مقالات

بين عهد التميمي وزهراء “مليون طفلا” وبندقية

د. وائل عوّاد
استوقفني قرار اليونسيف اختيار صورة عام 2017 للطفلة السورية اللاجئة زهراء في مخيم الزعتري بالاردن باعتبار انها تعكس معاناة اللاجئين السوريين وان عينيها الجميلتين تعكسان معاناة مئات الآلاف من اللاجئين السوريين و”عيون الأطفال دائما” تقول الحقيقة “…
عدسة المصور محمد محيسن ، هي التي التقطت الصورة وهو من مواليد مدينة القدس في فلسطين المحتلة وهذا ما أثار فضولي أكثر خصوصا” وان هذه القصة تتزامن مع اعتقال الطفلة الثائرة عهد التميمي، رمز المقاومة والانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي.
الفتاة عهد ، منذ الرابعة ربيعا” شاركت في مسيرات واحتجاجات سلمية ضد سياسات القمع الاسرائيلي وجذبت الاضواء عام 2012 عندما تمكنت مع امها من انقاذ اخيها محمد من أيدي قوات الاحتلال الاسرائيلي .
الفتاة عهد ولدت من فوهة بندقية الاحتلال ،هي حبة زيتون عصرت من شجرة الزيتون الفلسطينية الصامدة، تملك جمال الروح والوجه وعيونها تعكس الصمود والمقاومة والصبر والتحدي والعنفوان وهي اجدر بان تفوز بصورة العام أيضا” لأنها تعكس واقعا” اليما” يعيشه الشعب الفلسطيني بأكمله تحت وطاة الاحتلال ،طالما ان العيون لاتكذب فلو تكرمت اليونيسف واختارت صورتها لوصلت رسالتها لجميع أنحاء العالم رسالة معاناتها الانسانية والتي هي اجدر باهتمام المجتمع الانساني المعني بايجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية وانهاء معاناة شعبه. صورة عهد وهي تقاوم الاحتلال أو قيد الاعتقال قد تشعل ضمائر تجار الدين ودعاة اللاستسلام ممن يساومون على تصفية القضية لكن عهد بتحديها ،استطاعت أن تعيد للجماهير الشريفة المؤمنة بعدالة قضيتها، روح المقاومة ضد الاحتلال والطغيان.
ما حصل للطفلة السورية اللاجئة زهراء وأهلها جاء بسبب حرب فرضت على الشعب السوري وجنّد لها عشرات الالاف من المرتزقة من جميع دول العالم .هذه الحرب سببت بهجرة ونزوح اكثر من 5 مليون شخص منهم من اختار مناطق أمنة في البلاد ومنهم من هجّر إلى دول الجوار امثال زهراء وعائلتها. لا شك بان إلقاء الضوء على معاناتها يشعل في داخلنا المشاعر الصادقة لانهاء الحرب في وسرية وعودة الامن والأمان لما كان عليه وافضل من قبل .هذا ما نطمح إليه جميعا” وهذه مهمة المجتمع الدولي ايضا” للمساهمة في تحقيق ذلك وكشف النقاب عن الدول الراعية للارهاب ووقف تدفق السلاح والقضاء على رؤوس الفتنة .
معاناة اللاجئين في المخيمات مزرية وشهود العيان يؤكدون تعرضهم للذل والقهر والابتزاز والمخدرات والدعارة وبعض الفتيات يجبرن على الزواج المبكر من اثرياء عرب مسنين ذئاب غطوا أنيابهم بفهمهم لدينهم وإنسانيتهم بالزواج من القاصرات باعتبار أن رجولتهم وفحولتهم فقط باشباع رغباتهم ونزواتهم !
الكثيرات من امثال زهراء انتهى بهن المطاف إلى احضان العجزة وحرمن من المدراس والتعليم وسلبت منهن الطفولة .عشرات الآلاف من الاطفال حرموا من مدراسهم في مخيمات اللاجئين ويعانون من اضطرابات نفسية بسبب الرعب والعنف والترهيب .اكثر من مليون ونصف طفل سوري شرد ودمرت مدراسهم وحرقت كتبهم ويتعرضون لاسوأ معاملات بحق البشرية وعلى مرأى من العالم .
عندما ارسل لي قريبي الطبيب المقيم في ألمانيا ، صورة زهراء ،كان منزعجا” وناقما” على الضمائر النائمة التي تركت زهراء وغيرها في مخيمات الذل والتشرذم .يريد أن يقوم بعمل خيري لمساعدتها ويبحث عمن يستطيع الوصول إليها. هذه المشاعر الصادقة تجمعنا جميعا” لاننا نرفض الذل والاهانة ولم نسمح لأي ممن استوطنوا في سورية ان يعيشوا في خيم أو في العراء ،بل فتحنا بيوتنا وشاركوننا طعامنا وشرابنا.
ما يجمع بين الفتاتين عدو واحد قد يكون ظاهرا” أو مبطنا” هو نفسه :الظلم ،القهر ،الاحتلال ، الذل ، المهانة ،الحروب المفتعلة ،التشرد وظلم الحكام العرب.هم يريدون لنا ان نقبل ونركع للعدو الظاهر وان وجوده حقيقة لايمكن زوالها ويروجون لعدو مبهم يشعلون الوهم في قلوبنا عن خطر عدو قادم يهدد كياننا …
سبعون عاما” من الاحتلال والتضليل والتشريد والترهيب لم تثن عهد عن المقاومة وسبع سنين عجاف في الحرب على سورية لن تحرم زهراء حلمها بالعودة لربوع الوطن .
فلا إرادة عهد ستموت ولا طفولة زهراء ستضيع . سوف ييددان الخوف .الطفلة زهراء سوف تعود لأحضان الوطن كي تمارس حياتها الطبيعية وتعيش طفولتها المسلوبة مع اهلها وشعبنا . و عهد الصمود والامل سوف تعيد اللون الأخضر لغصن الزيتون الصامد وتزيل آلامنا وتحي مشاعرنا الوطنية والقومية .