً من الباب الأول. ومن المؤسف بعد ذلك كله، أن الانطباع العام المكون عن “اترك العالم خلفك” ليس التوتر أو التخريب بل نوع من السخافة الفضفاضة وغير المتوقعة.

ووفق ما ترون، يبدو أن فيلم “اترك العالم خلفك” أكثر من تلك المواقف الدقيقة الكبرى والصادمة، إذ كرَّس معظم الفيلم مكرَّس بدلاً من ذلك [المشاهد الضخمة للرعب] لتفاعلات هادئة تسير بدفع من حوار بين الشخصيات، لكن من خلال تلك اللحظات الأكثر ضعفاً، يعاني السيناريو الضعيف (كتب بقلم سام إسماعيل الذي تولى الإخراج أيضاً) باستمرار في مدى القدرة على تحريك الإثارة. ومثلاً، حين يصل “جي أتش” وروث للمرة الأولى إلى البيت، تعبر الشخصية التي تؤديها روبرتس، وهي تركيب عن شخص كاره للبشر مستمد من النموذج الأصلي للسيدة البيضاء المنتمية إلى الطبقة الوسطى، عن مخاوف، لا أساس لها بكل ما للكلمة من معنى، من أن “يتحرش” الدخيل بابنها أرتشي (شارلي إيفانس) خلال الليل. إنها جملة قاتمة وغريبة، وتزعج إيقاع الحوار.

لا تنتهي المحاولة المشكوك فيها لزعزعة المحرمات الاجتماعية- الجنسية عند تلك النقطة. في مرحلة لاحقة من الفيلم، نرى أرتشي يصور من دون براعة كبيرة روث أثناء جلوسها إلى جانب المسبح في مايوه السباحة. وبعد بضعة مشاهد، نراه يمارس العادة السرية تحت أغطية السرير، فيما ينظر إلى الصور في هاتفه. ويصور مشهداً آخر كلاي وروث يدخنان سيجارة حشيشة قرب نار من خشب يحترق في موقد، وفي تلك اللحظة تسأله، من دون سبب على الإطلاق، “هل مارست الجنس يوماً مع إحدى طالباتك؟”. إنه ذلك النوع من طرح نقاش حول المحرمات بهدف إثارة مفارقة غير ملطفة، لكنه عملياً، يثير استغراب المشاهد.

عاصفة من الانتقادات طاولت مشهد اقتحام ناقلة نفط لأحد الشواطئ الرملية الأميركية

عاصفة من الانتقادات طاولت مشهد اقتحام ناقلة نفط لأحد الشواطئ الرملية الأميركية (ديكسترو.كوم)

حتى حين لا يقدم الفيلم الإثارة جنسية، فإنه لا يكون أقل ارتباكاً، إذ تئز الكلمات النابية عبر السيناريو بما يشبه التخلي غير الفني لطفل تعلم للتو كلمة نابية جديدة. وفي الوقت نفسه، تحاول الكاميرا الاعتداء المبكر على عقلانياتنا الحساسة، إذ تصور المشاهد من زوايا غريبة، وكثيراً ما تندفع الكاميرا وتنزلق فوق تلك المشاهد. أحياناً، تبدو المشاهد منتزعة مباشرة من “غرفة الذعر” لديفيد فليتشر الذي استخدم كاميرا رقمية للدوران والتلوي في أرجاء بيت ريفي خانق، لكن من دون وضوح النية وراء ذلك. “لماذا يصور المشهد من أعلى إلى أسفل؟”. “لماذا تدور الغرفة؟”. هذان هما السؤالان اللذان قد تجدون أنفسكم تطرحانهما، في مراحل مختلفة خلال “اترك العالم خلفك”.

واستكمالاً، لعل الأمر المفاجئ أكثر من غيره في هذا الفيلم ونيته المتحفزة لإثارة فضيحة، يتمثل بمشاركة آل أوباما. حين أعلن عام 2018 عن توقيع الرئيس والسيدة الأولى الأميركيان السابقان اتفاقاً بعيد الأجل مع “نتفليكس”، أقول بثقة إننا جميعاً توقعنا أن ينتج الاتفاق نوعاً معيناً من المشاريع من النوع المتميز بأنه مهم وواقعي وربما جاف قليلاً. من المؤكد بما فيه الكفاية أن إنتاج شركة “هاير غراوند” لم يكن مثيراً حتى الآن، إذ أنتجت أفلاماً على غرار فيلم “الأبوة”، وهو كوميديا تراجيدية مستندة إلى الحزن أو شريط “راستن” عن سيرة ناشط في مجال حقوق الإنسان أو فيلم “مهم” الذي تدور حوادثه بعد 11 سبتمبر (أيلول). في المقابل، إن “اترك العالم خلفك”، بميله إلى البذاءة والمحرم، هو فيلم مختلف تماماً.

على الرغم من هذه الشكاوى كلها، ثمة جوانب كثيرة في الفيلم يمكن للمرء أن يحبها، إذ يتميز أداء علي وروبرتس بالقوة، وكذلك الحال بالنسبة إلى أداء هوك، لكنه يقترب أكثر إلى العادي. يبدو الفيلم أحياناً مسلياً، لكنه يكون أحياناً أخرى، عن عمد، مزعجاً حقاً. لعل ذلك كان ليكفي لو أن الفيلم لم يصر على إبراز ما يحتقره. كان على “اترك العالم خلفك” أن يخفف من هذه الغرائز. على الصعيد السينمائي، إنه كارثة كاملة تقل عن جنوح حاملة نفط متوسطة الحجم على الشاطئ. ومع ذلك، لا يسعنا إلا أن نتساءل عما كان ليحدث لو أنها تابعت مسارها. [إشارة سخرية واضحة لأن ناقلة نفط متوسطة الحجم بمقاييس تلك السفن، لا تصل حتى إلى مسافة كبيرة نسبياً من شاطئ رملي، لأنها تحتاج إلى عمق مائي كي تطفو على سطحه].

“اترك العالم خلفك” متوفر للبث عبر “نتفليكس”

© The Independent