كتب / احمد هذال…
تُصنف الدول الغنية بالموارد النفطية على انها دول ريعية تعمل على استخراج الموارد من باطن الارض ومن ثمة تحصل على العائد الريعي دون بذل جهود لافراد المجتمع، ويتمتع ذات الافراد بالعوائد النفطية، والعراق حالة واقعية لتصنيفه ضمن هذه البلدان، ففي هذه الدول ومنها العراق نلاحظ ان مسارات الانفاق الحكومي تتصاعد مع ارتفاع الايرادات النفطية نتيجة ارتفاع اسعاره في السوق العالمية.
وبما ان وزراة المالية هي المسيطرة على ايرادات الدولة،فهي ايضاً المحرك الاساسي للنشاط الاقتصادي في العراق، اذ تعتبر المٓورد الرئيسي لعناصر الطلب الكلي:
١- الاستهلاك.
٢-الاستثمار.
٣-الانفاق الحكومي.
٤- صافي التجارة الخارجية (الصادرات -الاستيرادات).
ان الناتج المحلي الاجمالي ونموه يعتمد على نمو وقدرة البلد على كمية الاموال الموجهة نحو الاستثمارات، والاخيرة تعتبر احد اهم عوامل التراكم الرأسمالي الذي يدفع عجلة النمو والتنمية الاقتصادية الى الامام، ففيحالة الاقتصاد العراقي فأن نسبة الاستثمارات الموجهة في الموازنة العامة في الغالب لم تتجاوز الـ17% منGDP،اما نسبة النفقات التشغيلية فقد تجاوزت الـ 37% منGDP، ونلاحظ ايضاً اننسبة الانفاق الجاري الى مجموع الانفاق العام قد تخطت الـ90%، بينما نلاحظ ان نسبة الاستثماري الى اجمالي الانفاق لم تتجاوز في احسن الاحوال 25%!
والسياسة النقدية بعد 2003 تعتبر رهينة للسياسة المالية بدرجة كبيرة، ففي خصائص الاقتصاد النفطي فأن الموجودات الاجنبية تعتبرعماد الاساس النقدي، لأن الحكومة تعتمد في انفاقها على الايرادات النفطية وهي ايرادات من العملة الاجنبية يتم مبادلتها بعملة وطنية مع البنك المركزي وبالتالي سيزداد الاصدار النقدي تبعاً لذلك، فهذه الحالة تسمى الهيمنة النفطية-المالية اي انها هيمنة مزدوجة من خصائص الاقتصاد النفطي،فالعلاقة عكسية مابين الهيمنة المالية ومابين استقلالية البنك المركزي، فكلما ارتفعت الهيمنة المالية كلما انخفضت درجة استقلالية المركزي!!
ويلاحظ ذلك جلياً من خلال العلاقة بين معدل الانفاق وزيادة مبيعات المركزي ففيعام 2012 كان الانفاق العام نحو 105 ترليون دينار(الحصة الاكبر منه انفاقجاري) وكانت مبيعات المركزي من العملة الاجنبية تصل الى48 مليار دولار ( معظم واردت الاحتياطي من فرق سعر بيع وزارة المالية الى المركزي)،وفي عام 2013 ارتفع الانفاق العام نحو 113 ترليون دينار،وفي العام ذاته نلاحط ارتفاع مبيعات المركزي الى 53 ملياردولار بعد ان كان 48 مليار! هذا وفضلاً عن تفاقم حجم دين المالية العامة للبنك المركزي نتيجة عجز الموازنة وتمويل نفقات اخرى، ادى الى انخفاض قدرة البنك المركزي على تحقيق اسعارمستقر نتيجة المناسيب العالية لسيولة المالية العامة.
رغم ان البنك المركزي مُنح الاستقلالية بقانون رقم 56 عام 2004 ونص قانونه على عدة اهداف منها استقرارالاسعار وخفض مستويات التضخم… الا ان السياسة المالية لها ادوار وظيفيةوسياسية واجتماعية مؤثرةعلى عمل واهداف البنكالمركزي، فالمالية العامة بعد2003 في العراق كانت متوجهة نحو نزعة استهلاكية،بعيداً عن توجهات السياسة النقدية، وفي اغلب الاحيان نزعة انتخابية مع كل انتخابات ترتفع النفقات الجارية، وتنخفض من الموازنة النفقات الاستثمارية، وكذلك ترتفع الاستيرادات وتنخفضالصادرات، وهذه العواملمجتمعة تعمل على ان تكون السياسة النقدية خاضعة لضغوطات المالية العامة لتحقيق اهداف المركزي وفي مقدمتهاالاستقرار النقدي.
أن ارتفاع النفقات الجارية وانخفاض الاستثمارية،وارتفاع الاستيراد، وانخفاض الصادرات، كل هذه السياسات تمهد لعدمالاستقرار وارتفاع موجات التضخم، وارتفاع البطالة ولاسيما منها المقنعة، مما يؤدي الى تأثيرات سلبية اقتصادية واجتماعية وسياسية على المجتمع،وبالرغم من ان البنك المركزي العراقي يعمل وفق نظام سعرالصرف المعوم المدار والذي يسمح بفرق نسبي او مرونة نسبية بين سعري البنك والموازي، الا ان الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لا تسمح بمستويات عالية من التضخم (نتيجة تضخم الانفاق)، لأنقان ونه هدف الى الاستقرارلذلك يضطر البنك المركزي وعبر اداة عمليات السوق المفتوحة ( نافذة مزاد العملة) ان يزيد من مبيعاته من الدولار وذلك ليساوي مابين الكمية المطلوبة والمعروضة من الدولار في السوق الموازي ولوتساوي نسبي، وذلك ليقترب من هدف الاستقرار، وهذاطبعاً له اثار سلبية على صندوق الدولة السيادي وهوالاحتياطيات من العملات الاجنبية، لأنه يستنزفها دون وجود استثمارات محلية تعمل على تشغيل المصانع لتعمل بدورها على زيادة الانتاج وتقليل الاستيراد!
ان جزء كبير من قرارات المالية العامة يعمل على وفق متبنيات حزبية، ومع كل دورة انتخابية نجد ارتفاع في الانفاق غيرالمنتج، والذي يذهب كله نحوالاستيرادات الاستهلاكية غيرالمنتجة، وان بعض الاقتصاديين حذروا من مغبة المرض الهولندي الذي اصاب الاقتصاد العراقي، وجعله يكله احادي الجانب،ويؤكدون في المقابل ان انخفاض اسعار النفط بعدعام 2014 له دور كبير في تنشيط العقلية الحاكمة الريعية، للتوجه نحو موارداخرى غير الموارد الناضبة.