ثقافيه

لماذا نجح فيلم “وداعا جوليا” السوداني في مصر؟

صناع العمل: حاولنا التعبير عن الأوضاع السيئة في البلاد بطريقة إنسانية ولغة سينمائية مختلفة

نجلاء أبو النجا صحافية  

يُعد فيلم “وداعاً جوليا” ثاني عمل سوداني يعرض في صالات السينما المصرية بعد “ستموت في العشرين” للمخرج أمجد أبو العلا (اندبندنت عربية)

منذ أعوام لم يحقق فيلم غير مصري نجاحاً في دور العرض المصرية، ولم يحظ بإقبال جماهيري بخاصة وأن هناك ندرة في عرض أفلام من جنسيات أخرى في مصر، ولكن حدثت نقلة نوعية أثارت التساؤلات بعدما حظي الفيلم السوداني “وداعاً جوليا” بإقبال جماهيري جيد، وحقق إيرادات تقترب من 3 ملايين جنيه مصري (100 ألف دولار) منذ عرضه في الـ 28 من أكتوبر (تشرين الأول)، فهل سيكون هذا العمل بداية لانتعاش السينما السودانية وإفساح مجال لها في السوق المصرية؟javascript:false

انفصال السودان

وتدور أحداث الفيلم في الخرطوم قبيل انفصال الجنوب وحول جوليا التي تنتمي أصولها إلى جنوب السودان لكنها تقيم في الشمال قبل الانفصال، وتتسبب سيدة من شمال السودان تدعى منى هي وزوجها أكرم في مقتل زوج جوليا، وفي محاولة للتخلص من عقدة الذنب تحاول منى مساعدة جوليا وتعيّنها مساعدة لها في المنزل وتتوالى الأحداث.
والفيلم ثاني عمل سوداني يعرض في صالات السينما المصرية بعد “ستموت في العشرين” للمخرج أمجد أبو العلا، المنتج الرئيس لـ “وداعاً جوليا”، والذي تشاركه في إنتاجه مؤسسات إنتاجية مصرية وسعودية وفرنسية وسويدية.
والفيلم أول عمل سوداني يشارك في “مهرجان كان” السينمائي الدولي ونافس على جائزة “نظرة ما” (Un Certain Regard) واختير من قبل اللجنة الوطنية السودانية لتمثيل السودان رسمياً في جوائز الأوسكار في فئة أفضل فيلم دولي لعام 2023، وهو من إخراج وتأليف محمد كردفاني وبطولة نزار جمعة وقير دويني والممثلة والمغنية إيمان يوسف وعارضة الأزياء وملكة جمال جنوب السودان السابقة سيران رياك.

772.jpg

يطرح الفيلم طرح قضايا عدة مثل العنصرية والعلاقات الخاصة بين الأزواج والعائلات والأصدقاء​​​​​​​ (اندبندنت عربية)


أحداث سياسية

وعلى رغم أن الفيلم دار في إطار اجتماعي إنساني لكنه ألقى بظلاله على كثير من الأحداث السياسية، بخاصة مرحلة انفصال الشمال عن الجنوب وما خلفتها من أزمات على كل المستويات.
وقال مؤلف ومخرج الفيلم محمد كردفاني في تصريحات خاصة لـ “اندبندنت عربية” إن “السودان دولة مليئة بالأحداث المهمة سياسياً وإنسانياً وتاريخياً، وأي حدث قد يصلح لعمل قصة ملهمة ومشوقة جداً على الشاشة، وكانت تشغلني كثيراً العواقب الإنسانية وانعكاسات الانفصال ونتائجه ولذلك فكرت في تناول الأحداث بطريقة اجتماعية وليست سياسية مباشرة”. وأضاف كردفاني، “كتبت الفيلم وحضرت له لفترة طويلة ولحسن الحظ قمنا بالتصوير قبل وقوع الأحداث الأخيرة بحوالى ثلاثة أشهر، وعلى رغم ذلك كان التصوير شديد الصعوبة وبخاصة المشاهد الخارجية، واستغرق الأمر وقتاً كبيراً حتى يتم التنفيذ وفقاً للرؤية التي حلمت بها، وما أسعدني أن العمل قوبل بتقدير كبير وكان رد الفعل رائعاً بخاصة وأن القضية تبدو محلية وقد لا يفهمها من هم خارج النطاق الجغرافي للسودان بصورة دقيقة، لكن الحقيقة أن الجمهور استوعب الفكرة وأحب القضية وتفاعل معها بصورة لم أكن أتخيلها، واستطعنا توصيل البعد الإنساني للمشكلات السياسية التي يعانيها الوطن والمواطن”.
وتابع المخرج أن “الاختبار الحقيقي لتفهم الفكرة كان طرح العمل في محافل دولية، وأثناء العرض في مهرجان ’كان‘ حصل الفيلم على إشادات كبيرة جداً وحصد جائزة الحرية في مسابقة ’نظرة ما‘ وما أعتبره نقطة فارقة فعلاً هو استقبال الجمهور المصري للفيلم بتفهم شديد وتحقيق نجاح جماهيري في دور العرض المحلية، واختتم الفيلم نجاحه بترشحه للـ ’أوسكار‘ كممثل للسودان”.

اقرأ المزيد
  • أمجد أبو العلا: خارج جغرافيا السودان لا تصدق أفلامنا
  • المسرح في السودان يزدهر رغم الحرب
  • هل تمتد حرب السودان إلى جنوبه؟
  • حرب الخرطوم تطفئ شاشة السينما السودانية وتعطل الإنتاج


مدينة كوستي

وعن تصوير الفيلم والمشروع ومدلولاته السياسية والاجتماعية قال منتج الفيلم المخرج أمجد أبو العلاء “كنت أتمنى تنفيذ عمل معاصر يعبر عن الأوضاع في السودان ويوضح الوضع الفعلي للناس ويكون دليلاً حقيقياً على ما حدث وانعكاساته، بخاصة وأن الانقسامات التي عاناها السودان منذ وقت طويل واستمرارها كانت السبب الأساس في الوضع الجديد، وشكلت أساس الدخول في الأزمة الحالية والحرب الأهلية”.
وعن التركيز على الشق السياسي كشف أبو العلا أنه “من المستحيل إبعاد السياسة عن أي عمل يتعرض للسودان، فكل الأوضاع تتأثر بصورة كبيرة جداً بالسياسة وتوابعها التي غيّرت كثيراً من الملامح والمشاهد الحياتية والإنسانية ومصائر المواطنين على الصعد كافة”.
وتابع أبو العلا، “أعلم أن العنوان الرئيس للفيلم له مدلولات سياسية وهذا هو الأساس والهدف الأول، لكن المباشرة كانت ستحيل الموضوع لفيلم وثائقي، ولهذا بعدنا تماماً عن فكرة الحديث الصريح عن الأزمة ومزجنا كل القضايا بتفاصيل إنسانية، وفي العمل طرح لكثير من القضايا مثل العنصرية والعلاقات الخاصة بين الأزواج والعائلات والأصدقاء، إضافة إلى استعراض تفاصيل من حياة الشماليين مع الجنوبيين في السودان”. وأشار أبو العلاء إلى أنه على رغم كل الظروف كان متفائلاً بهذا المشروع، “بخاصة أنه عقب تنفيذه مباشرة وتصويره قرب مدينة كوستي السودانية وقعت أحداث السودان الأخيرة، وربما لو تأخر التصوير وعاصر الأحداث لكان من غير الممكن استكمال المشروع أو كان من الصعب إنجازه بهذه الصورة”.

الجالية السودانية

وحول إيرادات الفيلم الكبيرة في دور العرض المصرية وعلاقة ذلك بوجود شريحة كبيرة من السودانيين في مصر، قال أبو العلا “لا يمكن إنكار أن الفيلم حقق نجاحاً جماهيراً ربما لم يكن متوقعاً، فشباك التذاكر المصري ليس أمراً سهلاً والاقبال الجماهيري من الجمهور المصري ربما يستأثر بأفلام مصرية أو أجنبية ذات صبغة معينة مثل الأفلام الأميركية وأفلام الحركة والكوميدي وغيرها من الأعمال المضمونة الرواج، ولكن نجاح ’وداعاً جوليا‘ والإقبال عليه في وجهة نظري قد يرجع لعوامل عدة منها وجود الجالية السودانية الكبيرة اليوم في مصر، والتي حرصت على مشاهدة العمل، مما أدى إلى زيادة عدد النسخ المعروضة في صالات السينما، كما أن الارتباط الوثيق بين المصريين والسودانيين وشعور مصر بمعاناة السودان شكلا حافزاً وتشجيعاً على حضور العمل، وأيضاً مشاركة الفيلم في مهرجان ’كان‘ وتميزه وعرضه في مصر في توقيت جيد بعيداً من زحام الموسم السينمائي المصري الذي يتطلب نوعية معينة من الأفلام التي تعود عليها الجمهور”.

واختتم أبو العلا بأن “الفيلم حقق أفضل هدف صنع من أجله وهو طرح القضية بصورة عادلة ودقيقة ومميزة، ومنح النازحين السودانيين لمحة من التفاؤل والأمل بعد الإحباط الكبير الذي عانوه بسبب فقدان منازلهم واضطرارهم إلى تركها، كما أن النجاح التجاري للفيلم سيفتح الباب أمام إعادة النظر في بعض الأمور مثل تصنيف الأفلام كتجارية أو أفلام مهرجانات بعدما كسر حاجز الخوف التي كان الموزعون يعانونه، وزادها أن الفيلم لا يشمل نجوم شباك وغير مصري”.