مقالات

هل يمكن عزل إيران واستعادة العراق

اسعد البصري

بدا واضحا من خلال الحفاوة التي استقبل بها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الرياض والقاهرة الأسبوع الماضي أن العرب يحاولون استعادة العراق إلى عمقه العربي وتحريره من إيران. لكن، هل من الممكن حقا عزل العراق عن النفوذ الإيراني؟

يبدو وزير خارجية العراق الأسبق هوشيار زيباري متشائما، وهو يقول، في تصريح بدا وكأنه رد على هذا التساؤل، إن “التقارب العراقي السعودي وهم أميركي لإقناع الذات بإمكان إبعاد العبادي عن الهيمنة الإيرانية”.

رد آخر يظهر في تصريحات جون بولتون، سفير الولايات المتحدة السابق لدى الأمم المتحدة، الذي قال خلال لقاء على قناة فوكس نيوز الأميركية، إن التقارب السعودي العراقي مجرد محاولة دبلوماسية. فالعراق جزء من مشروع إيراني ضخم، والسعوديون يعرفون بأنهم لا يستطيعون فعل الكثير.

جوهر المشكلة برأي بولتون أن إيران عندها تصوّر واضح ومشروع كبير بعد القضاء على داعش، بينما أميركا لا تمتلك مشروعا واضحا بعد داعش.

يقول بولتون إن العراق متحد اليوم بسبب القوة والدعم الإيراني ولا أمل بعودة العراق وطنا واحدا متجانسا بشكل طبيعي بعد ما حدث من انقسامات ونزاعات طائفية. كما يرى أن أميركا أخطأت بتخلّيها عن الأكراد.

لا يعرف العراقيون السبب الذي يجعل العبادي يركض لزيارة المرشد الأعلى

السعودية في أكثر من مناسبة وجّهت تحية رسمية إلى نجاحات الجيش العراقي. وآخر ترحيب كان لعمليات الجيش العراقي الذي استعاد كركوك. بالمقابل هل هناك تصريح أو بيان رسمي عراقي يحيي بطولات الجيش السعودي في اليمن ضد الإرهاب الحوثي؟ ما الذي يمنع حيدر العبادي من توجيه تحية إلى الجيش العربي السعودي وبطولاته في عاصفة الحزم؟

يهيمن الموقف الإيراني على الحكومة العراقية لدرجة دفعت الأزمة الكردية إلى إراقة الدماء بين العرب والأكراد.

ولم يكن العبادي موفّقا بإصدار مذكرة استدعاء بحق رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني، ولا في المعارك العنيفة بالمدفعية الثقيلة بين القوات الكردية والقوات العراقية على الحدود التركية. سرّعت بغداد من العمليات العسكرية بعد تراجع البارزاني واستسلامه، وسقط العشرات من الأكراد بين قتيل وجريح بسبب تدخل قوات الحشد الشعبي التي تقودها طهران. قام البارزاني بتجميد الاستفتاء، ووقف إطلاق النار، وعرض الاستقالة من منصبه، والتفاوض مع الحكومة دون شروط. المفترض -لولا التدخل الإيراني- أن يستمر العبادي على نهج الاعتدال ولمّ الشمل وتشجيع الحكومة على حقن الدم العراقي.

الأكراد عندهم أسلحة حديثة ومقاتلون بعشرات الآلاف مدربون أفضل تدريب. مع هذا استسلموا وتراجعوا وعرضوا السلام والخضوع للحكومة وسلطة الدستور العراقي. وكانت أمام العبادي فرصة للتّواضع بعد صعود نجمه إقليميا حيث احتفت به أربع عواصم إقليمية كبيرة هي الرياض والقاهرة وأنقرة وطهران.

لو قبل العبادي بتنازل البارزاني له وللدولة العراقية دون تدخل وضغوط من الولايات المتحدة ودون سفك دماء لكبر في عيون الشعبين الكردي والعربي. خصوصا وأن الشعب الكردي نفسه كان يتطلع لعودة الحكومة الاتحادية إلى الإقليم وصرف رواتب الموظفين وتدفق الحركة التجارية.

يدير الإقليم 6 ملايين مواطن عراقي منذ عام 1992 ولديه محاكم وشرطة وسجون، ولا توجد جرائم كثيرة في كردستان، فيما يخشى كثيرون أن إضعاف حكومة الإقليم بسبب النزاع الحالي سيؤدي إلى عودة الجريمة والتطرف الديني.

ونجحت جامعات كردستان في استقطاب الكثير من العقول العراقية، حتى أن بعض الأساتذة كان يلغي عقده خارج العراق ويوقّع عقدا مع كردستان وهناك جامعة أميركية في السليمانية. فلماذا التحريض على هدم تجربة صحيحة وتحويل الأكراد إلى نازحين؟

لقد بالغ العبادي في إذلال الأكراد على خلفية اختراقات للدستور العراقي رغم أن الدستور في الحقيقة شبه معلّق ولا أثر واقعيّ لتطبيقه. حتى أن السفير الأميركي الأسبق لدى العراق روبرت فورد كتب مؤخرا أن الحكومة العراقية تجاوزت أغلب المواد الدستورية وخالفتها. وقال إن “الدستور العراقي يتحدث عن سيادة كردستان في 144 مادة منه، تجاوزت الحكومة العراقية 55 منها وخلال الأحداث الأخيرة زادت عليها 12 أخرى”.

الخلاصة هنا أن البارزاني قدم تنازلات لأجل شعبه وضحى بالكرامة الشخصية لعيون أطفال كردستان، في المقابل كانت طهران تدفع العبادي إلى اتخاذ مواقف متطرفة ومليئة بالغرور.