مقالات

«بلومبرج»: «ساداتٌ آخر».. إسرائيل ستعقد سلامًا فقط مع هذا الرجل!

للكاتب Zev Chafets

تحل هذا الأسبوع ذكرى مرور 40 عامًا على زيارة الرئيس المصري للقدس، وهي الزيارة الأولي لزعيم عربي، والدليل على أنّ إسرائيل ستقبل بالسلام مع الرجل المناسب فقط.
مرت 40 سنة على زيارة السادات التاريخية للقدس، وهي زيارة أثارت جدلًا يستمرُّ حتى يومنا هذا. كان من بين من ساهموا في تنسيق هذه الزيارة الصحافي الإسرائيلي الأمريكي زئيف شافتس، المساعد السابق لرئيس وزراء إسرائيل مناحم بيجن، والذي كان مسؤولا عن التنسيق الإعلامي لها بصفته مدير مكتب الصحافة الحكومي الإسرائيلي. يكتب شافتس لـ«بلومبرج» عن هذه الزيارة، وعن حاجة الشرق الأوسط لرئيس فلسطيني يحظى بحب وإعجاب الإسرائيليين مثل السادات؛ لتكون إسرائيل مستعدة للموافقة على السلام كما وافقت من قبل.

يستهلّ الكاتب بالحديث عن مبادرة السلام التي تخطط لها إدارة ترامب، وتسعى الإدارة الأمريكية لأن تضع مخططًا محكمًا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بحسب ما أوردت «نيويورك تايمز». في رأيه، المخططات جيدة، والنوايا الحسنة أيضًا، وكذلك أوراق الموقف التي تصدرها الخارجية، وخرائط الاستخبارات المركزية لمناطق النزاع، والحوافز الاقتصادية، والضغط الدبلوماسي. كل الرؤساء الأمريكيين منذ عهد نيكسون اتَّبعوا هذه الإجراءات في الشرق الأوسط، لكنها لم تكن كافية أبدًا لتحقيق «الصفقة المثالية»، كما يسمِّيها ترامب، وليست كافية الآن. ما ينقص هذه الوصفة بحسب الكاتب، هو الزعيم الفلسطيني الذي يرى فيه الإسرائيليون ما رأوه في أنور السادات.

السادات يجاور بيجن على منصة الكنيست الإسرائيلي خلال زيارته لمناقشة اتفاق السلام. 21 نوفمبر 1977.

يستطرد الكاتب بالقول: «تحل هذه الأسبوع ذكرى مرور 40 عامًا على زيارة الرئيس المصري للقدس، وهي الزيارة الأولي لزعيم عربي، والدليل على أن إسرائيل ستقبل بالسلام مع الرجل المناسب». ويوضح أن الزيارة كانت مبادرة شخصية تمت بالتفاوض السري بين السادات ومناحم بيجن، دون حتَّى علم الرئيس الأمريكي جيمي كارتر. وفاجأوا العالم بها قبل أقل من أسبوع على تنفيذها.

اقرأ أيضًا: بعد التقارب المصري الإسرائيلي الأخير.. هل يقود السيسي مصر لجمهورية ثالثة؟

يشير الكاتب إلى أن الإعلان قابلته ردود فعل معارضة ومصدومة على الجانبين. وصمت جامعة الدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية السادات بالخائن، واحتجّ وزير خارجيته إسماعيل فهمي على المبادرة بتقديم استقالته. وشرح فهمي تصرفه هذا قائلًا فيما بعد: «كنت أظن أنها ستضرّ أمن مصر القومي، وتدمر علاقاتها مع الدول العربية الأخرى، وتقضي على قيادتنا للعالم العربي. لم يستطع السادات تقديم أي دليل على أن الإسرائيليين سيردون على مبادرته بنية حسنة مماثلة».

وكانت إسرائيل تنظر للسادات على أنه العدو اللدود، بحسب الكاتب. فقبلها بأربعة أعوام، كان السادات وحافظ الأسد قد بدأ حرب يوم الغفران، والتي كانت هجومًا مفاجئًا مات فيه 3 آلاف جندي إسرائيلي، ونسبة هذا العدد من الجيش الإسرائيلي تقارب نسبة خسائر الأمريكيين في الحرب على فيتنام. غضِب الأهالي الثكالى من فكرة السماح للسادات بإلقاء خطاب في الكنيست، واتهم المتشددون في تحالف بيجن السياسي رئيس الوزراء بأنه استسلم دون أدنى مجهود. وخوفًا من هجوم جديد مفاجئ، فرض رئيس أركان الجيش الإسرائيلي حالة الطوارئ، قبل أن يلغي قراره وزير الدفاع عيزر فايتسمان، الذي كان من بين القلة المطلعة على الأمر في مجلس الوزراء.

يقول الكاتب: «إن الإطار العام للزيارة كان محددًا: يصل السادات في وقتٍ متأخر من مساء السبت، بحيث يستطيع الوزراء الأرثوذكس الذهاب للمطار دون انتهاك حرمة يوم السبت المقدسة، وهو ما قد يُسقط حكومة التحالف إن حدث. ثم يُستقبل بالسجاد الأحمر ويذاع الاستقبال على الهواء. في ظهيرة اليوم التالي، يوم الأحد، كان موعده لإلقاء خطابه في الكنيست. وكان قد خطط هو وبيجن أن يجريا مفاوضات دبلوماسية سرية خلال الزيارة. وصباح يوم الاثنين يستقل السادات طائرته عائدًا للقاهرة ليواجه عواقب دبلوماسيته الجريئة».

كل هذا كان معروفًا قبل وصول السادات بأربعة أيام، أما باقي الزيارة فلم يكن قد تم ترتيبها بعد. انتقى بن إليعازر – مدير مكتب رئيس الوزراء – مجموعة لتقوم بهذه الوظيفة، ضمَّت رئيس الشرطة المحلية، ومسؤولًا كبيرًا في جهاز أمن الدولة الإسرائيلي «شين بيت» (وكان مسؤولًا عن تأمين رئيس الوزراء المصري أثناء الزيارة)، ومدير عام وزارة الخارجية، ورتبًا عسكرية كبيرة، وبعض الأشخاص الآخرين. كان من بين هؤلاء الآخرين كاتب المقال، الذي كان مديرًا لمكتب الصحافة الحكومي، وكانت مهمَّته أن يشرف على الترتيبات الإعلامية لما يقارب ألفي صحافي كان قد وصل بعضهم بالفعل. يقول الكاتب: «لم يكن لدي أدنى فكرة عما سأفعله».

اقرأ أيضًا: 4 أفلام وثائقية قد تغنيك عن «كورس» في القضية الفلسطينية!

أول المهام كانت تخمين ما يود السادات فعله في وقت فراغه. كان إجراءً معتادًا مع زعماء الدول، لكن الكاتب ومجموعته شككوا في موافقة السادات على هذا الأمر. قوبل اقتراح زيارته لمتحف الهولوكست «ياد فاشيم» بالسخرية؛ لأن العرب يعتبرونها من الأكاذيب السياسية الإسرائيلية، لكنه أدرج ضمن قائمة الزيارات على كل حال. وبشك أكبر، تقدموا باقتراح لوضع الأكاليل على النصب التذكاري لضحايا الحرب الإسرائيليين. كانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منقطعة، فحملت سفارة الولايات المتحدة هذه الأفكار لمصر. ويقول الكاتب إنهم فوجئوا بالرد الإيجابي عليها؛ يتشرف الرئيس المصري بزيارة «ياد فاشيم» وتحية ضحايا الحرب الإسرائيليين، كما طلب أن يصلي في المسجد الأقصى، وهو الطلب الذي أثار ذعر جهاز الـ«شين بيت»؛ لظنهم أن حياته ستتعرض لخطر اغتيال الفلسطينيين له.

سارت الأمور طبقًا للخطة المسبقة، ويقول الكاتب: «لم يقفز أي مقاتلين مصريين من مقدمة الطائرة عند هبوطها، وهو ما كان بعض المسؤولين الحاضرين للاستقبال يظنون أنه سيحدث. حيّا السادات مضيفيه وقابلهم بابتسامة حارة وخطوات واثقة، دامتا طوال اليومين التاليين. أعلن شروطه للسلام في الكنيست بلهجةٍ قوية، لكنها معتدلة، وأراد في المقابل أن يستعيد شبه جزيرة سيناء بأكملها، وكانت إسرائيل قد احتلّتها في حرب الـ6 أيام 1967. ويضيف أن بيجن لم يقل (لا) بشكل قاطع، لكن عثرات المفاوضات جعلتها تستمر لـ16 شهرًا قبل توقيع الاتفاق الرسمي للسلام.

كان شافتس في مكتبه يشاهد وصول السادات على الهواء، الذي كان يلوِّح بيديه بعد وصوله من القاهرة في رحلة دامت 50 دقيقة، وهي وجهة كانوا يشعرون أنها على بعد ملايين الأميال قبل أسبوع من زيارته. التفتت إليه إحدى الموظفات الشابات بمكتبه وقالت: «هذا الرجل جذاب جدًا».

جاء السادات ليكسب قلوب وعقول الإسرائيليين، وهذا ما حدث بالفعل. واتضح أن إطلالته الساحرة وصدقه لا يقاومان، خاصة أنّ الإسرائيليين لم يبتسم لهم زعيم عربي أبدًا قبل هذه المرة. يضيف الكاتب بأن الرأي العام كان يريد السلام، وسلم بيجن سيناء بالرغم من رأيه المعارض لذلك. وليس هناك أي سبب يدعوه للندم؛ فقد دام السلام، وأصبح ركنًا من أركان الأمن القومي الإسرائيلي، وهو ما يستحق الاحتفاء والتكريم، بحسب الكاتب.

اقرأ أيضًا: في حين ينشغل الجميع بما تفعله في لبنان.. ما الذي تجَهزه السعودية لفلسطين الآن؟

تصادف هذه الأيام أيضًا الذكرى ـ13 لرحيل زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات، ويصفه الكاتب بأنه كان معاكسًا للسادات في كل شيء؛ فهو شرير، ومتعدِّد الأوجه، ولم يفقد إيمانه أبدًا في أنه سيجبر إسرائيل على قبول الدولة الفلسطينية عن طريق ترويعها. أما خليفته محمود عباس، فيراه الكاتب «رجلًا في الثمانينات من عمره، أداؤه ضعيف، وبعيد كل البعد عن أن يكون جذَّابًا». ويصف حركته الأخيرة بالتصالح مع حماس بالمفيدة للسياسة الفلسطينية، لكنه لن يبني ثقته مع الإسرائيليين بالتحالف مع جماعة تَعِد بتدمير إسرائيل.

يختم الكاتب بالقول إن هذه هي المشكلة التي تواجه إدارة ترامب عند وضع مخططاتها، والتي تجعل كل مخططاتها المحكمة أحلامًا وهمية؛ فلن يتم أي اتفاق دون وجود زعيم فلسطيني يمكن أن يحوز ثقة إسرائيل، وظهور «السادات» الفلسطيني هو ما سيدفع الرغبة التي يملكها الرأي العام الإسرائيلي إلى سلام حقيقي لتحرك العزيمة السياسية الضرورية.