د. رجب بن علي العويسي
في واقع حياتنا اليومية معطيات متعددة قد نختلف أو نتفق في فهمها وطريقتنا في رصدها والتعامل معا، بحسب اقترابنا منها أو قربها من قناعاتنا، فيتعدى ذلك قدرتنا على تقييم ظواهرها بشكل حصيف أو الوصول إلى سبر متغيراتها بصورة متقنة، فما يرتضيه البعض قد لا يرتضيه أخرون، وما هو سائغ لدى أحدهم قد لا يكون كذلك لدى الآخر، وهكذا تصبح مسألة تقييمنا لها راجعة إلى حضور موجهات متعددة، يبقى معيار الضمير والحس المسؤول الخيط المتصل وجسر العبور الذي يحمل محطات الحياة ومعابرها المتنقلة بشكل يتوافق مع كل الظروف ويستجيب مع كل المتغيرات، فيبقى يملأ تلك الفراغات التي أسأنا فيها إلى أنفسنا وأوطاننا وأخذتنا العزة بالإثم فيما ارتأينا من عدم قبول رأينا، ولكنه في حق الأوطان خط أحمر فليس من عاقل غيور يرضى في وطنه الشتيمة أو يأنس بسماعه الإشاعة أو يرضى بأن تناله ألسن السفهاء الغارقون في الإساءة، فالوطن مشتركنا جميعا لقبول العمل في شكله الأفضل ، وطريقتنا لتمحيص الفكرة وإعادة صياغتها بما يجعلها إضافة متجددة لحياتنا، وعندما يقوى الضمير تصبح عملية الانتقاء محسومة والاختيارات محددة مقننة، لأنها تتجاوز الذاتية الافتراضية إلى عالم المشاركة الواسع عندها تبقى الأوطان صناعة في الأعين وإبهار في البصر والبصيرة .
وعلى الرغم من القناعة بقيمة التوازن الذي ستحققه حياة الضمير والحس المسؤول في معادلة السلوك الإنساني ويمنحه للإنجاز البشري كاستحقاقات قادمة، وعربون وفاء للأوطان، فهو أيضا بحاجة إلى من يضبط مساره ويوجه غاياته ويحدد أولوياته، فكان الوطن هو الضمير المشترك الذي تجتمع حوله الرؤى وتتقارب بشأنه الأفكار، ولا يختلف على أحقيته اثنان في السيادة والقوة والأمن والأمان، فتتجه إليه النفس والجوارح وتنبض له القلوب شغفا بحبه ورغبة فيه وانتماء له، وعندما يقوى بناء الفرص وتكتمل الوحدة في التوجهات والرؤى وتتجه الشراكة نحو تعميق مساحات التقدير للمنجز التنموي، وتتفوق الإرادة وروح المسؤولية وقيم المواطنة على كل نوازع الأنانية والشخصية والوحدانية والفوقية، عندها تذوب أمام قوة الوطن كل النعرات وتتلاشى الفقاعات والصيحات التي تحاول النيل من سيادة الأوطان أو تؤسس لمداخل الفرقة والفتنة بحجج واهية وعبارات رنانة ودعوات لمقارعة الفساد ومحاربة المفسدين وغيرها.
إن ضمير المواطن وحسه المسؤول، وطن يستجلي في النفس معاني الإباء والتضحية والإخلاص للواجب المقدس ويستشعر عظمة الوطن ومبادئه وأخلاقه لتصبح محددات توجه مسار الطريق وتتناغم مع غايات التحول القادمة في بناء الإنسان المنتمي لوطنه قلبا وقالبا المحب له بوعي والتزام، وتبرز صفحات الإنجاز في إشراقتها واستدامتها، فهي معايير للعطاء ومنهج لبناء الإنسان الواعي، إذ تصبح ممارساته عاكسة لهذه المبادئ، ملتزمة هويته الوطنية النابضة بالحب الموسومة بالاعتدال، والانسانية المرتكزة على الاصالة والتأريخ والمعاصرة، المتجددة بالابتكارية والتنويع في الأدوات، فهي ممارسة مصونة بصدق الضمير وسماحة الفطرة الإنسانية فتحيى في ظل مشترك العمل من أجل الأوطان رابطة العطاء وفضيلة الإنجاز وقيمة المبادرة، وتقوي جاهزية البدائل وقوة الهدف، إذ تصبح خدمة الأوطان قوة ذاتية نابعة من إرادة الضمير وسلامة الفكر وحصافة الرأي.
من هنا كان ضمير المواطن عين الوطن في احتوائه والتزامه وارتباطه بقدسية الأرض الطيبة ومسؤولية الإنسان في بناء معايير الممارسة وحدود الالتزام بالمبادئ والهويات وصدق التوجهات، فيكون عندها المواطن قيمة مضافة لزيادة أرصدة نجاحات وطنه، وإطارا يضمن للمشاعر والأذواق والوعي والقناعات الإيجابية والسلامة في المبدأ والثبات في قواعد العمل والمتانة في المرتكزات، حضورا مستمرا في شخصية الإنسان العماني كونها انتصار لإرادة المواطن المخلص في ولائه وانتمائه لوطنه عبر ما سطره من قوة إنجاز، وتفوقه على كل مهددات التميز ومعيقات النجاح ومحبطات العطاء ومشوّهات الإنتاجية؛ عبر الاستفادة من كل المنصات التواصلية التعليمية والتوعوية والتثقيفية، وتمكين المواطن من الدخول في مختبرات التجريب للأفكار والتطبيق للمنهجيات وحكمة التصرف في الأزمات والتعامل مع التحديات وبناء الموجهات التشريعية والقانونية والرقابية والضبطية، وتعميق برامج المتابعة والمراجعة والتصحيح للمسار عبر النقد البنّاء وامتصاص الصدمات والتعامل مع الظروف الصعبة والعيش فيها.
إنها موجهات تؤهله للتعاطي الواعي مع رياح التغيير العاتية والمفاهيم المغلوطة التي باتت تقرأ الوطن بلغة الربح وحجم المكافأة وتقارنه وتساوم عليه في مزايدات علنية وحسابات وهمية تجيش المحسوبين والمتصنعين والمغردين بمشروعات الإصلاح عبر شبكات التواصل الاجتماعي والشاشات الفضائية المغرضة والاعلام السلبي، فينتزعون الوطن من أفكار محبيه وقناعاتهم ويشوهون صورته بممارسات فردية وتعميمات جائرة ومقارنات غير عادلة، حتى يخرج من دائرة الاهتمام وينشغل الشباب بالمغالطات وتفنيد المزاعم على حساب المبادرة والعطاء والإخلاص، فإن علينا جميعا أن نكون لوطننا عيونا تبني وتعطي، تحمل في ذاتها عظم الأمانة وصدق المسؤولية، فنصنع من مبادئه التزاما يمشي على الأرض، يتجه بنا حيث البحث عن ذاتنا في أحلام وطننا وآماله، وترقية معاني التطوع وثقافة المبادرة والاستثمار في فرصه ومشروعاته، وفاء للمنجز وعرفانا وولاء بمن صنعه وأسس نهضته وبنى مجده حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم ، حافظين لحدوده عارفين بحقوقه، ساهرين على أمنه، حاملين لرسالته، واعين بسياساته، منتصرين لمبادئه في ثبات واتزان ومصداقية.