«نظرية التطور».. هل نحن مجبرون على الاختيار بين العلم والدين؟

2

 

نهاد زكي

على مدى قرون من الزمن كان شاغل الإنسان الأكبر هو أن يكتشف سر الحياة، ما الذي يجعل الكائنات الحية حية، وما القوى الخفية التي تحركها وتجعلها قادرة على الحركة والتنفس والنمو والتكاثر؟ كيف بدأت الحياة على الكرة الأرضية؟ وهل كانت هناك نقطة بداية حقًا؟

كل تلك الأسئلة التي تعبث بالرأس ولم يجد لها الإنسان حتى الآن إجابة شافية وقاطعة، حاول العلم أن يجد لها تفسيرًا؛ فظهرت مجموعة من النظريات العلمية التي تفسر معنى الحياة، كانت أبرزها نظرية التطور والتي تعتبر أكثرهم تماسكًا من حيث الطرح العلمي لأصل الحياة و نشوء الكائنات الحية خاصةً مع اكتشاف بعض الحفريات التي تؤيدها، ولكن هل تنفي نظرية التطور وجود خالق لهذا الكون كما يتصور البعض؟ ربما يتوجب عليك للإجابة على هذا السؤال وغيره الاطلاع على هذا التقرير.

«نظريات أصل الحياة».. كيف فسر العلم بدايات الحياة؟

لم تكن نظرية التطور هي الأولى التي تناولت مشكلة أصل الحياة؛ فهناك الكثير من النظريات القديمة والحديثة التي تناولت سر الحياة في محاولة لإيجاد تفسير علمي له، فكان هناك خمس نظريات تعرضت لماهية الروح والجسد، وهل الجسد والروح منفصلان فعلًا، أم أنهما شيء واحد؟

كانت أولهم «نظرية النفس»، فقط لاحظ الإنسان البدائي أن الكائنات الحية تتنفس، مما جعله يعتقد أن التنفس هو جوهر الحياة؛ فشبّه الحياة بعملية التنفس وأن الكائنات الحية ما إن تتوقَّف عن التنفس تتوقف عن الحياة، ومن هنا نشأ مفهوم الروح، وأنها شيء منفصل عن الجسد الذي هو بمثابة وعاء لهذه الروح تمكث فيه فترة قصيرة وهي فترة حياة الكائن الحي.

أما النظرية الثانية فهي «نظرية البذور الكونية» والتي تشير إلى أنّ الحياة لا تنبثق إلا من حياة أخرى، وأن الأرض نفسها كانت كائنًا حيًا ضخمًا، ولما تحولت إلى الحالة الصلبة ظل جوهر الحياة في الجزء السائل منها حتى وصل إلى تركيب المركبات المعقدة التي تنبثق منها المادة الحية الآن.

ونظرية أخرى هي «نظرية التولُّد الذاتي» والتي تشير إلى أن الحياة قد تنبثق من المادة الميتة تمامًا كما يمكن أن تنبثق من المادة الحية، وهو اعتقاد كان سائدًا في كثير من الحضارات القديمة. و«النظرية الكيميائية» التي تشير إلى أن أصل الحياة قد يعود إلى التفاعلات الكيميائية التي حدثت على الأرض في بداية نشأتها. ثبت عدم صحة هذه النظريات فيما بعد حين تعرضوا للنقد العلمي، لكن أهمهم على الإطلاق كانت «نظرية الخلق».

«نظرية الخلق».. نظرية الأديان السماوية الثلاث

تتفق تلك النظرية مع الخطوط العريضة للخلق التي تناولتها الكتب السماوية الثلاث، فهي تشير إلى أن الإله خلق كل شيء خلقًا مباشرًا وبالأخص الإنسان، وبأن المادة الحية لا يمكن أن تنبثق من مادة غير حية، وأن الخلق ثابت لم يتغير ولم يتطور منذ ظهور الكائنات الحية على سطح الأرض. ولكن هذه النظرية تعرضت للنقد أيضًا على الرغم من كل ما سبق لعدم وجود أي سند علمي يؤيدها؛ فالدراسات تثبت أن الجبال والبحار قد تعرضت للتغير والتطور عبر الزمن، وما الإنسان سوى مظهر آخر من مظاهر الطبيعة يتعرض للتغيير والتطور تبعًا للبيئة المحيطة.
يقول دكتور «يحيى مرسي عيد بدر» أستاذ الأنثروبولوجيا في كلية الآداب جامعة حلوان في كتابه «أصول علم الإنسان» أن هناك الكثير من الدراسات التي أثبتت حدوث طوفانات متعددة غير طوفان نوح المعروف أودت بكل أثرٍ للحياة من على سطح الأرض، ثم قامت على أثر كل منها مخلوقات أخرى، ويستكمل: «حاول بعض المفكرين التوفيق بين ما جاء في الكتب المقدسة وما جاءنا به العلم الحديث؛ فقالوا إن كان قد أُخذ على الأديان مسألة خلق العالم في ستة أيام، فلماذا لا يكون اليوم بالمفهوم الإلهي هو عهد وعصر يمتد لسنواتٍ طويلة؟ وهو ما يفهم من مدلول اللفظ في بعض الآيات القرآنية، فيقول القرآن: «تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة».

ومن ثم يتضح لنا أن المقصود ليس هو المعروف لدينا ومقداره 24 ساعة، وإنما هو أكبر من ذلك بكثير، ومن ثم قد يكون معنى ستة أيام هو ستة مراحل تطورية حسبما تذكر نظرية التطور».

نظرية التطور.. البقاء للأصلح

تعتبر نظرية التطور أحد أهم النظريات التي تتناول أصل الحياة، والتي تعتبر الإنسان هو قمة شجرة التطور، ففي عام 1859 ظهر داروين بنظريته ليشير إلى أن الكائنات الحية لم تكن أنواعها ثابتة منذ البداية، بل نشأت تدريجيًا عن طريق مجموعة من التغييرات التي تنشأ في أفراد كل نوع، وأن هذا التحول يستغرق أحقابًا زمنية طويلة ويمهد للطبيعة الانتخاب الطبيعي ليصبح البقاء في النهاية للأصلح، وأن بإمكان الإنسان أن ينشئ سلالات مستهجنة عن طريق الانتخاب الصناعي.

ومن هنا يحمل التطور فكرة التغيير، وأنه ليس هناك شيء ثابت تمامًا، ويعتبر داروين أن نمو النبات من بذرة وتحول البرعم إلى زهرة متفتحة هو شكل من أشكال التطور السريع، تمامًا كما يتحول الإنسان من جنين إلى شخصٍ بالغ؛ وعليه فإن الوجود كله بما فيه الإنسان في حالة تطور مستمر عبر العصور من الأقل إلى الأكثر ومن الأسوأ للأحسن، حتى ينتقل من الشكل الأولي البدائي إلى الكمال.

وقد أوضح داروين عام 1871 أن أسلاف الكائنات الحية قد نشأت وتطورت تدريجيًا من المادة غير الحية في مرحلة مبكرة من التاريخ الجيولوجي للأرض، وأن كل العوامل التي ساعدت على ظهور الكائن الحي لأول مرة ما زالت موجودة الآن، إلا أن الصدفة وحدها هي التي جمعت كل أنواع الأمونيا وأملاح الفسفور والضوء والحرارة والكهرباء لتكوين مركب البروتين؛ فيشير داروين أن التغير والتطور يمكن أن نعيده إلى عاملين أساسين هما: 1- طبيعة الكائن، و 2- طبيعة الظروف التي تؤدي إلى نشوء الأنواع، فنجد في الوراثة أن أبناء كل نوع تشبه آباءها وهو ما ينطبق على النبات والحيوان فالكلب لا يمكن أن يلد حيوانًا آخر مثلًا.

لكن وعلى الرغم من أن أبناء كل نوع يشبهون آباءهم إلا أنهم لا يماثلونهم، وستلاحظ ذلك في الأجيال الجديدة لكل نوع. والتوالد بشكلٍ طبيعي سواء للنبات أو الحيوان يتجاوز ما تحتمله الطبيعة، ولهذا صرح داروين بأن هناك صراعًا من أجل البقاء نراه دائمًا بين الكائنات الحية، من خلال سعي الحيوانات نحو الرزق وعلى ضروريات الحياة اللازمة، مما سينتج عنه أن يكون البقاء للأصلح، والذي يعني أن الأفراد التي تتزود بالذكاء والحيل هي الأكثر قابلية للبقاء، وذلك لأنها الأقدر على مواجهة تحديات الحياة، ومن هنا يمكن تفسير فناء أنواع من الكائنات الحية في مقابل بقاء بعضها.

نظرية التطور فرضية خيالية أم حقيقة؟

جميعنا يستخدم كلمة «نظرية» عند الإشارة إلى فرضية خيالية بعيدة عن اليقين ولم يتم التأكد منها بعد، لكن هل العلماء يتعاملون مع نظرياتهم العلمية بنفس المنطق؟ نظرية التطور من أكثر النظريات المثيرة للجدل ويعد أول هجوم عليها هو كونها مجرد «نظرية»، أي فرضية خيالية لا وجود لما يثبتها خاصة وأننا لم نشاهد الكائنات وهي تتطور بأم أعيننا، فهل يرى العلماء الأمر هكذا أيضًا؟

قبل أن ندخل في تفاصيل تلك النظرية المُعقدة والتي ما زالت مثيرة للجدل منذ القرن 19 وحتى الآن، يجب أن نشير أولًا إلى مفهوم كلمة «نظرية» كما يشير إليها العلم؛ ففي موقع «Scientific American» يجيبون عن تساؤل هل نظرية التطور مجرد نظرية أم حقيقة؟ قائلين إن استخدام كلمة نظرية تبعًا للأكاديمية الوطنية للعلوم (Nas) يختلف تمامًا عن استخدامنا لها باعتبارها مجرد فرضية وليست يقينًا، فالنظريات العلمية تعني تفسيرات مدعومة جيدًا لبعض جوانب عالم الطبيعة وتندمج تحتها الحقائق والقوانين والفرضيات المجربة؛ ولذلك عندما يتحدث العلماء عن النظرية النسبية والنظرية الذرية أو نظرية التطور فإنهم لا يشككون في صحتها، بل يقصدون احتمالية النسب والتعديلات التي قد تطرأ على النظريات.

أما الحقيقة بالنسبة إلى النظريات العلمية فهي «ملاحظة تم التأكيد عليها»، ويصرحون أنه يمكن للمرء الآن أن يتحدث عن حقيقة التطور من خلال سجل الحفريات والأدلة الوفيرة التي تشير إلى أن الطبيعة قد تطورت بمرور الزمن، حتى وإن كان أحدنا لم يشاهد تلك التحولات بعينه إلا أن هناك أدلة دامغة لا لبس فيها بأنها قد حدثت بالفعل، ويستكملون حديثهم قائلين إنّ: «علماء الفيزياء لا يستطيعون أن يروا الجسيمات غير الذرية مباشرة، ولكنهم على الرغم من ذلك يستطيعون التحقق من وجودها عن طريق المسارات التي تتركها تلك الجسيمات، وغياب الملاحظة المباشرة هنا لا يجعل استنتاجات العلماء أقل تأكيدًا».

والحقيقة أن نظرية التطور لم تقف عند شرح داروين لها في القرن الـ19، وإلا لما كان لها أن تظل قائمة حتى الآن، فقد تطورت النظرية هي الأخرى خاصة بعد ظهور الكثير من الحفريات التي جعلت العلماء يدققون في نظرية التطور ويأخذونها على محمل الجد، مثل اكتشاف جمجمة لكائن منقرض عمره 16 مليون عام، والذي هو تبعًا للدراسات الجديدة يعتبر هو «العامل المشترك» الذي تطور منه كل من البشر والقرود الذين ما زلوا على قيد الحياة حتى الآن؛ والتي كانت تعتبر حلقة مفقودة في نظرية داروين للتطور، إذ أنه حتى عام 2014 لم يكن معروفًا هذا «العامل المشترك» علميًا حتى تم اكتشاف تلك الجمجمة في إحدى مدن كينيا.

أما الاعتراض الثاني على نظرية التطور بخلاف تلك الحلقة التي كانت مفقودة في السابق، أو تعريف النظرية بأنها مجرد فرضية فكان رفض المجتمعات لها وخاصة المتدينة منها، حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي استطلاع رأي للمجتمعات الدينية في الولايات المتحدة ورؤيتها للتطور نشر في مركز بيو للأبحاث فإن 57% من كتلة الإنجيليين يرفضون التطور كفكرة وحتى كنظرية مثبتة، ويرفضون أن يتم تدريسه للطلبة في المدارس.

ما هي الحقائق العلمية التي استند إليها علماء التطور؟

في كتاب كيف بدأت الحياة للعالم إيرفينغ أدلر (Irving Adler) يشير إلى أن الدراسات أثبتت أن الحياة وجدت على الأرض منذ أكثر من 2 مليار سنة، وأنه على مدى ثلاثة أرباع هذا الوقت تطورت الكائنات الحية من الكائنات وحيدة الخلية إلى النباتات والحيوانات التي تعيش في البحار، وهي موجة واحدة من موجات التطور، التي نشأ عنها فيما بعد نباتات وحيوانات تطورت هي الأخرى من كائنات أولية بسيطة إلى كائنات أكثر تعقيدًا، فالنباتات في البداية مثلًا اتخذت شكل الطحالب، أما النباتات المزهرة فلم تظهر إلا منذ 165 مليون عام فقط.

أما عن تطور الحيوانات، فقد بدأت من كائنات وحيدة الخلية مثل الأميبا حتى وصلت إلى الكائنات الفقارية، والتي تتميز بوجود عمود فقري يحتوي على فقرات عظمية داخل أجسادها وتشمل الأسماك والبرمائيات والطيور والزواحف وصولًا إلى الثدييات، والتي تعتبر أرقى الكائنات العضوية.
وتشير نظرية التطور إلى أن الإنسان لم تكن بدايته كما عهدناها الآن؛ فيشير يحيى مرسي عيد في كتابه المذكور إلى أن نتائج العلم الحديث وخاصة نظرية التطور تُظهر أن الإنسان العاقل لم يتواجد في الكون بين عشية وضحاها، وإنما صدرت خصائصه الفيزيقية منذ حقب بعيدة عبر الزمن تعود إلى ماضي ما قبل التاريخ، وأن المراحل التطورية للإنسان تشير إلى ثلاث مراحل تطورية فيزيقية وهي مرحلة ما قبل الإنسان، ومرحلة القرب من الإنسانية، والمرحلة الأخيرة وهي مرحلة الإنسان العاقل.

وعلى الرغم من أن هناك حالة جدل واسعة حول تطور الإنسان من القردة، ولماذا لم تتطور قردة العالم الحديث بعد، إلا أن علماء التطور يشيرون لأن الإنسان لم يتطور عن قردة العالم الحديث، بل تطور عن نوع منقرض من قردة العالم القديم، كما يشيرون إلى أن القردة العليا عديمة الذيل هي أقرب الأقرباء للإنسان، وأن هناك براهين من علم الفلك والجيولوجيا والعلوم العضوية مثل البيولوجيا والأنثروبولوجيا تؤيد نظرية التطور مثل التشابه الكبير بين كل الكائنات الحية والذي اكتشفه عالم الأحياء السويدي «كارل لينيوس» حيث كان أول من يضع نظام التصنيف العلمي لتجميع الأنواع التي تشترك في الخصائص الحيوية، وأشار إلى أن كل الكائنات الحية مكونة من خلايا وأن أصغر الحيوانات والنباتات تتكون من خلية واحدة، وبالتالي فالكائنات الحية كلها تعتبر عائلة كبيرة. وعلى الرغم من أن هناك اختلافات بين الأنواع إلا أن هناك تشابهات كبيرة أيضًا؛ فالثعلب والذئب يشبهان الكلب، والقط يشبه النمر والأسد مثلًا.

كان البرهان الثاني الذي اعتمد عليه علماء التطور، هو التشابه في التركيب العضوي ما بين الإنسان والحيوانات التي تليه في الرتبة، والتي تتمثل في العمود الفقري والهيكل العظمي وكذلك العضلات والأمعاء والأعصاب والأوعية الدموية، هذا بالإضافة إلى تشابه التكوين الجنيني والتي أشار إليها الدكتور يحيى مرسي قائلًا: «نجد أن الجنين البشري في أول مدارج تخلقه يتعذر تميزه عن بقية أجنة ذوات الفقار». ويستكمل أنه في مراحل متقدمة من تكون الجنين تبدأ الانحرافات التي تميزه عن جنين القرد، في حين أن جنين القرد ينحرف عن جنين الكلب في تخلقه بنفس مقدار الاختلاف ما بين جنين القرد والإنسان.

أما البرهان الثالث والذي يعد أكثر قوة، هو وجود بقايا ومخلفات عصور قديمة داخل جسد الإنسان نفسه، فهناك أعضاء داخل جسد الإنسان كانت لها منفعة سابقًا إلا أنها الآن ضمرت وتعطلت وظائفها وصارت الآن في جسد الإنسان لا نفع منها إلا أنها تربطه بعالم الحيوانات التي ما زالت تمتلك مثل تلك الأعضاء وهي ذات نفعٍ لها، وهو ما يقول علماء التطور أنها ستختفي من جسد الإنسان في المستقبل القريب، وذلك مثل الزائدة الدودية والتي يشير الأطباء أنها لا تخدم أي منفعة في عملية الهضم، ولكنها كانت ذات منفعة في عصور قديمة كان المكون الغذائي فيها للبشر يعتمد على النباتات بشكلٍ خالص، وشعر الجسم، وعضلات الأذن والتي تساعد على تحريك الأذن وما زالت موجودة عند الكلب والأرنب، ويستخدمونها في تحريك آذانهم بشكلٍ مستقل، وضرس العقل والذي لم يعد متناسبًا مع حجم الفك الحالي للإنسان مما يعيق صحة الأسنان، والحقيقة أن 32% من البشر الآن لم يعد ينمو لديهم ضرس العقل، في إشارة إلى تكيف أجسادهم مع التطور الأخير لشكل الفك، والعصعص في نهاية العمود الفقري والذي يتكون من ثلاثة إلى خمسة فقرات تعرف ببقايا الذيل، وهي بقايا فقرات تدل على أن الأسلاف كانوا يتجولون بذيول.

أما البرهان الأخير فهو الحفريات التي تم العثور عليها للحيوانات أو الإنسان الأول أو النباتات التي كانت تعيش في الماضي ولكنها انقرضت الآن؛ فقد اكتشف علماء الحفريات في جورجيا بقايا خمسة أشخاص بدائيين يعود تاريخهم إلى 1.8 مليون سنة، وقد أشار ديفيد لوردكيبانيدز «مدير المتحف الوطني الجورجي» للجارديان أن البشر البدائيين كانوا قصار القامة مع أدمغة صغيرة وساقين متطورين بقوة، وتشير بقايا أخرى إلى أنهم عاشوا جنبًا إلى جنب مع الحيوانات المفترسة بما في ذلك القطط المسننة.

هل هناك تعارض بين الدين وتطور جسد الإنسان؟

في حديث البابا فرانسيس بابا الفاتيكان في الأكاديمية البابوية للعلوم، قال إن الرب ليس ساحرًا يملك عصا سحرية كما نتخيله، وأن نظرية الانفجار الكبير ونظرية التطور كلاهما لا ينفيان وجود الإله، بل بالعكس يؤكدان وجوده وهذا ما نجهله. قد يكون داروين قد استطاع أن يثبت أن الجسد الإنساني هو حيواني بامتياز ولكنه أرقى من غيره، وهي كلها كشوف في عصر ما بعد الخلية الحية، لكنه لم يستطع أن يفسر سر الحياة في عصر ما قبل الخلية، أو كيف تحولت المادة الجامدة إلى كائن حي.

يشير الدكتور «يحيى مرسي»، أنّ الصراع ما بين الدين والعلم بخصوص مسألة التطور قد بني على تصورات خاطئة في الأساس؛ فنظرية التطور لا تنفي وجود الإله، ولكنها فقط تثبت تطور الجسد البشري بفعل الزمن، فالعالم المتخصص في التطور يمكن أن يحدد خطوات ظهور الأشكال الجديدة للحياة إلى حيز الوجود، ولكنه يظل يجهل تلك القوة الكامنة المسئولة عن هذه التغيرات وتوجيهها.

وفي كتاب «نظرية الارتقاء والتطور في القرآن الكريم» للكاتب وأستاذ الكيمياء «رضوان كمال ديباجة» يذكر أن لنظرية التطور أصلًا في القرآن الكريم قائلًا: «لم أكن أعتقد يومًا أو أصدق بنظرية التطور لتشارلز داروين ولكن في عام 2004 ومن خلال دراستي الجامعية في جامعة ميتشيغان حول نظرية التطور وجدت أن لهذه النظرية دلائل كثيرة من غير الممكن إنكارها، وبدأت أعتقد في هذه النظرية إلا أنني كنت استثني بني البشر منها ظنًا مني أن ذلك يتعارض مع كتاب الله، ولكن بعد ذلك بمدة قصيرة وخلال قراءتي لسورة الأنعام من القرآن الكريم استوقفتني آية تقول (وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قومٍ آخرين) عاودت القراءة لأرى المقصود بكلمة أنشأكم؛ فوجدت أن الخطاب في هذه الآية الشريفة معني به بنو البشر».

ويستكمل ديباجة حديثه بأنه قد قرر بعدها البحث في القرآن الكريم بخصوص هذه المسألة ليجد بعد ذلك الكثير من الدلائل والآيات التي تتوافق مع ما توصل إليه علم الأحياء في مسألة التطور عامة، مُشيرًا إلى أن البحث يقتضي التفكير خارج ما هو متعارف عليه عند قراءة كتاب الله، ويدلل في كتابه على أنه خلال هذا البحث سيجد القارئ أن ما جاء في نظرية التطور ليس سوى إثبات لما جاء في القرآن الكريم.

وفي مقال تم نشره في مجلة National Geographic عن علاقة الدين بالعلم ونظرية التطور تحديدًا ضمن ملف خاص عن الحفريات المكتشفة والخاصة بالنظرية، سنكتشف أنّ أغلب العلماء المؤمنون بكل اكتشافاتهم العلمية بما فيها اكتشافات التطور، يؤمنون أيضًا بوجود قوة إلهية كانت السبب في ذلك، وهي التي بثَّت الروح في الكائنات الحية ونظمت الحياة بتلك الطريقة فائقة الذكاء، فيروي لنا جويل بريماك عالم الفيزياء الفلكية عن إيمانه بالله قائلًا: «منذ سنوات ليست ببعيدة اجتمع علماء الفلك في محاولة لمعرفة قصة متماسكة عن كيف بدأ الكون، ومع وجود نظريات قوية تستطيع تفسير ذلك اليوم فإن ذلك لا ينفي وجود الإله، بل بالعكس يعظم ويوسع فكرة الله بداخلنا».

في المقال نرى عرض استطلاع رأي أمريكي عام 2001 لمجموعة من البالغين بخصوص ما جاء في نظرية أصل الأنواع لداروين، وعلى الرغم من الاكتشافات العلمية للحفريات إلا أن 45% منهم أعربوا عن عدم إيمانهم بأن للتطور دخلًا في تشكيل البشر، وأن الإنسان قد خلق تمامًا من صنع الله، ولكن ماذا لو كان التطور هو أداة الله في صنع البشر؟
يشير العلماء المؤمنون بالله في المقال إلى أن داروين لم يقل شيئًا عن الله، وأنه لمن المنطقي أن يكون التطور هو الطريقة التي استخدمها الإله في صنع العالم بهذه الدقة، فيقول براين غرين عالم الفيزياء: «ليس هناك من طريقةٍ علمية لإثبات وجود الإله، أو لإثبات إن كان الكون قد صنع بإله أو بدونه، فدور العلم هو أن يفسر لكَ أسئلة «كيف» كيف تطور الكون إلى الشكل الذي نراه؟، لكن العلم سيكون عاجزًا عن إجابة سؤال «لماذا» تطور الكون بهذه الطريقة وليس بسواها مثلًا».

التعليقات معطلة.