مقالات

الإخوان المسلمون: العامل المشترك في معادلات الصراع السياسي وتطوراته في اليمن والمنطقة

 
عبدالله علي الرحبي
– المتابع السياسي لكافة التطورات التي شهدتها الساحة السياسية في اليمن منذ ثورة الربيع اليمني وما تبعها من أحداث إلى يومنا هذا وما سيأتي في المرحلة القادمة ,يجد أن الإخوان المسلمين مثل العامل المشترك في معادلة التوازنات والصراعات السياسية والعسكرية في اليمن والمنطقة , عبر مختلف المراحل التي مرت بها الازمة اليمنية والتي يمكن ابراز اهمها في التالي :
المرحلة الأولى مرحلة نشأة الأزمة :
لعب الاخوان المسلمون الدور الابرز في ما سمي ثورات الربيع العربي , فبرغم أن الشباب العربي – المتطلع لدولة مدنية ديمقراطية حديثه, – هو الحامل لراية الثورات ليس في اليمن وحسب بل في كل دول الربيع العربي , إلا أن تنظيم الإخوان المسلمين هم من مثل الركيزة الاساسية للثورة ,كأبرز تنظيم منظم ,مكنه من ملئ فراغ أحزاب السلطات في مختلف الأنظمة لدول الربيع العربي ,وهو الامر الذي أعطاه الأولوية بالسيطرة المنظمة على كل ساحات التغيير وفرض نفوذه الكمي والكيفي , وتحكم في كل مسارات المشهد ورسم ملامحه وفق أجنداته ,على حساب شريحة الشباب , الذين ادركوا أن ثورتهم قد سرقت منهم ,وسُرق معها حلمهم ومشروع دولتهم الحديثة ,ومثل خيبة أمل, لكنهم ونتيجة غياب مشروع موحد ومنظم فشلو في مواجهة من ركب على خيل ثورتهم ,ولم يستطيعوا مواجهتهم لفارق العدد ومستوى التنظيم ,الامر الذي انتهي بسيطرة قوة تحكمها اجندة إيديولوجية لا تقل سوءً عن الأنظمة الحاكمة الدكتاتورية السابقة, ليتحكم الإخوان بمفاصل النظام وتهميش غيرهم وعلى رأسهم الشباب , وهو ما ادى لردود فعل تطالب بتصحيح مسار الثورة ,دفع الشباب للخروج بثورات مضادة تلقفها قوى خارجية تأمرت على ثورتهم وتحالفت مع قوى تتصدر معظمها الأنظمة السابقة وإن بوجوه اخرى ,وهو ما حصل في مصر بعودة المؤسسة العسكرية للسيطرة على الحكم ,و ما حدث في تونس وسوريا وما يحدث في وليبيا اليوم ,وفي اليمن بعد ان اُدخل المشهد السياسي بمرحلة جديده .
المرحلة الثانية: مرحلة سقوط النظام اليمني بيد حركة انصار الله الإسلامية التي جاءت عقب ثورة 21 سبتمبر المضادة : وفي هذه المرحلة لعب الاخوان المسلمين العامل المشترك الابرز في معادلة الصراع والتناقضات ,إذ مثل الاخوان القوة الابرز في قائمة الاستهداف لأبرز لاعبي السياسة على الساحة اليمنية , استفاد من هذه التناقضات حركة انصار الله بتقديم نفسها القوة الابرز والاكثر قدرة على مواجهة الاخوان ,كتيار يحمل مشروع إيديولوجي اسلامي مخالف لمشروع الاخوان , استطاع انصار الله بذكاء ايهام كل الاطراف المعادية للإخوان انها القوة القادرة على ضرب الاخوان – كعدو ولها معه ثأر قديم ,– وبأنهم حركة ليس لديها مشروع بالسيطرة على السلطة …. وانطلاقا من مقولة تقول ما يكسر الحجر الا اختها , اجمعت كافة القوى المعادية للإخوان الداخلية منها والخارجية على أنصار الله كأبرز أداة لضرب خصم قوي ,فبادرت القوى العشر الراعية للمبادرة الخليجية ومعهم ممثل الامم المتحدة – التي ترسم سياستها القوى العظمى على رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا- بالتباحث مع انصار الله من خلال زيارات مكوكية لزعيم انصار الله في صعدة وإقناعه بضرورة الانخراط في المشهد السياسي كلاعب سياسي بارز وله دور مهم في اليمن , وعملت هذه القوى كل ما بوسعها لتهيئة الساحة لانصار الله والضغط على كل القوى السياسية لإعطائهم دور في الحكومة وفي الحوار الوطني , وسهلت لانصار الله كل العوائق بدأ من دماج بترحيل القوة السلفية -,عبر وساطة رئاسية – من صعدة كمطلب رئيسي لحركة انصار الله وشرط لانخراطها في المخطط الدولي والاقليمي والقيام بالدور المطلوب منهم القيام به في المشهد السياسي اليمني , مرورا بمعسكر القشيبي التابع للفرقة الاولى مدرع بقيادة الجنرال محسن , بوساطة رئاسية انتهت بالقضاء عليه كقوة صد كبيرة امام تحرك انصار الله العسكري تجاه العاصمة صنعاء, وانتهاء بتوجيهات رئاسية للجيش اليمني بعدم اعتراض الزحف العسكري لانصار الله , وهو التحرك الذي لاقى ترحيب من الخارج عنه من القوى الداخلية , والهدف ضرب العدو المشترك للجميع ممثلا بالإخوان المسلمين …فمثل استهدافهم أبرز اهداف القوى المتصارعة في اليمن على رأسهم الرئيس هادي (الذي رأى في الإخوان عائق رئيسي أمام مشروعه الخاص بالسيطرة الكاملة على السلطة, بعد نجاحه في ضرب قوة صالح بعد هيكلية الجيش وما نتج عنه من تمزيق لقوة الحرس الجمهوري التي كان يرى فيه مصدر قوة صالح ومصدر التهديد لسلطته) , وكذا الرئيس صالح (الذي يحتفظ بثأر شخصي من الإخوان لما لعبه الإخوان من دور رئيسي في اسقاط نظامه وإجباره على التخلي عن الحكم وتسليم السلطة لنائبه هادي , هذا بالإضافة لدور الإخوان في مؤمرة استهدافه ومجموعه من ابرز نظامه السياسي بالجريمة الإرهابية بجامع دار الرئاسة كأبرز المتهمين المشاركين في هذه العملية من وجهة نظر صالح ) ,أضف الى ذلك القوى اللبرالية والعلمانية المتطلعة لدولة مدنية ديمقراطية , رأوا في القوى الاسلامية المؤد لجة عائق امام تكوين هذه الدولة خاصة بعد تصدر الاخوان للمشهد السياسي ومثل القوة المنظمة الابرز للفوز بالحكم ليس في اليمن وحسب بل في كل دول الربيع العربي ,كما مثل الاخوان المسلمين في اليمن هدف استراتيجي لدول التحالف العربي الرئيسية ووضعت في قائمة الإرهاب منذ وقت مبكر ,ومثل تحالف الإخوان مع الشرعية الاضطراري لكلاهما عائق أمام التحالف من حسم المعركة في اليمن سياسيا كانت او عسكريا ,خوفا من تصدر الاخوان المشهد السياسي كقوة هي الأبرز
المرحلة الثالثة : وهي مرحلة الزج بأنصار الله في صراع مسلح مع الإخوان المسلمين , اذ عملت السعودية وكل ما سمي بالدول العشر ,وكل القوى الداخلية التي لها مصلحة بدفع الإخوان لمواجهة الحوثيين ,ليم التخلص على كلاهما , إلا أن هذا المخطط فشل ,بتنبه حزب الاصلاح لما يحاك ضدهم ,وما حديث اليدومي لصالح الصماد اثناء حوار موفمبيك بقولة ( يا ابني اعقلوا الداخل والخارج يريدوا أن نقاتل بعض ) الا دليل على ادراك الاصلاح للمؤامرة الخبيثة , وهو ما دفعهم للإعلان بعدم استعدادهم لمواجهة انصار الله عند دخولهم صنعاء بحجة أنهم حزب سياسي وليسوا مليشيات مقاتلة تقاتل بدلا عن الدولة , وبهذا الاعلان ادركت السعودية أن خطتها قد فشلت , وانها سلمت صنعاء سلام بسلام لحلفاء إيران ,التي م سارعت بالإعلان عن سقوط العاصمة الرابعة بيدها ,وهو اعلان المنتصر بنصر جديد في المنطقة وهذه المرة على الباب الجنوبي لعدوها الرئيسي السعودية , وهو ما دفع النظام السعودي لاتخاذ قرار بالتدخل بعدوان عسكري مباشر لاستعادة اليمن التي اُسقطت بغباء السياسة السعودية بيد إيران ,ودخلت في تحالف اضطراري مع عدو إسلامي وضعته ولازال في قائمة الإرهاب , فمثل هذا التحالف عائق كبير أمام حسم الأزمة اليمنية , وارجاع السلطة للحكومة الشرعية عسكريا او سياسيا خوفا من سيطرة الإخوان على الحكم في اليمن , لذلك عملت مع الامارات ووفق سياسة تبادل الادوار لمحاولة استهداف القوتين الإسلاميتين ,لتتولى السعودية مواجهة الحوثيون ومعهم عدوهم الأقدم صالح- الذي سعت ومنذ وقت مبكر للبحث عن فرصة سانحة للقضاء علية خاصة بعد تحالفه مع صدام حسين في ثمانينات القرن الماضي وهو تحالف موجهة ضدها ,أنتهى بوقوف الرئيس صالح مع صدام حسين في ازمة الحليج واحتلال الكويت ,وهو الموقف الذي رأت السعودية فيه خيانة من صالح ومنذ ذلك الوقت عملت بكل الوسائل للتخلص من صالح ولكن دون جدوى , ومثلت هذا الأزمة في اليمن فرصة لضرب عصفورين بحجر ممثلا بأنصار الله المرتبط بإيران وصالح – وضرب مفاصل قوتهم , فيما تتولى الأمارات مواجهة الإخوان المسلمين ,عبر توجيه عدة ضربات لمفاصل قوتهم بحجة الخطأ ,مع العمل على محاولة تفريخ قوتهم عبر دعم بعض الفصائل الخارجة عليهم وقوى سلفية متشددة لا تتوافق مع الإخوان , وفي نفس الوقت تعمل سويا مع السعودية لمحاولة ايصال الإخوان لصدارة المواجهة المباشرة مع الحوثيون وضمان حالة توازن تضمن ضرب بعضهم ببعض وعد السماح لأي من القوتين بالانتصار على الاخر والسيطرة على السلطة باليمن , وهو ما لم تستطع لما يقارب الثلاث سنوات تحقيقه , الامر الذي دفعهم للبحث عن بديل اخر ,والدخول بمرحلة جديدة .
المرحلة الرابعة : وهي مرحلة اعادة ترتيب التحالفات التي جاءت بعد تصفية صالح من قبل انصار الله – يرى البعض انها مثلت خدمة كبيرة للسعودية التي كثيرا ما رفضت الحاح الإمارات بالتحالف مع صالح كخيار وحيد لضرب العدوين الاسلاميين – ليأتي اغتيال صالح فرصة للدخول بمرحلة جديدة ,وهي مرحلة البحث عن قوة ثالثة للتحالف معها وتسليمها مقاليد السلطة , وأبرز من يمكن أن تتسلم قيادة هذه القوة هو حزب المؤتمر الشعبي العام وما يرتبط به من قوات عسكرية يمكن تجميعها لتمثل نواة عسكرية للطرف الثالث , وفي هذه المرحلة سيتم فرز القوى المتصارعة لجبهتين ,جبهة تظم القوى الاسلامية ممثلا بأنصار الله والإخوان المسلمين كعدوين منفردين, ويصعب تحالفهم للتباينات المذهبية المعقدة , واخرى تظم الطرف الثالث الذي يظم القوى اللبرالية التي تظم الاحزاب والقوى الغير مؤدلجة تظم قوات صالح بقيادة طارق صالح ومن وراءه حزب المؤتمر والقوى السياسية والعسكرية الاخرى ,لتشكل معا جبهة مواجهة لطرفين اسلاميين بتحالف موحد ومدعوم اقليميا ودوليا …وهذا المسار هو المسار الوحيد والمتوافق مع التوجهات الخليجية تجاه ثورات الربيع العربي والساعية لإعادة الأنظمة السابقة وإن بوجوه أخرى ,خاصة بعد رحيل صالح بشخصه الذي مثل عائق أمام السير فيه .
ومن هناء أكاد أجزم أن تحالف العدوان العربي, الذي دخل بحرب استنزاف طويلة دامت زهاء ثلاث سنوات, سيركز كل جهوده وسياساته للعمل وفق هذا المسار, وسيوجه جُل دعمة العسكري والسياسي لهذا الطرف ,وسيدفعه لتشكيل جيش بعيدا عن هادي وجيشة ,المتحكم به من الإخوان المسلمين, كقوة بارزة , وسيعملون على إجراء بعض التكتيك ليظهر هذا الطرف أنه يعمل تحت قيادة الشرعية وسيتم الترويج الإعلامي بذلك, فيما الحقيقة تكمن في تفرد قوات الطرف الثالث بقيادة المعركة عسكريا او سياسيا , وارجح المسار السياسي الذي تدفع نحوه الولايات المتحدة ,التي تسعى لإيجاد سلطة يمنية مشتركة تظم كل الأطياف وعلى رأسهم أنصار الله ,وهو توجه يتوافق مع استراتيجيتها في الشرق الاوسط الهادفة لإيجاد فسيفساء من أنظمة متباينة مذهبيا وطائفيا وأثنيا ليتسنى ايجاد بيئة أمنه لإسرائيل, ويأتي الاعلان عن مبعوث اممي جديد بدلا عن ولد الشيخ مؤشرا لإرادة دولية واقليمية في انهاء الحرب العبثية الظالمة في اليمن والدفع نحو تسوية سياسية تغلق الملف اليمني الذي اضحى تكلفته الانسانية محل احراج شديد لكثير من القوى الدولية ومصدر نقد شديد من الراي العام الدولي والمنظمات الانسانية والمعنية بحقوق الانسان .