امريكا والعراق: تنبؤان مستقبليان

5

بقلم / مزهر جبر الساعدي

في ظل سيولة الوضع العالمي الذي يشهد تحولات استراتيجية كبيرة سوف تمهد؛ لصياغة عالم جديد يختلف عن هذا العالم الذي نحن الى الان فيه، الى عالم اخر في الطريق الى التشكل، والوضع في المنطقة العربية وجوارها؛ من اهم هذا التحول. كثرت وتوسعت التحليلات من خبراء دراسات المستقبل في التنبؤات في شكل العالم المفترض والمنتظر.. تذهب الكثير من هذه الدراسات من ان امريكا سوف تتفكك في الامد المتوسط فيما يذهب اخرون ويغالون كثيرا، ويعتبرون ان الولايات المتحدة ستتفكك في الامد المنظور كما تفكك الاتحاد السوفيتي. قسم، من هؤلاء من العرب ومن بينهم بعض العراقيين الذين يتنبؤون بتفكك الولايات المتحدة من جهة ومن الجهة الثانية؛ قيام امريكا بتقسيم العراق الى ثلاث دول في رؤية متناقضة تماما؛ من جهة يتنبؤون بتفكك امريكا ومن الجهة الثانية تقوم امريكا المهددة بالتقسيم، بتقسيم العراق. من المهم هنا الاشارة الى ان توقعات العرب والعراقيون على وجه التحديد الحصري لهذه الرؤية المستقبلية؛ يحيلون توقعاتهم هذه الى بحوث خبراء دراسات المستقبل من الامريكيين الروس( آلفين تولفر)، وليس من دراساتهم للوضع في العراق والقوى الفاعلة فيه وقوى المجتمع الاخرى والى تاريخ العراق الموغل في القدم؛ مما يعني ان هذه التنبؤات تفتقر الى التحليل العلمي والموضوعي والواقعي بإهمالها مكونات المجتمع العراقي، والسفر التاريخي لهذا المجتمع الذي تكون عبر ثمانية آلاف سنة؛ جغرافيا وسياسيا واجتماعيا وثقافيا وفي القسم الاكبر والغالب من سكانه قوميا ولغويا ودينيا . الولايات المتحدة تعاني من مشاكل بنوية في الوقت الحاضر، وهذا امر لا غبار عليه فهو واضح تماما. لكن هنا السؤال المهم هل تقود هذه المشاكل ذات الابعاد البنيوية والهيكلية الى تفكك امريكا في الامد المنظور او المتوسط؛ ان امريكا من وجهة نظري المتواضعة، سوف لن تتفكك بل يعاد بناءها بما يلائم تشكل العالم الجديد، وفي ذات الوقت لن تظل بقوتها الحالية بل سوف تتراجع، ولكنها في الوقت عينه سوف تكون او تحافظ على وضعها كدولة عظمى؛ لتكون واحدة من اقطاب عظمى وكبرى، ستتحكم في مصائر الدول على سطح الكوكب، ولو الى ما يقدره الله جل جلالة من حين وعلى قدرة الشعوب في التحرر من هذا التحكم والخروج من عنق الزجاجة هذا بالاعتماد على قوتها وعلى قدراتها الذاتية. ان المقارنة بين تفكك الاتحاد السوفيتي وتفكك امريكا المفترض لهي مقارنة خاطئة تماما كما يذهب الكثير من دارسي المستقبل وبالذات خبراء الدراسات المستقبلية من الامريكيين الروس؛ مهما كانت المنزلة والمكانة العلمية لقائلها للسبب التالي: الاتحاد السوفيتي، النظام فيه، نظام شمولي. اضافة الى ان مكونات الاتحاد السوفيتي؛ عدة قوميات تعيش في دول لها حدودها ضمن حدود الاتحاد السوفيتي( اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية) جميعها حافظت على لغتها وثقافتها وارثها التاريخي خلال ثلاثة ارباع القرن وهو عمر الاتحاد السوفيتي، والتي وفي اغلبها كانت قد تمردت على السيطرة السوفيتية اثناء الحركة الاصلاحية التي قام بها كوربا تشوف، حتى قبل تفكك الاتحاد السوفيتي. عليه فان السياق التاريخي وفلسفة الحكم في الاقتصاد والسياسة والثقافة للاتحاد السوفيتي تختلف كليا عنها في امريكا التي فيها نظام ديمقراطي راسخ وصلب ومدعوم بمؤسسات رصينة وراسخة وصلبة؛ ضابطة له بقوة القانون في المداخل والمخارج. من الجهة الثانية؛ ان الولايات المكونة لأمريكا لها الحرية الكاملة في الادارة الذاتية ولها ايضا قوانينها الخاصة. الاهم ان الاقتصاد الامريكي هو اقتصاد سوق تتحكم فيه شركات عملاقة، بالإضافة الى ان هذه الشركات هي من تحكم امريكا وتتحكم بها سواء ما كان يترشح منها عبر صناديق الاقتراع، الى الادارة الامريكية او الى مجلسي النواب والشيوخ او ما تنتج من وجود للمؤسسات العميقة تأسيسا. لذا، فان هذا الوضع الراسخ والمتجذر، لا يمكن ان يتحطم ويتفكك؛ لأن مصالح الجميع ترتبط مع بعضها البعض ارتباطا عضويا ونفعيا ومصلحيا في شبكة صناعية واقتصادية وتجارية ومالية واسعة في جميع الولايات؛ اي انسلاخ لأي جزء من هذه الشبكة يؤثر على قوة هذه الشبكة وبالتالي يؤثر سلبا على ربابنتها اي اصحاب هذه الشركات المكونة لهذه الشبكة الواسعة، والذين هم من يحكموا امريكا سواء في حكومات الولايات او في الادارة الفيدرالية في البيت الابيض او في الكابيتول هيل او في المؤسسة العميقة. أما من الجانب الثاني اي الشعب الامريكي فهو عبارة عن مهاجرين من التكون الاول لأمريكا الى الآن. جرى دمجهم في المجتمع الامريكي او ان امريكا انتجت مجتمعها الخاص بها، بهوية وطنية جامعة في اللغة والثقافة وسيرورة التكون الذاتي للشخص الفرد، سيكولوجيا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا، على قاعدة الحرية الفردية الكاملة الحركة او التحرك تماما سواء على صعيد الحركة الشخصية او حركة الفرد الشخص في فضاءات اقتصاد السوق.

ان السود واللاتينيين يشكلون في الولايات الجنوبية نسبة سكانية مؤثرة وفعالة، وقد تصل في بعض هذه الولايات الى الثلث من عدد السكان مما يتيح لهم الضغط على المشرع الامريكي على التفكير بصياغة قوانين تكفل لهم اوضاع افضل، سواء بالتظاهر والاحتجاج كما حدث مؤخرا او بطريقة اخرى؛ عن طريق ممثليهم من النخبة كما وقد حدث قبل عقود؛ حين انبرى مارتن لوثر كنك بالدفاع عن حقوقهم وقد حصلوا عليها. امريكا لها مالها وعليها ما عليها؛ فهي كيان امبريالي تُسيره وتتحكم فيه شركات عملاقة، هدفها الاستغلال والنهب اي نهب ثروات شعوب الكرة الارضية بمختلف الطرق المتاحة لها او هي التي تخلقها سواء باستخدام القوة العسكرية الهائلة والمدمرة التي تملكها او باستخدام قدراتها الاقتصادية والمنظومة الاخطبوطية لذيولها من دول التبعية لها في اركان المعمورة الاربع؛ في فرض عقوبات اقتصادية قاسية كمنصة لإخضاع دولة بعينها أو على عدة دول تشاكسها او تقف حجر عثرة على طريق ريادتها للعالم. أما من الجانب الثاني وفي وضعها الداخلي فهي رسخت وجذرت نظام ديمقراطي بصرف النظر عن ما فيه من عيوب، لكنه يظل نظام ديمقراطي فعالا؛ يتيح الحرية للناس في اختيار ممثليهم في الادارة ومجلسي النواب والشيوخ مع حرية فردية في ابداء الراي في مختلف القضايا بلا رقيب او كابح او مهدد او مانع.. أو في حرية العمل باستخدام قوة العمل لاقتناص الفرص باستثمار الذكاء وطاقة العقل الخلاق؛ بابتكار او بتخليق الفرص الى حياة افضل او حتى الى الثراء كما هو حال والد اوباما، وهيلاري كلنتون؛ مما يعني سيادة الآمل على اليأس على خلاف ما هو حاصل في بلاد العرب.. هذا لا يعني ان الامبريالية التي تمثل رأسها وقوتها، امريكا، منظومة انسانية وغير متوحشة بل ان العكس هو الصحيح. تغيب في الرأسمالية الامريكية؛ شياطين التفاصيل في حركة المجتمع الامريكي لصالح حركتها في الاطار العام والجامع للمجتمع الامريكي في فضاءات تنافسية بحرية تامة لحركة الفرد في هذه الفضاءات.. مما يؤدي عمليا الى تراجع مرعب في رؤية التوحش في التفاصيل؛ لانشغال الفرد الانسان حياتيا وعمليا في السير على طريق الآمل في أمكانية انقلاب حاله الى غير الحال الذي هو فيه.. ومما يكثف الامل في النفوس؛ رؤيته أو تأمله للوحة الناجحين في هذا المسار مع انفتاح جميع طرق النجاح أمامه، بحرية تامة وبلا قيود.. يصاحب هذا؛ الاستعداد التام من الادارة ومن المؤسسة العميقة ومن مجلسي الشيوخ والنواب، على صياغة قوانين جديدة تلائم التطور ومتغييرات الوضع. كما وقد حدث في تغيرات الوضع الداخلي الامريكي اي الانظمة والقوانين التي تسيره بحوكمة ضابطة لحركة المجتمع الامريكي مع المحافظة الصارمة للحرية الفردية. هنا نشير الى ما يؤيد هذا؛ هو ان امريكا في الخمسينيات وما قبلها، هي غيرها في نهايات القرن العشرين والى الآن، كما انها لن تكون هي ذاتها في العقد الحالي والذي يليه بالاستعداد والقدرة بصياغة قوانين تلبي الحاجة للتغير كما اسلفنا القول فيه. عليه فان التنبؤ بتفكك الولايات المتحدة فهو تنبؤ خاطيء. خبراء دراسات المستقبل ومنهم وكما قلنا؛ عراقيو المنافي الذين مضى على وجودهم هناك اكثر من اربعة عقود، من الذين تركوا وطنهم تحت ضغط الواقع المعيش حينها؛ يقولون ان امريكا سوف تتفكك ويحدث لها ما حدث للاتحاد السوفيتي وقد اعتمدوا في تحليلهم هذا على كتاب كان قد كتبه امريكي من اصل روسي وهو آلفين تولفر، كان من جناح تروتسكي ثم تحول في امريكا التي لجأ اليها الى الايمان بالرأسمالية. يشيرون بالإضافة الى ما سبق الاشارة له من رؤيتهم بتفكك امريكا؛ على ان امريكا خططت منذ زمن ليس بالقليل على تقسيم العراق وهي جاده الان في تنفيذ ما كانت وقد شدت عزمها الان على فعله كما يقولون؛ في تناقض صارخ بين وضعها المهدد بالتقسيم وبين خططها في تقسيم العراق. لاندري كيف تم المزواجة بين الاثنين في وقت واحد ومن دولة واحدة هي الولايات المتحدة الامريكية. وهم اي العراقيون على وجه التحديد يعتمدون في رؤيتهم هذه على ما تنبأ به الباحث( ألفين تولفر) في دراسات المستقبل قبل فترة او زمن ليس بالقليل؛ من ان امريكا سوف تتفكك كما انها سوف تعمل على تقسيم العراق كما كان قد تنبأ في تقسيم يوغسلافيا وقد تم بالفعل تقسيمها في وقت سابق. على هذا الاساس يؤكدون صحة تنبؤ آلفين تولفر.

ان هذا التحليل خاطيء بالكامل للأسباب التالية: – يوغسلافيا تم جمعها من عدة دول لها لغتها وارثها وتاريخها في كونفدرالية معروفة، بينما العراق هو دولة واحدة عمرها اكثر من ثمانية آلاف عام..- الشعب العراقي باستثناء اهلنا في كردستان العراق؛ يرفض تماما تقسيم وطنه سواء بالفدرالة او الكونفدرلية (وهنا نحن لا تقصد اطراف العملية السياسية)، في المقابل ان شعوب يوغسلافيا كانت تتحين الفرص للحصول على استقلالها..- جميع دول المنطقة سواء ما كان منها في المنطقة العربية (باستثناء الامارات العربية المتحدة ودولة اخرى لا حاجة لذكرها والكيان الصهيوني)، او في جوار العراق من الدول الاقليمية الاخرى، بينما الدول الاوربية المحيطة بيوغسلافيا كانت تريد ان يعاد تقسيمها اي ارحاعها الى ما كانت عليه قبل اتحادها في عهد حوزيف بروس تيتو..أن من يحول من تيارات العملية السياسية في العراق؛ استثمار وجود بايدن على رأس الادارة الامريكية في اعادة بث الروح في طروحات أقلمة العراق؛ لهو على خطأ استراتيجي وتكتيكي في آن واحد، ويعكس بالضرورة سطحية قرأته للواقع العراقي والأقليمي والمتغير الاستراتيجي في امريكا والعالم..

التعليقات معطلة.