انس محمود الشيخ مظهر
رغم الجهود التي تبذلها حكومة كوردستان لترطيب الاجواء مع بغداد والدخول في مفاوضات معها لحل المشاكل العالقة , الا ان بغداد مستمرة في موقفها المتعسف الرافض لاي مبادرة يقدمها الاقليم او اي جهة دولية اخرى . ومن اجل نسف اية محاولة تفاوض تلجأ بغداد الى تبني نقطتين في سبيل التسويف والمماطلة وهما : –
الاولى ..الغاء استفتاء الاستقلال الذي اجراها الكوردستانيون في سبتمبر الماضي
الثانية ..وضع المنافذ الحدودية والمطارات تحت سيطرة السلطة الاتحادية في بغداد .
مع ان بغداد تدرك جيدا عبثية مطلبها الاول, وان مطلبها الثاني يمكن التباحث حوله من خلال المفاوضات التي ينادي بها الاقليم وليس قبلها (ابدى الاقليم مرونة حول هذه النقطة بحلول توافقية) , الا انها عمدت الى استخدام ملف الموازنة المالية لهذه السنة كاداة ضغط اخر على كوردستان وذلك بتقليص نسبة الاقليم منه وربط تنفيذه بادارتها لملف النفط في كوردستان.
ان موافقة حكومة كوردستان على ( كل) هذه المطالب تعني تخلي الاقليم عن كل مكتسباته التي حصل عليها منذ الواحد وتسعين من القرن الماضي , وهو امر يستحيل الموافقة عليه . اما المطالب التي يمكن تطبيقها فتحتاج الى مباحثات لايجاد تفاهمات مشتركة تجعلها ممكنة التنفيذ . ولكن السؤال هو .. هل ان العبادي مستعد للدخول في مفاوضات تفضي الى حل المشاكل العالقة بين الجانبين ؟
من خلال نوعية المطالبات والطريقه التي تطرح بها ندرك ان اخر ما يفكر به المعنيون في بغداد هو فتح حوار جاد مع كوردستان , ليس هذا فحسب بل ان العبادي ومن خلال قراءتنا للمشهد العراقي سيلجا في الفترة القادمة الى التصعيد مع كوردستان لا التهدئة , ليس على الصعيد السياسي فقط بل وحتى الصعيد العسكري لاسباب تتعلق بالانتخابات المقبلة في العراق .
فالعبادي يسوق نفسه حاليا للشارع العراقي كونه السياسي الذي حقق الانتصار على داعش , ونجح في اخضاع كركوك لسيطرة حكومة بغداد , ونجح في اضعاف كوردستان سياسيا ( كما يتصور) من خلال الضغوطات التي فرضها عليها بالتنسيق مع ايران وتركيا . لذلك فهو غير مستعد للتخلي عن ( نجاحاته ) تلك والدخول في مفاوضات مباشرة مع كوردستان قد يستغلها منافسوه بانه تنازل من قبله لكوردستان , مما يؤثر على شعبيته في الانتخابات ويقلل من حظوظه في الفوز .
وحتى لو اجبر لفتح باب الحوار مع كوردستان نتيجة الضغوطات الدولية فسيعمل على عدم التوصل الى اية نتائج ملموسة فيها للسبب الوارد انفا .
ان دخول قادات الحشد الى الانتخابات القادمة يمثل تهديدا حقيقيا للعبادي , فهم يتقاسمون معه منجز الانتصار على داعش واحتلال كركوك , وتحالفهم المحتمل مع قائمة المالكي سوف تنهي اية حظوظ للعبادي بالفوز فيها. لذلك فهو يبحث الان عن فرصة تمكنه من تاجيل الانتخابات دون اعتراض من بقية الاطراف السياسية او اعلان حالة الطواريء , ولن يجد امامه ورقة افضل من التصعيد السياسي وحتى العسكري مع كوردستان ودفعهم لمقاطعة الانتخابات التي لن تبق مسوغات بعد ذلك لاجرائها خاصة وان هناك اطرافا سنية عديدة وشيعية تؤيد هذا التاجيل , وحتى لو لم يقاطع الكورد الانتخابات فان بمقدوره بعد التصعيد العسكري مع الكورد ان يعلن حالة الطواريء التي ستمكنه من تمديد ولايته لاجل غير مسمى .
لذلك اقول مخطيء من يتصور ان في نية العبادي حل المشاكل بينه وبين الاقليم والدخول معه في مفاوضات , لا بل ان احتمالات افتعاله لصدام عسكري مع اربيل وارد جدا في الاشهر القادمة التي تفصلنا عن الانتخابات , ولا اتوقع اننا سنشهد اعتراضا امريكيا على هكذا صدام طالما انه سيضمن بقاء حليفها العبادي على السلطة لسنوات قادمة دون انتخابات .
يبقى السؤال هنا… هل من مصلحة كوردستان بقاءها في النقطة التي حاصرت نفسها فيها بعد الاستفتاء ؟.. فلا هي اكملت الطريق نحو الاستقلال , ولا هي تستطيع البقاء ضمن العراق بقوتها السياسية السابقة . وهل يعقل ان تنتظر متى تفتح بغداد باب الحوار معها ؟ كوردستان اليوم اشبه بالملاكم الذي يقف وسط الحلبة ينتظر اللكمات من الخصم دون حراك منه .. وغالبا ما يكون السقوط بالضربة القاضية هي النهاية الحتمية لهكذا مشهد .
طالما اننا ندفع الان ضريبة استقلال لم نذهب اليه, فلماذا لا نجعل الضريبة هذه بثمن , ولماذا لا يكون ثمنها الاستعداد للاستقلال وتهيئة الظروف لتحقيقه؟