ثقافيه

“ترجمات الأفلام” مشروع فكري لم يعرف طريقه إلى العربية

تخصص جديد يتيح لصاحبه التوغل في اكتساب ثقافة سينمائية عميقة وعنصر مهم يسهم في إنجاح الفيلم

أشرف الحساني  

تراهن الشركات على الدبلجة أكثر من الترجمة المكتوبة (مواقع التواصل)

في وقت حققت السينما الغربية قفزات مذهلة على مستوى الصناعة السينمائية ووسائطها، تظل السينما العربية بمنأى عن مجمل التحولات الفنية والجمالية والتقنية والفكرية التي طاولت الفن السابع في العالم ككل، فكلما ظهرت قضية فنية أو إشكال جمالي ذو اتصال عميق بالإنتاجين الثقافي والفني، يستنفد الغرب مادته على مستوى التفكير في حين أن العالم العربي لا يعرف به أو حتى يسمع عنه.

وهذا الغياب عن مسرح التفكير الفني العالمي لا يمكن تفسيره إلا بالغياب التاريخي الذي سبق الحديث عنه داخل بعض الأدبيات الفكرية والمتمثل في “التأخر التاريخي” الذي يعيشه العرب، فكيف نهتدي إلى حداثة سينمائية على مستوى الكتابة والتصوير والأداء والمونتاج والدبلجة والإخراج، بينما الصناعة السينمائية العربية لم تحقق بعد أبسط الأشياء على مستوى الصنعة.

وعي سينمائي هش

تعتبر الترجمة السينمائية إلى العربية وغيرها أحد أبرز هذه القضايا الفكرية التي لم تأخذ حقها من ناحية القراءة والمناقشة والتفكير، فالعالم العربي لا تتوافر فيه مؤسسات خاصة بترجمة الأفلام السينمائية ونقلها إلى العربية، باستثناء بعض الدول الخليجية مثل قطر والإمارات والكويت والبحرين، والتي عملت منذ نهاية التسعينيات على دبلجة مسلسلات مكسيكية وأميركية وتركية، مما يجعل المشاهد العربي يتعرف شيئاً فشيئاً من خلال الشاشة الصغيرة على ثقافات الشعوب الأخرى.

وبفضل هذه الدبلجات العربية أصبح بإمكان المشاهد العربي السفر بصرياً إلى ثقافات مختلفة وضفاف أخرى، بل إن هذه المسلسلات والأفلام أثرت حتى في نمط عيش الناس وجعلتهم يتحررون من الأنماط التقليدية، فصار العرب من خلال السينما الهندية والمسلسلات المكسيكية مثلاً يعترفون بالحب والحديث عن العشق من دون خجل.

اقرأ المزيد
  • قصة “أنيس عبيد” رائد ترجمة الأفلام الأجنبية إلى العربية… كما ترويها ابنته
  • الترجمة في يومها العالمي: ترسيخ الحوار الحضاري واعتراف بالآخر
  • الترجمة في عصر الذكاء الاصطناعي… إشكالية اللغة والمعنى

ولا توجد مؤسسات يتعامل معها المخرج السينمائي الأجنبي من أجل ترجمة أفلامه إلى العربية، وليست هناك مؤسسات عربية للترجمة يمكن للمخرج العربي أن ينقل عبرها صوره وسيناريوهاته إلى لغة أجنبية تمكنه من اختراق المجتمعات الأخرى، مما يعني أننا أمام معضلة فنية لم يتطرق إليها أحد بعد، فمعظم الترجمات يقوم بها فريق الفيلم على رغم أن أمراً كهذا غير مرغوب فيه اليوم، فالترجمة السينمائية تخصص جديد يتيح لصاحبه التوغل في اكتساب ثقافة سينمائية عميقة شأنه في ذلك شأن السيناريست.

وأضحى هذا النوع من الترجمة يفرض نفسه من الناحية الفكرية لأنه يعطي للفيلم إمكانات مذهلة من حيث الصناعة، ولا يجعل المخرج يسقط في بعض الأخطاء الجانبية على مستوى الترجمة والتي ستؤثر حتماً في جماليات السيناريو.

غياب مهول للترجمة

إن الترجمة السينمائية الهشة قد تسيئ للفيلم وتجعل عوالمه غير واضحة بالنسبة إلى المتلقي، بخاصة أن المشاهد العربي لا يمتلك ثقافة سينمائية تؤهله لفهم حركات الممثل وجماليات الصورة وخطية الحكاية من دون قراءة الجمل على الشاشة، وترجمة الأفلام لا تخرج عن كونها إحدى وسائل ودعائم وآليات الصناعة السينمائية، فهي مثل العملية النقدية لا يمكن اعتبارها تعيش على هامش الفرجة السينمائية، لأنها عنصر مهم يسهم في إنجاح الفيلم واكتساب مزيد من الشهرة بالنسبة إليه، بل إننا نجزم أن هذا النوع من الترجمة البصرية يعطي للعمل السينمائي ونظيره التلفزيوني شهرة بالغة، لأنه يتيح له إمكان اختراق نسيج مجتمعات أخرى والتأثير فيها.

ويعتبر عدد من المخرجين العرب أن من أسباب غياب الترجمة السينمائية عدم تحقيق السينما العربية شروط حداثتها المكتملة بما يجعلها بعيدة من كل تفكير جديد من شأنه أن يسهم في توطيدها ونقلها إلى مرتبة تصبح فيها مفكرة في ذاتها وآلياتها.

وتقتصر العملية السينمائية العربية في مجملها على مراحل تقليدية لم تخرج منها، وتتمثل في الكتابة والإنتاج والإخراج والعرض، متجاوزة مراحل فنية أخرى ترافق عملية العرض وتتمثل في النقاش مع النقاد من خلال عروض ولقاءات، فضلاً عن الاشتغال على نقل الفيلم إلى لغات عدة.

ويقول الناقد السينمائي نديم جرجورة إن “للترجمة السينمائية والتلفزيونية أصولاً، إذ عليها الجمع بين صحة القواعد والأسلوب مع تبسيط غير استسهالي أو مسطح، فالمشاهد يحتاج إلى أبسط التعابير العربية وأصدقها وأقربها إلى النصوص الأجنبية المترجمة إلى العربية للتمكن من مواكبة الأحداث والتطورات ومن فهم النفوس والتصرفات، من دون جهد في القراءة وفهم المعاني، لكن الحاصل عربياً يتمثل في أخطاء جمة تبدأ باللغة وأسلوب الكتابة، وتنتهي بالطباعة وشكل الأحرف وصوغ الجمل”.

ويضيف، “هناك محطات تلفزيونية تبث ترجمة إلى العربية غير كاملة، إذ يترك المترجم أو المسؤول عنه كلمات أجنبية داخل جمل عربية، إما لأن المترجم والمسؤول غير مدركين للمعنى العربي، وإما لأنهما غير مكترثين بترجمة صحيحة تتلاءم وآلية عمل الترجمة ومتطلباتها، وإما لجهل يدفعهما إلى اعتماد مطلق على ’غوغل‘ وما أدراك ما هي الترجمة العربية التي يقدمها ’غوغل‘”.

إن غالب الأفلام الغربية المترجمة أو المنقولة إلى العربية تكاد لا تخلو من بعض الأهوال والمآزق والتصدعات، والسبب كامن في عدم وجود مترجم متخصص في السينما وعوالمها، فمعظم مترجمي الأفلام يتعاملون مع السيناريوهات بطريقة ميكانيكية آلية تترجم الكلمات والجمل والإشارات بطريقة معجمية تنسى في مجملها التعامل مع السيناريو باعتباره نصاً بصرياً مختلفاً، فالسيناريو السينمائي على رغم بعده الأدبي من ناحية الكتابة إلا أنه يبقى نصاً سينمائياً مختلفاً يحمل في طياته لغة منوعة ترتبط ارتباطاً شديداً بالصورة أكثر من الخطاب الشفهي، كما أن هناك سيناريوهات تصعب ترجمتها لعدم وجود مقابل لها داخل اللغة المترجمة إليها.