بقلم : ناصر قنديل
– بعيداً عن الخلاف في الخطاب السياسي الذي ينتهجه الرئيس سعد الحريري والذي يحمل الكثير من القضايا الخلافية، يمكن للمراقب من موقع القراءة التقنية للخطاب الانتخابي تسجيل ملاحظات تتّصل بدرجة الدقة والمصداقية من جهة والحاجة والبراعة من جهة أخرى. وهي عناصر كان الرئيس الراحل رفيق الحريري يهتمّ بها كثيراً في حملاته السياسية والانتخابية، وكان الرئيس سعد الحريري يشعر بالقدرة على الاستغناء عنها وعن امتلاك خطة للانتخابات، وحسابات لها في الانتخابات السابقة، في ظلّ ثلاثة عوامل هامة كانت تتكفّل بحسم الفوز للوائحه الانتخابية، هي المرجعية السعودية الحاسمة في زمن صعود حربها على سورية والمقاومة منذ القرار 1559، ومكانة استشهاد الرئيس رفيق الحريري في هذه الحرب من جهة، وفي صناعة التعاطف مع اللوائح الحريرية من جهة أخرى، ومع هذين عامل المال الوفير وقدرته على صنع المعجزات .
– للمرة الأولى يخوض الحريري الانتخابات بحسابات لبنانية صرفة، فهو رغم التطبيع مع الرياض وولي عهدها يعرف ما بات معلوماً من علاقة رفع العتب التي يعامله بها الحاكم الفعلي في الرياض، وسط شبكة حماية غربية لخصوصية حريريّة لا بدّ منها لبنانياً لضمان الاحتفاظ بنصيب من الحضور للغرب بعواصمه كافة، ومعه للرياض نفسها، في ظلّ متغيّرات عكسية قاهرة ولا قدرة على منع توسّع تأثيرها، تصيب الحضور الغربي والحضور السعودي في المنطقة معاً. وللمرة الأولى يواجه الحريري الاستحقاق الانتخابي بدون المال الوفير ولو توفر بعضه، وللمرة الأولى الحريري محتضن من جمهوره بعد أزمته «السعودية»، وخلاصه بتضامن وطني شامل ضمّ رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب، وحزب الله، وهو تضامن عاش جمهور الحريري تفاصيله وعبّر عن تقديره لها، وخصوصاً لموقف حزب الله، فيما يسدّد الحريري بصورة مبالغة فواتير العداء له لجعلها عنواناً لحملته الانتخابية، منذ تطميناته البلا مبرّر عن أن لا حلف مع حزب الله.
– لم يستطع الحريري قول ما يعرف أنه حقيقة، وقال أمينه العام عكسه قبل أيام، فتياره ليس محارَباً من الجميع، ولا من أحد فعلياً، والفرق كبير بين الحرب والمنافسة الانتخابية المشروعة لتمثيل عادل يعبّر عن الأحجام ويفتح باب التعدّد السياسي داخل الطوائف، وتشكيلة مرشحي المستقبل معبّرة عن الرغبة بتمثيل غير محدّد بطائفة، فكلّ ما يحيط بالحريري يقول له، من ضمن حق القوى بنيل تمثيل يعادل أحجامها، إنه في السياسة محاط بعناية الجميع من الفاعلين، وفي مقدّمتهم حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر والحزب التقدمي الاشتراكي، ويتمنّون له حضوراً نيابياً وازناً، ولا يشنّون عليه حرباً، بل يرونه في السياسة شريكاً مطلوباً، ولو لم يكن حليفاً لأسباب بعضها مراعاة لظروفه.
– الكتلة التي يرغب الحريري بالحصول عليها، والتي تصل إلى ثلثي عدد مرشحيه لن يحصل عليها بلغة الحرب، فالحصول على فوز نصف المرشحين وأقلّ كافٍ ليكون رئيساً مقبلاً للحكومة، والجمهور الذي يريد مخاطبته لن يكسبه لصناديق الاقتراع باستعارة لغة الذين خانوه وتآمروا عليه. ولا تكفي هنا اللغة الهادئة لخطابه الانتخابي. فالشارع يحتاج لغة مطمئنة للشراكة العائدة بعد الانتخابات، ولصياغة دور لتيار المستقبل بعيداً عن اللعبة الإقليمية والعداوات التي أورثتها للحريري وتياره. اللغة التي يحتاجها تيار المستقبل والحريري في توصيف الدور والوظيفة، هي لغة تشبه الدور المفترض لرئيس حكومة قادم، يمثل خيط المسبحة التي ستجمع المكونات اللبنانية في حكومة جديدة، والجسر الذي يعبر من خلاله المتخاصمون إلى لغة الوفاق والشراكة، التي تشكّل وحدها الخرزة الزرقاء التي تحمي لبنان من الفتن، وتعزّز دور الجيش والمقاومة في حمايته من العدوان وخطر الإرهاب.
– دخول الشعار الانتخابي لتيار المستقبل على حماية لبنان، ولو برمزية الخرزة الزرقاء وشرح الحريري لها، وصفة إعلانية غير متقنة مهنياً، لما فيها من ثقافة الشعوذة التي ستثير بوجهه فرصاً لقناصة الخلفيات الدينية المتعصّبة في لبنان، وخصوصاً في السعودية حيث تكفّر الوهابية كلّ مَن يؤمن بهذه الرموز، وفيها استعلاء على سائر المكوّنات السياسية، لكن الأهمّ أنها تستبطن تحرّشاً بلا مبرّر مع مفهوم الحماية الذي يحتاجه لبنان ولا تفيد فيه خرزة زرقاء، ولو كان اسمها تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، إلا بمقدار ما يكون الحريري والتيار سنداً لثلاثية الشعب والجيش والمقاومة، وهو ما ليس مطلوباً قوله من الحريري اليوم، لكن لا مبرّر لقول عكسه ولو بالإيحاء، فالانتخابات ليست معركة ولا حرباً، بل سعي لمشروع لتمثيل عادل، كان الحريري سيوفق كثيراً لو قال لناخبيه، القانون النسبي سيمنح كلّ فريق وكلّ زعيم حجماً يعادل وزنه بين الناس وبيدكم أن تقولوا حجم زعامة سعد الحريري، وهذا حق له لا ينازعه عليه أحد، مهما كبر هذا الحجم، ولا يحتاج لنيله إلى خرزة زرقاء.