مقالات

بعد خمسين عاما ..لماذا نتذكر جيفارا؟

 
كاظم الموسوي
 
” في المذكرات التي سجلها للتاريخ صور عن تلك الأيام الصعبة التي جمعته مع رفيق النضال والثورة فيديل كاسترو، وسطر فيها تاريخ شخص أراد أن يغير العالم… من بؤر ثورية إلى عالم بلا قيود .. عالم حر يحترم فيه الإنسان وكرامته، حالم بلا حدود وثائر بلا إطار .. يكفي ما كتبه في عدد من كتبه المنشورة، أو أراد أن يعبر عنه ليعطي حقيقة الإنسان والمثال والإرادة والخيار، ويقول شهادة للتاريخ والنضال والتحرر والديمقراطية.”
ـــــــــــــــــــــــــــ
ارنستو تشي جيفارا، (14 حزيران/ يونيو 1928 -9 تشرين أول/ أكتوبر 1967) طبيب، مثقف عضوي، رجل دولة، وزير، مقاتل ثوري بلا حدود. ولد في الأرجنتين واستشهد في بوليفيا. أهله من أصول إيرلندية، اسبانية باسكية، عاش في أميركا الجنوبية اللاتينية.. قائد في الثورة الكوبية.. زار بلدانا عديدة وترك انطباعات كثيرة عنه فيها. التقى قادة الثورات وحركات التحرر الوطني العالمية، وتبادل معهم هموم الفقراء والغلابة والثوار في حروب العصابات، كما تسمى، في حروب التحرر الوطني، ضد الإمبريالية والاستعمار والظلم والاضطهاد والاستغلال والحرمان، كما هي.
صوره تملأ أركان المعمورة، الى اليوم، في بيوت المناضلين، وفي قمصان العمال، وفي قلائد الصبايا، وفي مكاتب المثقفين، وأمام عيون الأعداء والأصدقاء. الشاب الذي يرتدي البيرية الخاصة والنجمة الخماسية التي ترصع مقدمتها.. وأحيانا مع سيجاره الكوبي.
كنت في زيارة الشام الحبيبة، قبل سنوات… اتصل بي أخي الطبيب الدكتور نظمي عبد الصاحب العبيدي، الذي كان يعمل في مشفى في فرانكفورت الألمانية، وهو أحد أسرى سجن الخيام بلبنان، وسألني أن ابنيه علي وحسنين يسلمان ويطلبان هدية منك، هي قميصان “تي شيرت” عليهما صورة جيفارا. شابان صغيران ولدا وعاشا في أوروبا، لم يخطر ببالهما هدية من الشام إلا صورة جيفارا. وهذا المثال هو ما يتكرر عند طلب كثيرين ورغبة عديدين وحاجة مريدين وسؤال مؤيدين. هناك من يتباهى بالصورة وهناك من يتحدى بها. يعلن غضبا أو يرفع سبابته احتجاجا. كثيرون حلموا أن يكونوا كما كان جيفارا. وليس غريبا أن ترى مكتبة لبنانية، تحسب على اليمين السياسي، كما توصف في مصطلحات السياسة التي تروّج لها، والتي لا تفكر لحظة باليسار ومطالبه، تطبع صورة جيفارا وتعرضها في أروقتها وعلى مدخلها وتنشر كتبه أو تعرضها على رفوفها وتصنع قمصانا بصورته. صحيح أنها لا تؤمن بما تعمل ولكنها تعرف بما تقوم، السلعة والربح حتى في هذه الظاهرة التي لا تستطيع مغالبتها. وأمثالها في أكثر من مكان، أو بلد.
إنه جيفارا … ارنستو تشي جيفارا. هل عرفت لماذا بقي اسمه ولم يعرف مثله اسم قاتله، أو من خطط أو من أرسل أو من بذل جهوده للخلاص من ذكره، أو ينشغل بالسؤال عنه، لا يريدون اسم جيفارا وذكر جيفارا ونموذج جيفارا. كان ولما يزل أيقونة تذكر في الذاكرة، وتؤشر في الدفاتر وتحفظ في الشهادات وتسجل في الايام. أية لحظة تاريخية ولدت اسمه ورسمت حلمه وبينت رمزه وقدمت مثاله.. وأية لحظة تعود كل عام، وبعد خمسين حولا تدق الباب وتصرخ: ارنستو تشي جيفارا.. حي لا يموت اسما وعلما وشارة وقدوة ودلالة ومعنى وملهما وضوء في ظلمات الاستبداد والقمع والدكتاتورية.. باختصار: جيفارا رمز إنساني وبطل ثوري في المخيال الشعبي والثقافة العالمية.
في المذكرات التي سجلها للتاريخ صور عن تلك الأيام الصعبة التي جمعته مع رفيق النضال والثورة فيديل كاسترو، وسطر فيها تاريخ شخص أراد أن يغير العالم… من بؤر ثورية الى عالم بلا قيود .. عالم حر يحترم فيه الإنسان وكرامته، حالم بلا حدود وثائر بلا إطار .. يكفي ما كتبه في عدد من كتبه المنشورة، أو أراد أن يعبر عنه ليعطي حقيقة الإنسان والمثال والإرادة والخيار، ويقول شهادة للتاريخ والنضال والتحرر والديمقراطية.
* لا يهمني متى وأين سأموت.. لكن يهمني أن يبقى الثوار منتصبين، يملأون الأرض ضجيجاً، كي لا ينام العالم بكل ثقله فوق أجساد البائسين والفقراء والمظلومين.
*لن يكون لدينا ما نحيا من أجله، إن لم نكن على استعداد أن نموت من أجله.
*أؤمن بأن النضال هو الحل الوحيد لأولئك الناس الذين يقاتلون لتحرير أنفسهم.
*أنا لست محررا، المحررون لا وجود لهم، فالشعوب وحدها هي من تحرر نفسها.
*إنني أحس على وجهي بألم كل صفعة توجّه إلى مظلوم في هذه الدنيا، فأينما وجد الظلم فذاك هو وطني.
*إذا فرضت على الإنسان ظروف غير إنسانية ولم يتمرد سيفقد إنسانيته شيئاً فشيئا.
* الذي باع بلاده وخان وطنه مثل الذي يسرق من بيت أبيه ليطعم اللصوص فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه.
*أحلامي لا تعرف حدودا.. كل بلاد العالم وطني وكل قلوب الناس جنسيتي فلتسقطوا عني جواز السفر.
*ان حبي الحقيقي الذي يرويني هو الشعلة التي تحترق داخل الملايين من بائسي العالم المحرومين.. شعلة البحث عن الحرية والحق والعدالة.
*كل الناس تعمل وتكد وتنشط لتتجاوز نفسها.. لكن الهدف الوحيد هو الربح.. وأنا ضد الربح ومع الإنسان.. ماذا يفيد المجتمع، أي مجتمع، إذا ربح الأموال وخسر الإنسان؟.
*قد يكون من السهل نقل الإنسان من وطنه ولكن من الصعب نقل وطنه منه.
*علموا أولادكم أن الأنثى هي الرفيقة هي الوطن هي الحياة. لا تحمل الثورة في الشفاه ليثرثر عنها بل في القلوب من أجل الشهادة من أجلها. لا يزال الأغبياء يتصورون أن الثورة قابلة للهزيمة.
* الدموع لا تسترد المفقودين ولا الضائعين ولا تجترح المعجزات، كل دموع الأرض لا تستطيع أن تحمل زورقاً صغيراً يتسع لأبوين يبحثان عن طفلهما المفقود.
*خير لنا أن نموت ونحن واقفين مرفوعي الرأس من أن نموت ونحن راكعين.
*عند الحاجة نموت من أجل الثورة ولكن من الأفضل أن نعيش من أجلها.
* ان الاصلاح الزراعي هو حجر الزاوية في اية ثورة. فليست هناك حكومة يمكن من تصف نفسها بأنها حكومة ثورية، إذا لم تنفذ برنامجا جذرياً للاصلاح الزراعي.
* أن الأمر يتطلب بناء مواطن من نوع جديد: علينا أن نصل إلى الضمير الاشتراكي قبل الخطط الاشتراكية، وأن نبني الإنسان الجديد ونغير عقلية الجماهير، إذا أردنا فعلاً أن نحقق المجتمع الاشتراكي المنشود. إنّ الاشتراكية الحقيقية هي حين يصبح ضمير كل فرد هو الضمير الجمعي، والضمير الجماعي هو ضمير كل فرد.. ويتطلب ذلك بناء جدياً وعميقاً وطويل المدى. كنا نريد أنشاء المدارس، فأنشأناها، وكنا نريد انشاء المستشفيات فأنشأناها أيضاً. أننا نبني الاشتراكية على أرضنا ونضع حبة الرمل الصغيرة هذه في خدمة أمل الإنسانية الأكبر: الغاء استغلال الإنسان للإنسان، هذا الإنسان الذي يشكل الاستعمار الد عدو له.
*…ان الثورة تتجمد وان الثوار ينتابهم الصقيع حين يجلسون فوق الكراسي، وأنا لا أستطيع أن أعيش ودماء الثورة مجمدة داخلي.
هذه الكلمات بلا تحديد خلاصة تتردد في اركان المعمورة، وتقف أمام كل من ينظر بصورة جيفارا، او يعتبر من التاريخ، وقصة تلهم المئات في كل مكان وزمان، ما دام الظلم والعنف والقمع والاستبداد والفقر باقيا في هذا العالم. دم جيفارا لم يذهب هدرا، وأحلامه حيّة ترسل للجميع شارة الوطن والنصر والإرادة والبناء والكرامة والمستقبل.
حتى بعد اغتياله ظل اسمه عنوانا للضمير البشري .. ولهذا بعد خمسين عاما، نتذكره ونقف اجلالا لذكراه، وكل عام ستذكره الأجيال وينصفه التاريخ.