ثقافيه

مسرحية مصرية – سويدية تكشف صراع المصالح

“السحر الخفي لأعمدة المجتمع” تفشل في الجمع بين عائلتين مختلفتي الهوية

يسري حسان  

من المسرحية السويدية – المصرية “السحر الخفي” (خدمة الفرقة)

تطرح مسرحية “السحر الخفي لأعمدة المجتمع” سؤالاً مهماً عن المساحات المشتركة بين البشر، التي تمكنهم من العيش معاً، على اختلاف أعراقهم وعاداتهم وتقاليدهم ودياناتهم. وكيف أن فئة ما، وهي طبقة الأثرياء، التي تملك القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي، هي التي تقبل، أو تدعي قبول، هذه المساحات إذا تعلق الأمر بالمصالح المادية، وهي نفسها التي تضربها في مقتل، حال تعارض هذه المصالح، مع تصرف الآخرين عن اكتشافها وتأملها.

“السحر الخفي لأعمدة المجتمع” مسرحية عائلية، فيها من روح “أعمدة المجتمع” للكاتب النرويجي هنريك إبسن (1828- 1906)، فهم عند إبسن، في مسرحيته العائلية، طائفة الأعيان في المدن النرويجية الصغيرة، الذين يتحكمون في مصائرها لسيطرتهم على شؤونها الاقتصادية. مجتمعهم قائم على الغش والنفاق والكذب والاستغلال الاقتصادي والأخلاقي. ونخلص من نص إبسن إلى أن أعمدة المجتمع لا تتجسد في هؤلاء الرأسماليين، الذين تنطوي نفوسهم على الخسة والوضاعة، وإنما تتجسد في الحرية والأخلاق والصدق. هو المجتمع نفسه الذي تصوره “السحر الخفي لأعمدة المجتمع” وإن في أجواء مختلفة، ومعالجة مختلفة، وبصورة أخرى بعيدة من نص إبسن. فلا اقتباس هنا سوى تصوير هؤلاء الأثرياء باعتبارهم أعمدة للمجتمع، وبيان السحر الخفي للمال، الذي يحركهم، ويجعلهم يتنازلون عن أي شيء للحصول عليه، حتى لو بدوا، ظاهرياً، في مواقف أخرى، أنهم متمسكون بعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم، غير مستعدين للتفريط فيها أمام أي إغراءات. يكشف العرض كيف يمكن للعلاقات الطبقية العالمية أن تتخطى العرق والحواجز الأخرى، سعياً وراء شهوة متبادلة للهيمنة.

قصة عائلتين

thumbnail_السحر الخفي 7.jpg

من جو المسرحية المشتركة (خدمة الفرقة)

المسرحية، التي تم تقديمها على مسرح الجامعة الأميركية في القاهرة، إنتاج المسرح الملكي السويدي للدراما (دراماتن)، الفكرة والقصة والإخراج لأحمد العطار، كتبها بالاشتراك مع الكاتبة السويدية فيلشيا أوهلي.

تتناول المسرحية قصة عائلتين، الأولى سورية مهاجرة والأخرى سويدية، والعائلتان على قدر من الثراء. ترتبط ابنة العائلة السورية بشاب ينتمي إلى العائلة السويدية، وهو روائي ومثقف، ولكن ترفض العائلتان زواجهما. فكلتاهما ترى مثالب عديدة في الأخرى، ولكل منهما عاداتها وتقاليدها وديانتها، التي لا تمكنها من قبول الآخر والتعايش معه.

اقرأ المزيد
  • زنوبيا الملكة الشرقية الساطعة في اطلالة مسرحية راقصة
  • عروض مسرحية تدعم الصحة النفسية لنازحي السودان

يرتبط الشاب بالفتاة، نزولاً على رغبتهما وإصرارهما على وجود مساحة مشتركة بينهما، فضلاً عن الحب، يمكن التعايش فيها. وتلتقي العائلتان، لأول مرة في حفلة زفاف الحبيبين، وفيها نجد العائلتين مقسمتين بحسب العرق والجنس والدين، ولكن هناك شغف مشترك يوحدهم، وهو السعي وراء الثروة.

بعد الزواج تحدث مفارقات عدة للفتاة والشاب، تتضح من خلالها الفوارق الشاسعة بين العائلتين. فعند إقامة الفتاة لدى عائلة زوجها تصطدم بها، وتسود حياتها أجواء باردة ومقبضة، نتيجة عدم الفهم والتآلف بينها وبين عائلة زوجها. فهي عندما تمارس تدريباً رياضياً يظنون أنها تؤدي الصلاة، وينهرونها بشدة، ويحذرونها من ارتداء الحجاب. وعندما يقيم الشاب لدى عائلة زوجته، انتظاراً لأن تضع الزوجة مولودهما، يصر والدها على إطلاق اسم “عبدالرحمن” على الزوج، ويدعوه إلى الصلاة والصيام، في مفارقات كوميدية لاذعة.

مشروع تجاري

thumbnail_السحر الخفي 4.jpg

لقاء واختلاف (خدمة الفرقة)

وعلى رغم التنافر الشديد بين العائلتين، والنظرة الدونية لكل منهما تجاه الأخرى، فإن الأمور تنقلب رأساً على عقب بمجرد ظهور مشروع تجاري يحقق أرباحاً طائلة لكل منهما. تجتمع العائلتان، للاحتفال بالمولود، في ظل أزمة الكوفيد، وفي أجواء مختلفة تماماً عن اجتماعهما في حفلة الزفاف، فتظهر كل منهما الود والمحبة تجاه الأخرى، ويتم الاتفاق بينهما على استيراد لقاحات الكوفيد والاتجار فيها، بعيداً من المؤسسات الرسمية، التي تحتكر عملية الاستيراد. حتى إن والد الفتاة المتدين، الذي لا يفارق سجادة الصلاة، يحضر الخمر بنفسه إلى أصهاره، ويخبرهم أن لديه أنواعاً عدة منها، فقد تصالحت المصالح كما يقولون. وعندما تفشل الصفقة، تنقلب الأمور ثانية، رأساً على عقب، وتدخل العائلتان في صراع، وتبادل الاتهامات، في حين ينزوي الشاب والفتاة بمولودهما بعيداً من هذا الصراع، وكأن الأمل معلق عليهما، أو على الأجيال الجديدة المثقفة.

هكذا قدم العرض رؤيته اللاذعة، التي تتلخص في أن الأشخاص الذين يمتلكون القوة والمال هم من يتحكمون في العالم، وهم أيضاً من يصرفون انتباه الناس عن القضايا الرئيسة، أي إن إمكانية تعايش البشر في المساحات المشتركة بينهم متاحة، ولكن الاقتصاد وألاعيبه والفساد الأخلاقي والأطماع، كل ذلك يفسدها ويحولها إلى مساحة للصراع لا التآلف.

لغات ثلاث

thumbnail_السحر الخفي.jpg

المشهدية في المسرحية المشتركة (خدمة الفرقة)

العرض قدم بلغات ثلاث، العربية والإنجليزية والسويدية، بمشاركة فنانين عرب وسويديين: عادل درويش وألكسندرا جونسون وشارلوتا أكريلوم ودانكان غرين وهيلين الجنابي وعيسى عويفة ولينيا فارلي ومحمد إسماعيل ومونيكا ستنبك وناندا محمد وناتالي فارلي وعلا حسامو وسرغان ندغيبوفسكي. التأليف الموسيقي لحسن خان.

وحتى إذا كان اللجوء إلى لغات ثلاث قد بدا أنه جاء اضطرارياً، نظراً إلى تعدد لغات المشاركين في العرض، فإن ذلك يشير، بشكل ضمني، إلى تلك المساحة المشتركة التي يمكن أن يلتقي فيها البشر على تعدد لغاتهم وأجناسهم وأعراقهم ودياناتهم.

لم يحفل العرض كثيراً بفكرة الكتابة الحسنة، أو الجمل الرشيقة ذات الدلالات المتعددة، ولم يحفل، كذلك، بالمونولوغات، أو الحوارات المطولة. كل شيء هنا جاء مقتضباً ومبتوراً، وفي جمل سريعة وخاطفة تفي بالغرض. وعلى النهج نفسه جاءت العناصر الأخرى، فلا تمثيل تقريباً، بل أداء يبدو بارداً ومحايداً، بعيداً من أي انفعالات أو افتعالات. وحتى الكوميديا، التي وسمت بعض اللحظات، جاءت بشكل تلقائي، وعبر الموقف أو الحركة أو الإيماءة لا العبارة.

بدا الممثلون كأنهم مجموعة من الأصدقاء يشخصون معاً حكايتهم، وهو ما يحدث تلك الألفة بينهم وبين الجمهور، الذي يكتشف معهم الحكاية، ويصدقها، وينفعل بها، غير مبال بطريقة الأداء المتعمدة من قبل صناع العرض.

ولأن الكلمة وحدها لا تفي بالمسرحة، فقد كان المخرج واعياً لفكرة البناء بالصورة، وبدا ذلك في حرصه على رسم تلك التقاطعات، أو الامتزاجات، في الحركة بين أفراد العائلتين، وكأنه يجسد من خلالها حالتي القبول والرفض، بحسب ما تقتضيه الحالة. فالحركة هنا، مع طريقة استخدام الجسد ومفرداته أفصحت عما لم تفصح عنه الكلمات، ليتضافر ذلك كله في خدمة الرؤية التي سعى العرض إلى طرحها.

وتماهياً مع فكرة البرودة، التي وسمت العرض، وكذلك مع فكرة الزيف والادعاء، التي تميزت بها العائلتان، جاء الديكور (تصميم حسين بيضون) عبارة عن قطعة واحدة ضخمة في العمق، أشبه بواجهة معدنية لا روح فيها، وفيها ما يشبه بعض النوافذ المغلقة التي يفتحها الممثلون من حين لآخر، بينما المساحة الكبرى لتجسيد منزلي العائلتين بواسطة بعض المقاعد والموتيفات البسيطة، ولا شيء غير ذلك. ولعبت الإضاءة (تصميم تشارلي أستروم) دورها في تصوير الأجواء المختلفة، كأن تحول قطعة الديكور في الخلفية إلى ما يشبه الأطر المنفصلة التي يقف أفراد العائلتين بداخلها، أو إلى ما يشبه قضبان السجن التي يقف خلفها هؤلاء الأفراد.

لم يركن العرض إلى فكرة أن “الشرق سيظل شرقاً والغرب غرباً”، لكنه سعى إلى حلحلتها، عارضاً المساحة التي يمكن التعايش فيها بينهما، وإن ظل على إدانته لطبقة الرأسماليين، هنا وهناك، تلك التي لا تحركها سوى مصالحها، والتي تحجب عن الآخرين فرصة التعايش معاً، واكتشاف ما بينهما من مشتركات إنسانية. وكأنه يشير إلى أن أصحاب المصالح الاقتصادية هم من يتحكمون في العالم دائماً، ولا تحركهم نوازع دينية أو أخلاقية أو عرقية، فقط يحركهم المال.