مقالات

ماجدة إبراهيم

الأبطال الحقيقيون.. وراء الكاميرات

دائمًا هناك جندى مجهول يصنع الحدث.. يصوره.. يسلط الأضواء عليه.. يخرجه للملايين.. وفى النهاية لا نذكر إلا صاحب الصورة.. بطل اللقطة التليفزيونية الحلوة.. ونبحث عن حكاية الصورة، وننسج الأحداث، ونجرى وراء بطل الصورة، وننسى وراء شغفنا، لنعرف أكثر وأكثر عن الصورة، ويتحول صاحب الصورة إلى نجم يتنقل بين البرامج والقنوات، ويحصل على بعض الهدايا والهبات، وفى أحيان كثيرة المنح التى قد تغير حياته من إنسان لا يعرفه أحد إلى شخص مشهور يشار إليه بالبنان، الشىء نفسه يحدث لأبطال القصص والحوارات الصحفية، إلا أن الصورة المتحركة فى التليفزيون لهى أكثر تأثيرًا، خاصة لو كان الحدث يراه عشرات أو مئات الملايين.

ربما لن ينسى التاريخ حادث اغتيال جون كيندى، الرئيس الأمريكى، وهو جالس فى سيارته المكشوفة فى عام 1963 فى مدينه دالاس، ووسط شعبه، ومازالت تعتبر أشهر حوادث الاغتيال السياسى على مستوى العالم، لأنها حتى الآن لم يتم الكشف عن الأسباب الحقيقية والجهات التى قامت بالاغتيال بشكل قاطع.

من فينا ينسى لحظة اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وحادث المنصة عام 1981.

أتذكرون الطفل الفلسطينى الشهيد محمد الدرة الذى راح ضحية الاحتلال الإسرائيلى منذ أكثر من 15 سنة، الذى شكّل تصوير اغتياله تحولًا فارقًا فى مسار الانتفاضة الفلسطينية والقضية الفلسطينية برمتها، وكشف الخداع الإسرائيلى الكاذب.

أتذكرون «بوعزيز» الذى قام بإشعال النيران فى نفسه ليموت مفجرًا من بعده ثورة فى تونس الخضراء فى عام 2011.

هذه لقطات لأبطال حقيقيين استشهدوا أو ماتوا وصنعوا أحداث بوفاتهم، وهناك أشخاص آخرون صورتهم كاميرات المصورين، وتحولوا إلى نجوم، مثل الشاب الباكى فى مباراة مصر والكونغو، الذى جاءت نتيجته لتفرح ملايين المصريين، ويتأهل المنتخب الوطنى للمونديال.

لقطات وصور مؤثرة يصنعها نجوم خلف كاميراتهم، كثيرًا لا نعرف عنهم شيئًا، بل ربما يموتون ولا يحققون شهرة تذكر.

ربما لا يذكر أحد من الذى سجل صورة احتراق «بوعزيز» التونسى، ولا من الذى قام بتصوير البطل الشهيد محمد الدرة.

صحيح أن اللقطات التليفزيونية تكون نتاج جهد جماعى من مصورين وفريق إضاءة ومخرج وخلافه، إلا أن بعض اللقطات قد يقوم بها شخص ما بمفرده ليغير دفة الأحداث، ويرصد بكاميرته حدثًا لن يتكرر وقتها، يساعده فريقه كله، وفى أحيان أخرى قد تكون اللقطة الفوتوغرافية منفردة وتحقق الشهرة المطلوبة منها، لكننا فى النهاية لا نذكر من صنعها، نتذكر فقط أبطالها.

فالمصور الصحفى والتليفزيونى هو دائمًا الجندى المجهول، يصنع الحدث ويختفى، ليعود من جديد لصناعة صورة أخرى مؤثرة.. لا يتوقف عن التأثير، وهو يفعل ذلك إنما يؤدى عمله بتفانٍ، لا ينتظر أن يصفق له الجمهور، ولا أن يغدق عليه رجال الأعمال الهدايا والمنح.

نحن نحتفى بهم إذا ما أقيمت مسابقة فى التصوير الصحفى أو الفوتوغرافى أو اللقطات التليفزيونية المبدعة، فيما عدا ذلك لا نتذكرهم وكأنهم نكرة.. ولكن هكذا هى طبيعة الأشياء..

والنسيان هو سمة البشر، لكننى أحاول هنا أن أذكّر نفسى وأذكركم أنه لولا وجود هؤلاء المبدعين وراء الكاميرا ما رأينا، وما رأى ملايين البشر أكثر أبدع وأمتع المشاهد والصور تأثيرًا، وما استطاعوا من خلال كاميراتهم أن يحكوا تاريخ الأمم، ويرصدوا اللحظات الفارقة فى تاريخ كل الشعوب.

تحية لهؤلاء الأبطال الحقيقيين الذين قد يدفعون الثمن من عرقهم وجهدهم، وأحيانًا كثيرة حياتهم، من أجل لقطة أو صورة تظل فى ذاكرة التاريخ باقية.