مقالات

حملة «كان فيها تكون أنا»: الضحية امرأة.. الجاني رجل

 
ريتا بولس شهوان
 
قتل زوجته السابقة بمسدس حربي، يخبر والد زهراء (الضحية) بحرقة، ينظر بعيون متعبتين، يهز رأسه لـــقناة المستقبل اللبنانية: جمعية كفى تتابع معنا. ينظر إلينا مجيبًا: رافقته ابنته الصغيرة عندما أطلق النار على زهراء، هي شاهدة على قتل والدتها التي طلقها زوجها بالتوافق منذ 4 أشهر قبل الحادث الذي أودى بحياتها. بهذه القضية ذهب هذا الوالد لابنة شهيدة رجل، التي حكمت المحكمة الجعفرية بالحضانة بالطفلة لأهل الزوج، إلى الرئيس عون حاملًا طلب الاقتصاص من القاتل – الأب – بجريمة قتل متعمدة. هذه رواية من روايات قتل النساء على المتحف الذي تجمع حوله مناصري المرأة بالشموع والدموع على 4 ضحايا نسائية سالت دماؤهن في أسبوع واحد في مناطق مختلفة من لبنان: يمن درويش (22 عامًا)، التي وجدت مقتولة بطلق ناري في صدرها، وضربة على رأسها، الأربعاء 13 ديسمبر (كانون الأول)، في بلدة عريضة بقضاء عكار، ولا يزال زوجها رهن التوقيف. نظيرة الطرطوسي (متزوجة 15 عامًا) ميتة، يوم 15 ديسمبر (كانون الأول)، في بلدة جاموس في عكار، وقيل إنها انتحرت.
 
أشهر القتيلات الدبلوماسية البريطانية، ريبيكا دايكس، لما أثارته جريمة القتل من ردود فعل عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي. وعثر على دايكس (29 عامًا) جثة هامدة على طريق المتن السريع، صباح السبت 16 ديسمبر (كانون الأول)، بعد تعرضها للاغتصاب عن يد سائق التاكسي من شركة أوبر فرع لبنان، وكانت أوبر قد أصدرت بيانًا رسميًا تنفي فيه علاقتها بالجريمة ملقية المسؤولية على الدولة اللبنانية التي أعطت سجلاً عدليًا لشخص مع سوابق، أي القاتل، باعتبار أن أحد شروط العمل لديها كأية مؤسسة دولية، الأمم المتحدة نموذج، هو التماثل مع القوانين الوطنية، فإذا كانت السلطة الوطنية، أي الدولة، ما سجنته، باعتبار أنه ذو سوابق جرمية، وزودته بسجل عدلي نظيف، ولم تتابعه بعد خروجه من السجن ما تكون علاقة شركة أوبر؟ هكذا تكون الدولة اللبنانية، التي أعرب وزير الخارجية اللبنانية جبران باسيل عبر قناة الميادين عن رغبته التمكن منها بعد أن كانت لسنوات طوال في يد الاحتلال السوري، قد قتلت بشكل مباشر أو غير مباشر الدبلوماسية البريطانية، والتي إن أرادت الدولة البريطانية اعتبارها إشارة دبلوماسية بعد أن عرضت إعلانا عن نيتها توظيف سائق عامل معها عبر صفحتها على فيسبوك – قبل مقتل ريبيكا – لكانت حدثت أزمة دبلوماسية بحجم أزمة السفارة بتوظيف مقربين من النظام الروسي – السوري. لا علاقة للمناطقية والرقعة الجغرافية بالجرائم كذلك الأمر لتوزع العينات من الضحايا النساء على كل الأراضي اللبنانية مما يعني غياب سياسة عامة لمكافحة جرائم الكراهية المبنية على النوع الاجتماعي.
 
وآخر ضحية هذا الأسبوع كانت فاطمة أبو حسنة، الجاني: صهرها. القاتل: رجل. المغتصب: رجل. الجاني: رجل. (كان فيها تكون أنا: يمن. نظيرة. ريبيكا. فاطمة) لكنها ليست أيا من تلك التي حملت هذا الشعار . هم من هم، غير أن الحياة تكمل بمن بقي، ولكي لا يصيب من بقي نفس الحتف كانت الثورة النسائية عند المتحف عارمة على ذكورية الرجل. هؤلاء النساء والرجال لا يريدون سماع شيء شبيه بمناقشات علمية حول شركات التاكسي كتحليل علمي لأحد الحلول كي لا تتكرر الحادثة العالمية التي لا تحتاج أية إضاءة لشناعة جريمة قتل ديبلوماسية بريطانية كانت تسهر مع أصدقائها في الجميزة، أظهرت أو لم تظهر التحقيقات أنهم دبروا لها مكمن ما. فالقاتل قد يذهب إما اعدامًا أم مؤبدًا، ولا يمكن الاعتقاد أن أي مبلغ نتيجة المكيدة هذه قد تكون تعويضًا له إن صحت هذه الرواية، وهي لن تصح باعتبار أنه تم إقفال التحقيق بعد أن أدلى القاتل والمغتصب، بشخص واحد، أفادته بملء إرادته دون تعذيب. هذا المغتصب تم القبض عليه، ولكن كم من مغتصب هرب بفعلته وتحمّلت الضحية اللّوم الاجتماعي وتكفّلت الضحية بتلميع صورته كي لا تتحمل عقوبة اجتماعية باعتبار أن المجتمع يعاقب المرأة على فعلة الرجل فتمسّ بشرفها، وهذه إحدى أبرز المطالب التي حملتها الجمعيات المتجمهرة في بيانها معتبرة أن هذا (عنف بنيوي ممنهج مرسخ في البيت، المدرسة، الجامعة)، لا، بل أكثر من هذا، بعض الأفكار المتداولة تفيد أن العنف يبدأ عندما تخرج، وتضع رجلها المرأة خارج المنزل، ولهذا الرأي نمط فكري قائم على أن العنف تحول إلى قاعدة عامة وغير ذلك، إنما هو الشذوذ.
 
هذا الحدث العالمي ببشاعته وفظاعته والجرائم الثلاث الأخريات حركن كل من حضر: فالوالدة نوال مدللي، وهي ناشطة حقوقية وعضو فاعل في تيار المستقبل ترفض فكرة أن يحاكم قاتل بيكي بالإعدام، فتقول: فليحكموا عليه بالمؤبد مرتين. فالإعدام جريمة على الجريمة. تخبر نوال كيف أنها حرّمت على نفسها طالبة من أولادها عدم الاستعانة بخدمات أوبر. أفكار نوال حضرت بلافتات وشعارات تؤكد على أن الجميع لا يريد للإعدام أن يكون عقابًا لاعتبار أنه نوع من راحة نفسية. تفكر لاميس حجار كساب بين كل ما تداول والنقاشات المحتمدة في هذه الساحة بالحكم الذي ينبغي أن يصدر، (وعليه أن يكون شديدًا) بنظرها. مايا دولي عمار، وهي إحدى المنظمات للنشاط، تدور وتجول، تعرف أية قضية تتابعها، أي جمعية، وتساعد الصحافة على الاستدلال على المعلومة التي تخدم القضية الأساس: رجم الذكورية وهذه الفكرة الأبرز التي تلاها البيان الصادر عن التجمع هذا: هذه النساء تريد اعتذارا عن كل كف، عن كل تحرش، عن كل لفظة عنيفة. عن كل حركة صبيانية في الشارع، تريد تأكيدا قانونيا، غير القوانين التي صدرت حتى الساعة من معاقبة المتحرش، الذي تقدمت به وزارة شؤون المرأة، والذي ينص على معاقبة المتحرش، ولم تقرّ باعتباره معلقا في أجندة مجلس النواب تريد شيئًا يطمئنهم على أن هناك رادعا قاسيًا لحد المؤبد يجعل الجاني يفكر كثيرًا قبل الإقدام على فعل شنيع من الأفعال المذكورة.
 
ماذا بعد التحرك؟
أقل من 24 ساعة على التحرك عند مستديرة المتحف (لبنان – بيروت) وامتد مسلسل القتل لتضاف إليها ملاك المقداد (23 عامًا) حيث طعنت بالسكين على يد زوجها. هذه القضية وغيرها من القضايا اللتي تقع تحت عنوان (من التالي) في سياق حملة (كان فيها تكون أنا) تتابعها جمعية (كفى) قانونيًا وإنسانيًا عسى أن يتحوّل التحرك هذا إلى ائتلاف جمعيات مناهضة لكل أشكال التعذيب والقتل بعد أن قرر أهل ريبيكا دايكس إطلاق، الموظفة في السفارة البريطانية التي قُتِلت في
بيروت في منتصف الشهر الجاري، مؤسسة خيرية لدعم القضايا الإنسانية التي كانت دايكس تعمل من أجلها – علمًا أنه كان لديها وظيفة باحث في ليبيا والعراق قبل وظيفتها في لبنان – وتمكين النساء، وفق ما ذكر موقع (دايلي مايل)، وختم تقرير (ذي كوت) أن السلطات اللبنانية لا تعتقد يوجود قضية أو جريمة كراهية.