مقالات

رسالة الى معلمتي

 
||بقلم: Afaq Al-Mohammadi – آفاق المحمدي||
#المرآة_mirror
 
 
..
في بداية فصل الخريف وتساقط زخات المطر وأوراق الشجر تتصاعد الذكريات ..
تلك الذكريات التي انقضى عليها سنوات وسنوات ولكن في لحظة معينة أو حدث ما يعيدنا إليها وكأننا نعيشها اليوم ..
عادت بي ذاكرتي لأيام الطفولة لأام المدرسة، حيث أن بدايات الفصل الدراسي تكون عادةً بداية فصل الخريف ..
كان حواراً طويلاً مع الذاكرة، وأظن أن ذاكرتي اليوم لم تبخل علي، وكأنها احتفظت بشريط طويل وضعته أمام عيني كي تحفز نقمتي على معلمتي !
نعم نقمتي، وأعتقد أنها ارتكبت “بحقنا” أخطاء أسهمت في إيلامنا جميعاً، الذي تعلمناه وتربينا عليه أنّ من علمني حرفا ملكني عبدا ..
ولكنني اليوم يا معلمتي أجحد فضلك وأنكره، لأنّك منحتينا الضرر من حيث أردتي النفع، لم أجد تفسيراً أو تاويلاً واحداً يدعوكِ أن تضربي وتؤذي أطفالاً صغار لا تتجاوز أعمارهم 6-8 سنوات بداعي “حثهم على الدراسة والاجتهاد “، لطالما كان هذا الرادع عن “الفشل” دافعاً للفشل أكثر وأكثر ! قد مارستي الإرهاب على أطفالٍ صغار وكان هذا أول إرهاب نعرفه ونشهده، ولكننا ببراعم طفولتنا لم نكن نعرف أن نعبّر عنه أو نشكوه !
أعترف بأنني كانت لي حصة الأسد من المديح والثناء والإعجاب والدائم من قبلك لأنني كنت محظوظة بالذكاء والتفوق الدراسي والاهتمام بواجباتي، ولكن الذي أعنيه هو “إرهابك ” المستمر على زميلاتي وزملائي الذين كانوا ينالون اشد العقاب وكنت أشعر بغصّة حتى وأنا أحصل على درجات كاملة، لأنني أرى تعابير الألم والخوف ونظرات البؤس التي تملئهم ! كان هذا الأمر يسلبني سعادتي بتفوقي، ولا أنسى أبداً كيف كنتِ تكيلين لي كلمات الفخر والعبارات الي اعتدتِ ترديدها، ولا أنسى أبداً نظراتهم لي وكأني سلبت شيئاً منهم أو حصلت على حظٍ أوفر من حظوظهم ..
لم تدخري عقوبةً أو توبيخاً لهم، ولكنك لم تسألي أحدهم يوماً، ربما كانت لديه ظروفاً صعبةً قاهرة، هي من منعته أن يكون متفوقاً ومهتماً ..
كنت أوفر حظاً منهم كون والداي كانوا مُدرسَين، فنلنا أنا وإخوتي التعليم والمتابعة حتى قبل دخول المدرسة، ولكن ماذا عن أولئك الذين نشئوا “لسوء حظهم” في أسرةٍ قضى عليها الجهل أو الفقر أو اليتم !
ما ذنبهم أن المجتمع والحياة تظلمهم مرتين ! ما ذنبهم أن الدنيا أطبقت ببؤسها عليهم وزاد الطين بلة انتِ يا معلمتي !
انا اليوم ناقمة عليكِ، نعم أنا اليوم أجعلك شريكة في دمارهم أو إنحرافهم ..أنتِ لم تبنيهم، لم تمسكي بيدهم لدرب النجاة بل أسهمتِ في ضياعهم !
معلمتي إن رايتكِ يوماً فلا تعاتبيني إن لم أحييكِ أو أذكر فضلك .. سامحيني”