ثقافيه

الإعلامية العراقية هديل لطيف لـ”النهار العربي”: المرأة خارج مركز القرار وأعمل لإشاعة التنوير وحماية الحريات

16-12-2021 | 14:03 

هديل لطيف

A+A-من مذيعة أخبار ومراسلة إلى مقدّمة برنامج تلفزيوني ساخر. الإعلامية العراقية هديل لطيف حققت نقلة نوعية بحثاً عن تأثير في وجدان الفرد وتحريكه في اتجاه مجتمعه تحريكاً واعياً انطلاقاً من مصلحة وطنية عامة لا ضيّقة. يتمحور عملها حول هدف جوهري هو الإنسان والحريات العامة وتشجيع المبادرات الفردية والتنوع والتعايش. عن خبرتها في عالم الإعلام والدور الذي تؤديه من خلال منصّتها تحدّثت الإعلامية العراقية الى “النهار العربي” وكان هذا الحوار: * من مقدّمة نشرات أخبار ومراسلة الى مقدمة برنامج تلفزيوني ساخر. لمَ هذه النقلة؟ وما الإضافة التي حقّقتها؟– المجتمعات التي تتعرض لأزمات من الأحباط والخذلان تكون عرضةً للإنكسار ويصعب عليها أن تتفاعل لاحقاً، وهذه أكثر المراحل خطورة، حيث يُستغل الجشع ومعه الديكتاتوريات مراحل انعزال المواطن وانكفائه على نفسه في بيته. وفي هذا الجوّ لا يمكن للمواطن أن يكون فعالاً من خلال الأساليب الإعلامية التقليدية.يقال إنَّ الفن حياة، وأنا أجد في الأسلوب الساخر قرباً من مفاهيم الفن أكثر من الإعلام، خصوصاً أنه يصنع ابتسامة قبل أن يضع المعلومة، لذا رغبت في أن يبتسم الفرد أولاً قبل أن يتفاعل. أبحث عن تأثير في وجدان الفرد وتحريكه في اتجاه مجتمعه تحريكاً واعياً من مصلحة وطنية عامة لا مصلحة ضيّقة. كإمرأة في المجتمع، تؤلمني كثيراً الصورة النمطية والقوالب التي يتمّ تحديد المرأة فيها، إذ أسمع دائماً أنَّ المرأة ليس في مقدورها الخوض في المجال الساخر، وأرى من يجد هذا الفن يخدش حياء المرأة ويفقدها أنوثتها، فهو يتطلب أسلوباً لغوياً وجسدياً يصطدم بالعادات والتقاليد والموروثات في مجتمعاتنا العربية، وعدم انخراطنا فيه يعني أننا خاضعون لهذه الفكرة التقليدية الضيقة. إضافة الى أن الأسلوب الساخر قريب لنفسي، فأنا ميّالة إلى الأساليب التي فيها مرح، وأجد اننا لا ننتج من دون مرح. * أي هامش من الحرية حصلت عليه في انتاج البرامج السياسية وتقديمها؟– الهامش محدود حتى العدم، لكني أقاتل وأصارع انطلاقاً من مبدأ أن الحرية تؤخذ ولا تعطى، لا سيما في بلد مثل العراق يعاني الفوضى والتراجع المستمر. في الدستور العراقي ثمة فتات قوانين ترعى الحريات، لكن حتى هذا الفتات يُداس في التطبيق، ففوهات الجيوب الراعية للسلاح والإعلام، والأشخاص المتفلتون تجدهم يصوَبون نحو الحالم بالحرية والعيش الكريم، ناهيك بقيود من نوع آخر تتمثل بغياب مؤسسات تضمن الملكية الفكرية، واستثمار المواهب والكفاءات، وتشجيع النساء الداخلات في مساحات عمل جديدة. فنحن نواجه سلطتين، سلطة تقمع صوتك وأخرى تسرقه، وكلها نتيجة للوضع المتفلت. * هل انتقالك إلى البرامج الساخرة كان بمثابة “فشّة خلق” لمحتوى أكثر جرأة؟– نعم، كثيراً. فأنا أرفض ما وصلنا اليه بعد 2003 من حالة الفوضى وغياب الكفاءات، ناهيك بالتطرف السائد وتغليب الهويات الفرعية على الهوية الوطنية الجامعة وغياب حقوق الإنسان عموماً وحقوق المرأة خصوصاً، فهي لم تصل بعد الى أن تكون في صنع القرار، إذ إن صورتها عند صانع القرار “قطع غيار” ما أن تنتهي صلاحية احداهن حتى يخرج بقطعة غيار اخرى على شكل صاحبتها السابقة أو بنسخة أحدث تراعي متغيرات المشهد. نحن الآن في النسخ المدنية. نعيش في دولة حوّلت الإنسان الى كتلة أرقام منزوعة القيمة، فلا قيمة لك من دون رقم مالي أو رقم في التواصل الاجتماعي أو رقم انتخابي، وسوى ذلك أنت بلا قيمة. وحين تتحدث عن مفاهيم سامية، كالحرية والمساواة والإخاء والعدالة، فلا عين ترى أو اذنٌ تسمع. * مَن هي الفئة المنتقَدة أكثر في برامجك؟ وهل تتقبل السخرية؟– المتطرفون الذين تلاعبوا بعقول الجماهير من خلال تحويل مصالحهم السياسية الى إيديولوجيات فكرية ربطت بحبل العاطفة، حتى صار لدينا رموز سياسية مقدسة نتيجة للتحول الذي انشأوه، وسرعان ما اختبأ المتطرفون خلف ستار القدسية مستغلين الدين والمذهب والطائفة والوطن، والآن يستغلون الشعارات كحقوق المستضعفين وصناعة الحياة، وحتى مفردة الترفيه لم تنجُ منهم، محولين الصراع من جمعي ضد ديكتاتوريات السلطة الى اقتتال فكري أهلي، ويا للأسف. * تدعين إلى تقبل الآخر وتروجين لثقافة التعايش والقيم المدنية، وترفضين جر المجتمع العراقي إلى مفاهيم الكراهية. هل تلقى مطالبك آذاناً صاغية؟– نعم أعوّل كثيراً على الجمهور العراقي، فنحن شعب يمتد الى جذر حضارته، أرض الرافدين، سومر وبابل وأكد، وغيرها من الحضارات. فينا قورة اور منبع السلام، ولا أغالي إن قلت إن جمهوري الواعي الذي أحدّثه بلغة التنوير ينتمي جينياً وعاطفياً وإنسانياً الى ذلك العمق الأصيل، غير أننا جمهور امتداد الحضارة محاطون بمسوخ تقتل جذورنا وتقتلع اشجارنا وتحاول تشويه التنوع واختزال البلد بلونٍ لا أثر ولا نكهة له، ينتمي الى الجشع. * هل تعتبرين أن طروحاتك أحرزت فرقاً في المجتمع العراقي وبالتالي وصلتِ الى هدفك من خلال برامجك هذه؟– نعم، أحدثت فارقاً في بدايات انطلاق منصتي “معقولة” في 2016. كان الإعلام مشغولاً بالسجالات السياسية ولا يكترث للإنسان والأمة، وعملت في تلك الفترة على الإنسان من خلال تشجيع المبادرات الفردية عبر هاشتاغ “عاشت إيدك”، وقد ركزت على قصص النجاح فيها، ولاحقاً عملت على قصص التنوع والتعايش بعناوين مختلفة، ومنها “خل نتصافى”، ثم اطلقت حملتي “شكو بيها” للدفاع عن الحريات وكسر التابوات، وكل ذلك جعل الجماهير تتعامل بشكل كبير مع المفاهيم الإنسانية تاركةً الاعلام التقليدي بمؤسساته، ما اضطر تلك المؤسسات الى أن تجعل العناوين الأساسية أولاً حتى تضمن بقاءها. هذا أعده انجازاً وتحقيقاً للهدف الذي عملت المنصة من أجله، خصوصاً في وقت لم يكن لمواقع التواصل الاجتماعي تأثير إعلامي وجماهيري. كانت وسائل تواصل فردي، ولاحقاً استنسخت الفكرة وتأسست منصات كثيرة وأصبح التواصل الاجتماعي وسيلة مهمة لدى صاحب القرار، قبل أن تدخل الجهات السياسية بمالها وباستثمارها السياسي الذي شوّه المفاهيم الإنسانية التي عملت عليها، خصوصاً أن ذلك المال السياسي أغلق صفحتي “معقولة” لتأثيرها الإنساني غير المجير لمصلحة سياسية، فوجدها عامل تشتيت لطروحاته. في “فيتو” كانت عملية النقد الساخر تحريكاً للفكر وليست عملية إضحاك تعتمد الإسفاف والتهريج. يُطلق على هذا الفعل لدينا مفردة “تحشيش”، ولاحقاً لاحظت أن زملائي في هذا المجال اتخذوا هذا المنحى عبر ميلهم الى استخدام استنادات فكرية أكثر من استخدام أساليبهم المعتادة في التحشيش.أخيراً وليس آخراً، جاء “مستوىً عالي” البرنامج التنويري بأسلوب كوميدي ومعلومات علمية وفكرية ليتمم المسيرة، وكان بمثابة الارضية لبرنامجي الساخر. وقد لاحظت ترحيباً بالفكرة من الجمهور الذي سئم الإعلام العراقي الهابط. * ما أبرز الانتقادات التي توجّه لك؟ وكيف تتعاملين معها؟أعاني من جمهورين، الجمهور المؤدلج الذي يتبع لماكينات سياسية، وهذا هجومه وقتي في برامج مماثلة، والجمهور الذكوري الذي يتمحور اقتناعه حول تبعية المرأة للرجل وغياب قدرتها على الانتاج وعدم الثقة بما تعمل، فأي فكرة تنتجها المرأة يعمل الجمهور الذكوري على تقريبها الى فكرة برنامج من صنع الرجال. في رأي هذا الجمهور أن المرأة غير قادرة على صنع أي شيء. ليست مشكلة هذا الجمهور هديل، بل هو يجد مشكلة في أي امرأة تتحرر من عبودية الرجل، فيحاول أن يعدّل ميزان الطبيعة بنظره الذي يتكون من كفة واحدة هي كفة الرجل التي تنتصر دائماً. * اسم برنامجك “معقولة”، تعبرين فيه عن دهشتك من بعض ممارسات المجتمع العراقي وأفكاره. كيف تكون ردود الفعل على تعليقاتك؟– “معقولة” ليس فقط برنامجاً، بل منصة أطلقتها عام 2016 وكان هدفها أن تحرر الفرد بإعلام حر بعيد من إيديولوجيا المؤسسات الإعلامية. كنت أرغب في أن أقول لكل فرد، يمكنك أن تصنع إعلاماً خاصاً تنقل فيه آراءك ولا يستعبدك أحد من دون أن تشعر. لهذا أطلقت تلك المنصة، وكان البرنامج يحمل اسم “المنصة” تعزيزاً للفكرة. وهذه المنصة أصلاً هي أسلوب لغاية أعمق، وهي عملية إحياء الوعي والإرادة في مجتمع قيّد فكره ووضع لنفسه أصناماً.نعم، أعبر حيناً بالدهشة، وحيناً آخر أدعو الى تغليب لغة العقل والحكمة على العاطفة في التفكير وليس في الإحساس، لأنه بالنتيجة عندما يكون التفكير مُنطلقاً من إحساس واعٍ فهو تفكير بمستوى عالٍ (البرنامج الذي اطلقته لاحقاً اسمه “مستوىً عالي”) ولكن حين تكون العاطفة مجرد أحاسيس لحظية غير مقترنة بعملية تفكير واعٍ، تكون عرضة للتلاعب والاحتيال، لأن الإحساس هنا غير متحرر أصلاً. * هل لهذه الدرجة تتمتعين بحصانة ودعم لتكملي طرح أفكاركِ بهذه الجرأة والوضوح؟ وهل “معقول” أن تكملي إذا تعرضتِ يوماً لضغوط؟– نعم أتمتع بحصانة عالية جداً ناتجة من قوة إرادتي وتفكيري الحر، وهي كافية لتبقي صوتي. أنا مؤمنة بالأصوات الحرة في العالم، ولعل هذه المقابلة وغيرها تشجعني لأبقى وأستمر. العالم يتحد ويتضامن بالفكرة.لا أقلل من حجم المخاطر، فنحن في بلد رئيس الوزراء فيه يُهدّد علناً بقطع أذنيه ويُستهدف منزله بالمسيّرات، لكنني مؤمنة أن الصوت الصادق يصل في النهاية وأن نظام الكون يرعى الإرادات الحرة، وأنا مؤمنة بميزان الحياة، فمهما كانت سلطة الفرد عالية تبقى سلطة السماء أعلى. * هل بتِّ تتمتعين بقاعدة شعبية تخوّلك المتابعة رغم كل الظروف المحيطة؟– إنني أتمتع بقاعدة لها تفكير متنوّر، وهذا بالنسبة إليّ قيمة عالية وقاعدة كبيرة. لا أؤمن بلغة الأرقام الكثيرة في غياب العقول الكبيرة.