كتب/ عبد الباري عطوان
فُوجِئ الكَثيرون، ونَحن من بينهم، بالتّهديدات العَنيفة، وغير المَسبوقة، التي وجّهها السيد عبد الملك الحوثي، زعيم حركة “أنصار الله” إلى دولة الإمارات العربية، وتوعّد فيها بشن هَجماتٍ صاروخيّةٍ لضَرب أهداف فيها، وضد أهداف نفطيّة سُعودية أُخرى مُؤكّدًا أنّها في مَرمى الصّواريخ الحوثيّة التي تعزّزت بتكنولوجيا مُتطوّرة.
عُنصر المُفاجأة يَكمن في كَونها المرّة الأولى التي يُوجّه زعيم “أنصار الله” مِثل هذهِ التهديدات إلى دولة الإمارات، وعاصمتها أبو ظبي بالذّات، مُنذ بِدء الأزمة اليمنيّة قبل عامين ونصف العام، والأهم من ذلك تَحذيره للشّركات الغربيّة بأنّ عليها أن تَنظر لدولة الإمارات كبلدٍ غير آمنٍ بَعد اليوم”.
هذهِ التهديدات والطّريقة التي صيغت بها، تُنبيء بوجود “قلق كبير” لدى الحركة الحوثيّة وزعيمها، مَنبعه خُطط دولة الأمارات وخُطواتها المُقبلة التي باتت تُشكّل خَطرًا استراتيجيًّا، بل وربّما وجوديًّا على الحَركة في اليمن، السيد الحوثي لم يُفصح عن أسباب القَلق هذه، لكن ليس من الصّعب التكهّن بها، وإيجازها في نُقطتين رئيسيّتين:
الأولى: وجود مَخاوف حقيقيّة لدى تيار “أنصار الله” الحوثي بلعب الإمارات دورًا حقيقيًّا في مُحاولة شَق التحالف “الحوثي المُؤتمري”، ومُحاولة استمالة الرئيس علي عبد الله صالح إلى جانب التحالف العربي، وتحريضه على إعلان الحَرب لاجتثاث الحوثيين باعتباره الأكثر خبرةً وتأهيلاً لهذهِ المُهمّة، ووَعده بتقديم الدّعم والمُساندة له.
الثانية: التحشيد العَسكري المُتنامي الذي تقوده دولة الإمارات، وقيادتها العسكريّة في اليمن، استعدادًا لشَن هُجومٍ بريٍّ وبحريٍّ وجويٍّ وشيكٍ للاستيلاء على ميناء الحديدة الذي يُعتبر المَنفذ البحري الوحيد والأهم للحوثيين إلى العالم الخارجي، وتَمر عَبره جميع الاحتياجات الغذائيّة والتجاريّة والعسكريّة.
بالنّسبة إلى النّقطة الأولى حَرص الرئيس صالح وأثناء اجتماع استغرق ساعةً ونصف السّاعة بين وفدين للمُؤتمر والتيار الحوثي، (حوالي 45 دقيقةً منها على انفراد بينه، أي الرئيس صالح، والسيد عبد الملك الحوثي)، حَرص فيه على نفي أي اتصالات مع دولة الإمارات، وكَذّب كل التّقارب والشائعات التي انتشرت على وسائط التواصل الاجتماعي التي تُؤكّدها، ولكن يبدو أن هذه التأكيدات لم تُزل الشّكوك لدى السيد عبد الملك الحوثي كُليًّا، لأن مَنسوب الثّقة بين الطّرفين ما زال مُنخفضًا، رغم كل ما قيل عن عَودة التّحالف بينهما إلى قوّته السّابقة، وإزالة كل الخلافات التي أدّت إلى التوتّر.
أما فيما يتعلّق بالنّقطة الثانية، أي مخاوف تيار “أنصار الله” من هُجوم للتّحالف العربي بقيادة الإمارات على ميناء الحديدة، فإن خِطاب السيد الحوثي كان واضحًا في هذا الخُصوص، عندما قال “إذا أرادوا أن تَسلم سُفنهم النفطيّة فإن عَليهم أن لا يُقدموا على غَزو الحديدة، سنُقدم عل خَطواتٍ لم نُقدم عليها من قَبل.. والمُنشآت النفطيّة السعوديّة والإماراتيّة باتت في مَرمى صواريخنا”.
كان لافتًا أن السيد الحوثي، وفي خِطابه التّهديدي هذا الذي بثّته قناة “المسيرة” استخدم أسلوب السيد حسن نصر الله الخِطابي، وبعض عِباراته عندما قال “القوّة الصاروخيّة تمكّنت من إنجاز مَرحلة (ما بعد الرياض) وما زالت خُطط الإنتاج تتنامى”.
رَد فِعل دولة الإمارات على هذهِ التّهديدات الذي عبّر عنه الدكتور أنور القرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، كان “لا مُباليًا” وانطوى على الكثير من السخرية، وقال فيه “الحوثي وحَماقته لا تُخيفنا وتَكشف يأس لمَن يُدافع عن أوهام تشظّت ولكنّها تَكشف يقينًا عن النوايا المُبيّتة لأمن واستقرار الخليج العربي”، وتابع “ميليشيات أيران خسيسةٌ وخَطرها حقيقي”، وردّ السيد محمد عبد السلام الحوثي على الدكتور قرقاش بالقول “الأحمق من شنّ العُدوان قبل 900 يوم ومُستمرٌّ في حَماقته التي لن تَمر دون ردٍّ مَشروع″.
مَصدرٌ كبيرٌ في تيار “أنصار الله” اتصلت به “رأي اليوم” لم يَنفِ مَخاوف تيّاره من الهُجوم على الحديدة كأحد أسباب هذهِ الغَضبة الحوثيّة، ولكنّه قال بلهجةِ تحدٍّ “لقد فَشلوا في السيطرة التامّة على ميناء المها الأصغر، ومنطقة ذباب، بعد عامين من الحَرب، فكيف سيُسيطرون على الحديدة؟”، وأضاف “الحديدة ستَكون مَعركة حياة أو موت، ولن تَسقط أبدًا، وسيَتم نقل الحَرب إلى الدّول المُعتدية ونَنصح بأخذ تصريحات “السيد” على مَحمل الجد”.
مَصدرٌ آخر في حزب المؤتمر “قال لنا أنها رسالة تحذير للإمارات بعدم الاقتراب من الحديدة، تقول جِئتم بالحَرب إلينا وسنَقوم بالرّد بالمِثل ونَقلها إليكم”، واستطرد قائلاً “إن من يُهدّد قد لا يَضرب ولكنّها رسالةٌ مُفرداتها خَطيرةٌ في جميع الأحوال، والحوثيون لا يَمزحون”.
في ظِل اقتراب الحَرب من نهايتها في سورية والعراق، وخُروج المِحور الرّوسي الإيراني السوري التركي هو الفائز الأكبر، لا نَستبعد أن يَنتقل التّصعيد إلى الجبهة اليمنيّة، والدور الإيراني في اليمن، سواء كان مُباشرًا، أو غير مباشر عبر “حزب الله”، لا يُمكن إنكاره، ولن يكون مُفاجئًا إذا ما تبيّن أن الصواريخ الجديدة التي لوّح بها السيد عبد الملك الحوثي هي إيرانية الصّنع، أو يعود الفَضل بإنتاجها إلى التكنولوجيا والخُبرات الإيرانيّة، تمامًا مِثل صواريخ “حماس″ في غزّة، و”حزب الله” في لبنان.
الاتحاد الأوروبي اتّخذ قرارًا بوَقف جميع الصّادرات العسكريّة إلى السعودية بسبب استخدامها في الحَرب ضد مدنيين في اليمن، ومُهمّة المَبعوث الدّولي إسماعيل ولد الشيخ في غرفة العناية المُركّزة، إن لم تَكن قد نَفقت فِعلاً، ولا بَديل غير البَحث عن قنواتٍ جديدةٍ للتّفاوض، يَسبقه حُدوث مُراجعات لمواقف وسياسات مُتّبعة، من جميع الأطراف، والتّحالف العَربي السعودي خاصّةً، وإلا عَلينا أن نتوقّع أسوأ الأسوأ.. والأيام بيننا.