“طالبان” عادت وجهاديو العالم قادمون
بواسطة Roy Gutman١٨ أغسطس ٢٠٢١متوفر أيضًا باللغات:
Also published in “ديلي بيست”
عن المؤلفين
Roy GutmanRoy Gutman is an Associate Fellow at The Washington Institute and a Pulitzer-Prize-winning foreign correspondent.مقالات وشهادة
لقد تسرب الكثير من الحبر حول عودة محتملة لـ تنظيم «القاعدة»، لكن عودة حركة “طالبان” قد تؤدي أيضاً إلى تدفق المتمردين واللاجئين نحو الصين وروسيا وإيران وباكستان وأوزبكستان.
أعطى انتصار “طالبان” في أفغانستان أملاً جديداً بالحياة للمتطرفين الإسلاميين في العالم، لذلك على الدول المجاورة القريبة والبعيدة، بما فيها روسيا والصين، توخي الحذر. ولم يكن أسامة بن لادن الجهادي الوحيد الذي وجد ملاذاً له في أفغانستان واستخدمها كقاعدةً لشن هجمات خلال الفترة الأخيرة التي استولت فيها “طالبان” على الحكم بين عامَي 1996 و2001. فقد تهافت الجهاديون من الصين إلى الشيشان ومختلف أنحاء العالم العربي، للمشاركة في التدريبات العسكرية والقتال حين كانت “طالبان” تقاتل خصومها في الداخل.
ومن الممكن اليوم أن يتنامى خطر الهجمات الإرهابية على طول الخط. فقد صرّح البنتاغون أن “طالبان” حافظت على علاقتها بتنظيم “القاعدة”، بالرغم من تعهّدها عكس ذلك خلال محادثات السلام التي قادتها الولايات المتحدة. كما أن الفرع المحلي لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق وسوريا» يواصل نشاطه في المناطق تسيطر عليها حركة “طالبان”. وفي حين ضربه الجيشان الأمريكي والأفغاني قبل عامين، من الممكن اليوم، في بيئة أكثر تساهلاً، أن يعاود التنظيم نشاطه ويجذب المناصرين من الذين حاربوا على الأرض في سوريا والعراق.
وبناءً على الفترة الأخيرة من حكم “طالبان”، تميل الحركة إلى اتباع سلوك جريء وخطير. وقد “شاهدنا هذا الفيلم” سابقاً، ولم تكن نهايته سعيدة.
عندما استولت “طالبان” على كابول في عام 1996، كانت إحدى خطواتها الأولى هي الاعتراف باستقلال الشيشان (التي كانت آنذاك ولا تزال جزءاً من “الاتحاد الروسي”). وفي وقت لاحق فتحت سفارة شيشانية في كابول وأرسلت قواتٍ للقتال في الشيشان.
كذلك، كانت دولة أوزبكستان المجاورة من الأهداف العرضية الأخرى التي سنحت أمام الحركة. ففي عام 1997، أعلنت “طالبان” بصورة مشتركة مع زعيم انفصالي أوزبكي عن تشكيل “الحركة الإسلامية لأوزبكستان” بالإضافة إلى الجهاد المقدس للإطاحة برئيس أوزبكستان آنذاك. وبعد عام واحد، زوّدت “الحركة الإسلامية لأوزبكستان” حركة “طالبان” بنحو 600 مقاتل من أوزبكستان ودول أخرى في آسيا الوسطى. وسمحت “طالبان” لزعيم إسلامي أوزبكي بقيادة جميع المتطوعين من آسيا الوسطى، وحتى الأويغور من منطقة سنجان الصينية.
وقد عُرض على الأويغور، الذين يتعرضون حالياً لقمع شديد وتهديد بالإبادة الجماعية في الصين، اللجوء تحت حكم “طالبان”، واستقرّت مجموعات منهم في كابول. وتم نشرهم أيضاً في كتيبة الأجانب التي تقاتل الأعداء الداخليين لـ “طالبان”.
وثمة أيضاً باكستان، التي وفّرت ملاذاً لقيادة “طالبان” بعد التدخل الأمريكي في عام 2003، ووفقاً لبعض التقارير أنها درّبت قوات “طالبان”. وقبل تسع سنوات، وفّرت حركة “طالبان” الأفغانية ملاذاً آمناً في المناطق التي تسيطر عليها لحركة “طالبان” الباكستانية، وهي مجموعة مظلة تُعرف بـ “حركة طالبان باكستان” وتسعى للإطاحة بحكومة باكستان. ورداً على ذلك، أبطأت إدارة أوباما ما أُعلن عن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، وأضافت “حركة طالبان باكستان” إلى قائمة خصومها الإسلاميين المستهدفين بالقصف.
أما إيران، فمن المرجَّح أن تواجه تهديداً مختلفاً. فهناك حوالي ثلاثة ملايين شيعي من غرب العراق ومقاطعة باميان الذين فرّوا من أفغانستان خلال حكم “طالبان”، وثمة احتمال بأن يتوجّه عددٌ أكبر بكثير غرباً إلى إيران – لأن “طالبان” تعتبر شيعة باميان كفرة. وكانت إيران على وشك الدخول في حرب مع المتطرفين السُّنة في أواخر عام 1998 بعد أن اجتاحت ميليشيا متحالفة مع “طالبان” القنصلية الإيرانية في مزار شريف وقتلت تسعة دبلوماسيين.
وسوف تتطور هذه العلاقات في الأشهر المقبلة، ولكن يبدو أن البند الأول على جدول أعمال “طالبان” سيكون قمع حقوق المرأة التي أرسيت في إطار سياسة وطنية بعد هزيمة الحركة عام 2001، والسيطرة على نظام التعليم. ومن الممكن أيضاً لعناصر “طالبان” – الذين هم من البشتون – أن يشنوا هجوماً ضد الجماعات العرقية الأخرى، مثل الهزارة في مقاطعة باميان أو الأوزبك والطاجيك، الذين يقيمون في الغالب في شمال البلاد. ومن المعروف أن “طالبان” تحمل ضغينة عميقة لتلك الجماعات بسبب معاركها السابقة معها، وسجلّها في مجال حقوق الإنسان سيئ للغاية.
وفي عام 2001، قبل حوالي ستة أشهر من الإطاحة بـ “طالبان”، أصدرت الأمم المتحدة موجزاً عن مجازر الحروب الداخلية التي بدأت مع استيلاء “طالبان” على السلطة قبل ذلك الوقت بخمس سنوات. ومن بين أسوأ 14 مجزرة حدثت في تلك الفترة، كانت “طالبان” مسؤولة عن 13 منها – بأمرٍ من كبار المسؤولين الذين بدوا عازمين على إنزال العقاب الجماعي.
وفي تقرير صدر في ذلك العام، قال محققٌ تابع للأمم المتحدة في “المفوضية العليا لحقوق الإنسان” إن لدى “طالبان” “رغبة مَرَضية على ما يبدو في الانتقام” و”عجزاً واضحاً عن تقديم أي تنازل”. وكتب أندرياس شايس أن [عناصر الحركة] ينظرون إلى أعدائهم “على أنهم أدنى من الازدراء. ولا يتغاضون عن قتل أو تعذيب جنود العدو أو المدنيين الذين لا يعتنقون نفس معتقدهم الديني فحسب، بل يشجعون ذلك أيضاً”.
وفي ظل العواقب المرجَّحة، كيف يمكن السماح لـ “طالبان” باستعادة البلاد بعد مرور عشرين عاماً على تدخّل الولايات المتحدة في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر؟ لقد كُتب الكثير عن فشل الحكم الأفغاني والفساد المستشري للنظام الموالي للغرب الذي وصل إلى السلطة بتدريب أمريكي وحماية أمريكية. كما كُتب الكثير عن المشاكل الطويلة الأمد المتعلقة بتدريب الأفغان، وخاصة قوات الشرطة المحلية، الذين كان معدل الأمية في صفوفها مرتفعاً بدرجة غير مقبولة. ومع ذلك، تكمن المشكلة الأساسية في مكان آخر – في الهدف المتواضع الذي وضعته إدارة بوش لأفغانستان في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر، المتمثل في وقف تنظيم “القاعدة” وليس هزيمة “طالبان”. فقد سُمح للنظام وميليشياته بالفرار إلى الأرياف وإلى باكستان دون الاستسلام أو الاعتراف بالهزيمة.
وبدلاً من شن حملة لمكافحة التمرد لكسب قلوب وعقول البشتون الذين ربما تعاطفوا مع حركة “طالبان” أو استسلموا لضغوطها، حارب الجيش الأمريكي تنظيم «القاعدة» بأساليب مكافحة الإرهاب، مستخدماً في الغالب القصف من ارتفاعات شاهقة والهجمات بالطائرات المسيّرة. واعتبر العديد من الأفغان أن التدخل الأمريكي هو بمثابة ضربة انتقامية أكثر من كونه سياسة هدفها تحقيق الاستقرار في البلاد. وقد أصرّ وزير الدفاع الأمريكي آنذاك دونالد رامسفيلد على إبقاء أصغر بصمة عسكرية ممكنة وتجنب جهود “بناء الأمة”.
وتمحورت هذه السياسة حول اعتماد مفرط على الأسلحة المتطورة والعزوف عن المجازفة. وفي هذا السياق، كتب قائد “القيادة المركزية الأمريكية” في تامبا بولاية فلوريدا، تومي فرانكس: “لم تكن واشنطن ميالة مطلقاً إلى خوض قتال مستمر وجهاً لوجه في هذا البلد النائي والبدائي المحاط باليابسة في النصف الآخر من العالم”.
وحتى الحرب ضد تنظيم «القاعدة» تراجعت إلى المرتبة الثانية على سلّم أولويات إدارة بوش، لتسبقها خطة غزو العراق والإطاحة بنظام صدام حسين. فعندما هرب بن لادن إلى مجمّع تورا بورا الجبلي في شرق أفغانستان، ناشد المسؤولون في “وكالة المخابرات المركزية” الأمريكية بتكليف كتيبة من “قوات المشاة الأمريكية” لمنع هروبه، ولكن دون جدوى. فاضطرت “وكالة المخابرات المركزية” إلى الاكتفاء بفريقها المكون من ثمانية أشخاص، الذين تمكّنوا من استدعاء الضربات الجوية.
لكن حتى عندما كان فرانكس يعمل على خططٍ لتوفير الدعم الجوي للمقاتلين الأمريكيين والأفغان في تورا بورا، قاطعه رامسفيلد قائلاً: “الجنرال فرانكس: الرئيس يريدنا ن ننظر في الخيارات المتاحة للعراق. أين أصبحت خططك؟” فأجاب فرانكس إن الخطة الراهنة أصبحت بالية وتحتاج إلى المراجعة. وردّ رامسفيلد: “حسناً يا توم، جدّدها وراجعني الأسبوع المقبل”.
ومع تقدّم التخطيط لاجتياح العراق، بقيت القوات العسكرية الأمريكية على الأرض في أفغانستان غير مدركة لأدنى الحقائق الأساسية المتعلقة بالسياسة والسلطة في أفغانستان. وعوضاً عن ذلك، تبعت أوامر رامسفيلد، وتعاملت مع أمراء الحرب الإقليميين باعتبارهم نقاط التواصل الرئيسية لهم، من خلال تعزيز قوّتهم على حساب الحكومة المركزية.
وهذا أمرٌ اكتشفته الصحفية سارة تشايس، التي كانت تغطّي الغزو الأمريكي لصالح “الإذاعة الوطنية العامة” الأمريكية (“أن بي آر”)، عندما طُلب منها إحاطة القائد العسكري الأمريكي في قندهار بالمعلومات في نيسان/أبريل 1993. وقالت تشايس، التي بقيت في قندهار لتؤسس منظمة للنساء الأفغانيات، للقائد الأمريكي إن قرار الولايات المتحدة بتمكين أمير الحرب المحلي غول آغا شيرزاي يضعف الحكومة المركزية برئاسة حامد كرزاي وكذلك أهداف الحكومة الأمريكية في جنوب أفغانستان. فسأل العقيد جون كامبل: “كيف سمحنا بحدوث ذلك؟”. وهنا رسمت تشايس مخططاً بيانياً يُظهر القبائل الرئيسية في المنطقة وعلمت في أثناء ذلك أن الجيش الأمريكي لا يملك مثل هذا المخطط. واقترحت أن يجلس العقيد مع زعماء القبائل لسماع شكاواهم. وسأل: “ما تقولينه لي هو أنه نظراً لأن القوات الأمريكية تعمل بهذا الشكل الوثيق مع قبيلة واحدة، فإن بقية الأفغان يفقدون الثقة بها. هل هذا هو السبب؟”.
وقد تكيّف الجيش الأمريكي بعد ذلك مع الثقافة السياسية لأفغانستان، ولكن في الواقع جرى الحوار في قندهار في الوقت نفسه الذي بدأت فيه إدارة بوش عمليتها الأكثر خطورة بكثير – وهي غزو العراق. وللحظةٍ مشرقة وجيزة، أظهرت إدارة بوش مؤشراتٌ على مقاربة جادة تجاه أفغانستان، حيث أرسلت الاختصاصي الأمريكي الأفغاني في السياسة الخارجية زلماي خليل زاد سفيراً إلى كابول. ولكن بعد تسعة أشهر من تولّيه منصبه وإحرازه تقدم حقيقي في استقرار البلاد، أعيد تعيينه سفيراً في العراق. وكان قد اندلع هناك تمرّدٌ معقّد بين فرع محلي لتنظيم «القاعدة» وقوات أمن صدام حسين ومليشيات شيعية مدعومة من إيران. وكانت أفغانستان على مسار منحدر.
ربما كان التهديد الأكبر الذي نجمَ عن فشل الولايات المتحدة في هزيمة حركة “طالبان” الأفغانية هو صعود حركة “طالبان باكستان” عام 2007، التي كانت لها علاقة وثيقة مع كل من تنظيم «القاعدة» وحركة “طالبان” الأفغانية. وكانت أهدافها المعلنة هي تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ومحاربة حلف “الناتو” في أفغانستان، وشنّ “جهاد دفاعي” ضد الجيش الباكستاني.
وفي بيانٍ لها لوكالة “رويترز” في السادس عشر من آب/أغسطس، قالت حركة “طالبان باكستان” إنه تم إطلاق سراح 780 من عناصرها من السجون الأفغانية وشق هؤلاء طريقهم إلى معاقل الحركة في ولايات كونر وباكتيكا وخوست. وجدّدت “طالبان باكستان” ولاءها لحركة “طالبان” الأفغانية والتزامها بمحاربة الدولة الباكستانية. من الواضح إلى أين تتجه الأمور.