ثقافيه

معرضان للكتاب في بيروت يتجاذبهما نبيه بري ورئيس الحكومة

وزارة الثقافة تشرف على الأول الذي سيكون عربياً وعالمياً والنادي الثقافي يقدم صيغة أخرى

محمود وهبة  

من أجواء معارض الكتب في بيروت (النادي الثقافي العربي)

يفتتح مساء الجمعة المقبل معرض لبنان الدولي للكتاب في مبنى الفوروم دو بيروت، ولكن هذه المرة بتنظيم اتحاد الناشرين اللبنانيين وبرعايتين، الأولى من رئيس مجلس النواب نبيه بري والثانية من وزير الثقافة اللبناني محمد وسام المرتضى الذي ينتمي الى “حركة أمل”. تأتي نسخة هذا المعرض على خلفية الانقسام الذي جرى بين اتحاد الناشرين اللبنانيين والنادي الثقافي العربي الذي دأب طوال سنوات، على تنظيم معرض بيروت الدولي للكتاب، برعاية رؤساء الحكومة، كما اقتضى العرف. هذا الانقسام بلغ ذروته هذه السنة، بعد تجاهل النادي الثقافي العربي في دعوته لمعرض بيروت الذي يقام بعد أسابيع، اتحاد الناشرين اللبنانيين للمشاركة في تنظيمه. حاولنا الاطلاع على موقف النادي الثقافي العربي من أمر الانقسام فلم نحظ بجواب. لعل الرد سيكون في معرض بيروت بعد أسابيع، والذي سيكشف طبيعة السباق بين معرضين واحدهما برعاية نبيه بري والآخر برعاية رئيس الوزراء مدعوماً من الرئيس السابق فؤاد السنيورة الذي ترأس شقيقته سلوى السنيورة بعاصيري النادي الثقافي العربي.javascript:false

هذه اللخبطة المتجسدة في معرضين تذكرنا بأمور ثانية سياسية منقسمة ومتشظية في لبنان، في الوقت الذي يجب أن تكون الثقافة على ضفة أخرى وبعيدة من هذه المشاحنات. فالمتابع يجد أن الفارق بين المعرضين لا يتعدى الأسابيع الخمسة، والأمر أشبه بنوع من المضاربة الثنائية، علماً أن كلاً منهما يأخذ حيثيته على خريطة النشر العربي ولا يتعارض مع أي معرض عربي آخر.

WhatsApp-Image-2023-05-09-at-9.00.57-PM.jpeg

بوستر معرض اتحاد الناشرين في بيروت (الخدمة الإعلامية)

في مداخلتها لـ”اندبندنت عربية” تصرح سميرة عاصي نقيب الناشرين اللبنانيين، شقيقة السيدة رندة بري، زوجة رئيس المجلس النيابي نبيه بري: “لماذا الاستغراب هذا من وجود معرضين في بيروت؟ النقابة ارتأت أن تقيم معرضاً دولياً وليس محلياً. معرضٌ دولي يستضيف الدول العربية، وبلجيكا، تركيا، الهند وغيرها من الدول. برأينا أن هذا التنوع ضروري خصوصاً بعد ما جرى ويجري في لبنان”. وتضيف عاصي: “لبنان يحتمل كل يوم معرضاً، فلماذا نتغنى فقط باسم الكتاب والحرف والأبجدية وحرية الكلمة وحرية الكتاب ونستغرب من وجود معرضين؟ وسأقول إننا بصدد دراسة فكرة للتوسع إلى كل المحافظات. نسعى جاهدين لتخفيض أسعار الكتب ومواكبة السوق الخارجية. ببساطة نتمنى كل التوفيق للنادي الثقافي العربي، وهذا المعرض نعتبره دليل عافية وفأل خير لهذه المدينة”.

إيجابيات وسلبيات

حادثة المعرضين لا شك أنها تشكل ضربة للناشر اللبناني وحتى العربي المشارك، فالناشرون سيكونون أمام تكاليف مضاعفة، من حيث الحجوزات والمصاريف التي ينفقونها على مشاركتهم في المعرض. والواضح أن المعرضين سيتكلفان مرتين على عدد هو نفسه من القراء الذين يمكن أن يكون قد تضاءل مقارنة مع السنوات الماضية، علاوة على أحوال الضيق المادي التي تسود لبنان.

92ff9a6f-fb55-4f2c-825c-9b97149ddf0d.jpg

مشهد بيروتي للكتاب (سوشيل ميديا)

ولدى سؤالنا عن إيجابيات وسلبيات وجود معرضين في بيروت يجيب محمد هادي صاحب دار الرافدين وأحد منظمي نشاطات المعرض: “أفضل الحديث عن الإيجابيات في هذا الوقت بالذات. أحب أن أرى القارئ الذي سيستفيد، الكاتب أيضاً والناشر، والجو الثقافي العام. الحقيقة أننا لسنا في وضع سليم يسمح لنا بتعداد السلبيات والنظر فيها. النشر في بيروت يرزح تحت ظرف صعب منذ كورونا. صحيح أن القدرة الشرائية ضعيفة، لكننا سنحاول من خلال هذا المعرض تحفيز الناس على القراءة وارتياد المعرض، أنا كصاحب دار نشر لا أقول إن الأمور في غاية السوء ولكنها ليست ممتازة، هناك مساحة للمبيعات لا بأس بها”. ولدى سؤاله عن أولويات الناشر العربي اليوم يجيب:” أولويات الناشر العربي اليوم هي التوزيع طبعاً والتسويق. هناك انحسار في الأسواق وتحتاج تغذية من كل الجهات”.

برنامج ثقافي حيوي

المعرض الذي يرافقه ترويج إعلامي ضخم بوصفه الحدث الأول الذي يقام تحت هذا العنوان ومن تنظيم هذه الجهة، يأتي رديفاً للنسخة التي تم تقديمها في مارس (آذار) الماضي. ومما لا شك فيه أن موضوع الترويج الإعلامي هو جزء من خطة عمل اللجنة المنظمة. الدورتان الاستثنائيتان اللتان تلتا جائحة كورونا وثورة أكتوبر (تشرين الأول)، كانتا عبارة عن نسخ بسيطة ومتواضعة، وغابت عنها دور نشر كثيرة. من هنا يمكن القول إنها إطلالة محلية على عالم الكتاب في بيروت.

يعود تاريخ معرض بيروت إلى عام 1956 ويلقب بـ”عميد” المعارض العربية وكان النادي الثقافي العربي هو دوماً منظمه والمشرف عليه. ولم تمنع الحرب إقامته الأهلية، ولم يغب عن بيروت سوى مرات قليلة نتيجة جائحة كورونا لسنوات ثلاث، وأيضاً في عام 2008 أيام احتجاجات فريق 8 مارس. جرت العادة أن يخصص الناشرون العرب لمعرض بيروت جديد إصداراتهم لكون بيروت منصة رئيسية لدور النشر اللبنانية والعربية، وعلى أساسها تبرمج إصداراتها ونشاطاتها. هذه المرة ستكون النسخة الأولى هي الحاضنة للمشهد العربي نظراً لعدد التواقيع المحجوزة لبنانياً وعربياً، وعدد المحاضرات والمناسبات الثقافية التي سيتم إحياؤها، وأيضاً لحجم الإقبال العربي للإطلاع على كل ما هو منشور حديثاً.

اقرأ المزيد
  • الأزمة الخانقة تُفقد معرض بيروت للكتاب وهجه السابق
  • معرض بيروت للكتاب يغيب للعام الثاني على التوالي

في مداخلتها لـ”اندبندنت عربية” توضح رنا الصيفي مديرة شركة المطبوعات للنشر والتوزيع:” إنه لأمر حيوي وإيجابي أن يكون في لبنان معرضان للكتاب، ذلك من ناحية النتيجة المتوقعة والمرجوة لهما وليس لناحية الأسباب الموجبة لقيامهما. هناك دور نشر لا يمكنها المشاركة في المعرضين، فتشارك في أحدهما، وهذا أمر جيد. المشكلة المطروحة لدينا، هي القرصنة فتؤكد أنها نوع من الفساد، والفكر المسموم الذي يجب محاربته بكافة الطرق والوسائل الممكنة”.

جهود محلية وغياب الدعم

أسئلة عدة تتوارد على خلفية المعرض حول إمكان وجود دعم عربي. هل سيكون هناك دعم عربي؟ هل سنكون أمام نسخة عن سيناريو السنوات الماضية بعيداً من الابتكار وقريباً من الجمود والتقليد؟ أسئلة تتوارد وكلها ستكون الإجابة عليها داخل المعرض وتفاصيله ونشاطاته.

من جهتها، تؤكد رنا إدريس مديرة دار الآداب:” سعينا مع النقابة إلى أن يكون معرضاً عربياً، وأن نستقطب دور نشر عربية إلى جانب الوجود الفرنكفوني، وهذا أمر إيجابي طبعاً”. وتتحدث عن دور الناشر العربي وأولوياته اليوم:” أولويات الناشر العربي هي الصمود بلا أي دعم في وجه كل ما يواجهه من تعقيدات وسرقات وقرصنة ومتاعب في هذه المهنة”.

في الوقت الذي يضيق هامش الحرية في بيروت خصوصاً بعد منع عرض فيلم “باربي” الشهر الماضي، تأتي نسخة معرض لبنان الدولي للكتاب لتقدم نموذجاً واقتراحاً للاشتغال في مجال النشر، وهواقتراح يدفعنا إلى السؤال عن أدباء ومفكرين وشعراء رحلوا خلال العام الماضي: جبور الدويهي، طلال سلمان، حسان حلاق، حبيب صادق وآخرين كثر… لمَ لمْ يتم التطرق إليهم هذا العام؟ هل هناك حدود مرسومة من قبل وزارة الثقافة اللبنانية على النشاطات والأسماء المقترحة للمشاركة في المشروع؟ لماذا لا يتم تخصيص دورة باسم كل واحد منهم على نسق ما يحصل في دول عربية مجاورة؟ نسخة جديدة من معرض لبناني، نأمل بألا تقتصر على حسابات السياسة والمادة بعيداً من صورة بيروت كحاضنة للنشر والثقافة العربية.